يشبه بلد الأرز في عيون رائد الفضاء الاميركي دونالد توماس، والذي يحمل الرقم القياسي العالمي لأطول فترة إقامة على متن محطة فضاء دولية، كوكب زحل في جمال حلقاته ورقيّه، وهو الكوكب الذي أخذه من الصغر الى عشق النجوم ومن ثم ملاحقتها الى حدود الفضاء البعيدة، فكانت حكاية نجاح سطرها التاريخ لعالم الناسا الذي يجول في العالم مستعرضا تجربته، داعيا الشباب الى المبادرة والتعرف الى عالم الفضاء واختراق أسراره ومكنوناته.
وكان رأى توماس الكون من زوايا مختلفة تلهم المدافعين عن المنطق ومكرّسي الخيال على حد سواء، فمسيرته العلمية بامتياز مكلّلة بالخيال والحلم. "ابن الأسرة الفقيرة" الذي اعتاد مراقبة النجوم منذ أن كان في السادسة من العمر، يتميز بالنظرة العميقة لمحيط المعمورة ولتقديره لقدرة الإنسان على اكتشاف كل ما يحيط به. ولعل هذا ما دفع به في الأساس لزيارة لبنان ايليا أبو ماضي وسعيد عقل، لبنان المعلّق بالنجوم، بقطره المتواضع وكيلومتراته المربعة الـ 10452. وهو إذ يتميّز بتفوقه العلمي، لا يقلّ تفوقا من ناحية شخصيته المرحة. ولعله يشبه اللبنانيين في تمسكه بالابتسامة على الأرض كما في الفضاء. يروي لـ"المستقبل" كيف يلعب رواد الفضاء لعبة التقاط الكرة. يقول ضاحكا: "من الفرص الاستثنائية التي تسنح لنا، فرصة التقاط الكرة، وبغياب الطابة، كان أحد الرواد يضم جسمه فيصبح هو الطابة. إنها تجربة مثيرة للضحك ولا يمكن عيشها إلا في الفضاء".
وعن وصوله الى لبنان يضيف: "لقد رأيت لبنان من الفضاء وسمعت خلال سنوات الكثير عنه وعن شعبه المضياف، ولكني حين وصلت اكتشفت، خلال أيام قليلة، بلدا جميلا جدا وأناسا أجمل بكثير، لم أجد مثيلا لضيافتهم"، يصرّح توماس الذي أتى حاملا في جعبته صورا للأرض من الفضاء وأهمها بالنسبة للبنانيين صورة لبنان التي التقطها من على ارتفاع 300 كلم.
ويعرب رائد الفضاء الذي يزور بلد الارز للمرة الأولى عن اعجابه بأحلام اللبنانيين التي لا تحدّها الا السماء. يضيف بفرح: "بالكاد تنتهي المحاضرة حتى يسرع الجميع لسؤالي عن تجربتي وللتصريح عن رغبتهم بالسفر الى المريخ". وفي حين أن توماس أتى ليلهم الشباب، لم يزده هؤلاء إلا الهاما وإعجابا، ويحفظ من جولته "المشهد المؤثر لطلاب يمثلون مشهد السير على القمر وغرسهم للعلم اللبناني على الكوكب الفضي"، وهو مشهد جعله يشعر "بالفخر بكل اللبنانيين وباصرارهم على الحلم والأمل بالمستقبل".
في لبنان، حيث الأحلام معلقة بين الأرض والسماء، في شدّ حبال لا ينتهي بين اليأس والأمل، يسجّل التمسك بعراقة بلد الحرف نقطة، هذه المرة من باب مبادرة أطلقها برنامج تنمية الناشئين الشباب ضمن أكثر من 27 ندوة يؤكد فيها توماس على ضرورة الكفاح و"التغلّب على الصعاب وتحقيق الأحلام في الحياة".
توماس حطّ رحاله في "وطن النجوم"، بجهود لبنانيين اثنين هما المدير التنفيذي لبرنامج تنمية القادة الشباب مليح اليمن وحسن عمر العلي من شركة "أوبتيموس"، حاملا مئات الطلاب من مدارس وجامعات مختلفة بالاضافة الى محبي الفضاء على أجنحة الحلم. الزائر الذي دار حول كوكب الأرض لنحو 692 مرة، وصل الى لبنان في رحلة ملهمة من المرتقب أن يتخللها في 3 أيار تكريم له في قصر الأونيسكو برعاية رئيس الحكومة سعد الحريري.
وتأتي زيارته بفضل دعوة من قبل برنامج تنمية قدرات الشباب YLDP، إذ يوضح اليمن على رسالة برنامج القادة الشباب الهادف الى توعية "المارد النائم" في نفوسهم ودعوتهم للتفكّر في أسرار الكون والمثابرة من أجل التفوق على النفس، بدءا ببلورة الأهداف في الحياة والقيم المتوافقة معها.
بدوره، يأمل العلي أن تشجع زيارة توماس الشباب على التمسك بلبنان وعدم الاستسلام للعوائق. يقول: "من أكثر إلهاما من توماس ابن العائلة المتواضعة والفقيرة،و الذي وصل الى الفضاء"، مشددا على أن مسيرة الزائر أكبر مثال على ضرورة نبذ التفرقة والتمييز: "قوة كل أمّة تكمن في وحدتها. في الماضي، اعتاد توماس أن يعرّف عن نفسه على أنه ابن أوهايو الأميركية، أما اليوم فهو يؤكد على أنه ابن كوكب الأرض".
وهذه ليست المرّة الأولى التي يرتبط فيها اسم لبنان بأعمال روّاد الفضاء فقد سبق للرائد الفرنسي توماس بيسكي أن نشر في التاسع من شباط 2017 صورة للعاصمة بيروت من الفضاء، مرفقة بالتعليق: "أتمنى أن أزور هذه المدينة يوما ما".
(حسناء بو حرفوش - المستقبل)