تتقدم زراعة الصعتر في منطقة النبطية حيناً وتنحسر أحياناً أخرى، تبعاً للظروف التقنية والمادية التي تحيط بها، إذ بعد مضي أكثر من عشر سنوات على اعتمادها في المنطقة، تتركز زراعتها في الوقت الحالي في قرى وبلدات كفررمان، قعقعية الجسر، يحمر الشقيف، زوطر الشرقية وزوطر الغربية وغيرها. المزارعون استطاعوا تأمين ما نسبته بين ثلاثين وأربعين بالمئة من مداخيلهم من هذه الزراعة، لكونهأ أسهل عملاً وأقل كلفة من غيرها، لكنها ليست بديلاً عن الزراعات الأساسية الأخرى التي يعتمدونها، كزراعة التبغ التي ما زالت تحظى بالاهتمام الأول لديهم، بالرغم من صعوبة العمل فيها على مدار السنة، نظراً لأسعارها التشجيعية المدعومة من الدولة اللبنانية.
لذلك تعتبر زراعة الصعتر في القرى والبلدات المذكورة، زراعة حديثة وثانوية أمام زراعتي التبغ والزيتون الأساسيتين التي يعتاشون منها منذ زمن بعيد، بينما الهدف من زراعة الصعتر أقله حتى الآن هو زيادة دخلهم المادي وتحسين وضعهم الاقتصادي والمعيشي فقط، وقد لجأوا إليها بعيد عدوان تموز (يوليو) الاسرائيلي عام 2006، حيث قام البعض منهم بمبادرات خاصة على هذا الصعيد، في حين عمل الاتحاد الأوروبي على دعمهم وتشجيع البعض الآخر ممثلاً بمؤسسة “أي سي يو” ICU الإيطالية التي قدمت لهم الشتول والمواد والتجهيزات والأدوات وتمديدات وخزانات المياه والمضخات اللازمة. ينتج الدونم الواحد من زراعة الصعتر المروي نحو 100 كلغ من الصعتر اليابس أو الأخضر، بينما تبلغ كلفة الكيلوغرام المخلوط بمادة السماق 15 ألف ليرة ليباع بين 30 و و35 ألف ليرة، وبحسب العرض والطلب.
زوطر الغربية
تواجه زراعة الصعتر في زوطر الغربية مشكلة تصريف الإنتاج في الأسواق البعيدة والخارجية، في حين “يعتمد هذا الأمر في الوقت الحالي على الأسواق المحلية المتمثلة بالمصطافين والمغتربين والقاطنين في بيروت”، يقول المزارع حبيب ياغي، لافتاً إلى أن “كثافة الإنتاج وقلة التصريف، تساهمان في إنخفاض الأسعار جراء المنافسة بين المزارعين، فضلاً عن وجود معمل للصعتر في المنطقة، يعمد أصحابه إلى شراء الصعتر اليابس من المزارعين بأسعار متهاودة نظراً لصعوبة تصريفه، وهم يصنعونه ويبيعونه للمونة والأفران بأسعار عالية في ما بعد”. ويرى ياغي، بحسب خبرته في الأرض، أن “نبتة الصعتر تصلح زراعتها في الأراضي الكلسية الخفيفة وليس في الأراضي الحمراء أو السوداء القوية، كما أنها ليست بحاجة إلى الأسمدة والمبيدات الكيماوية والأدوية الزراعية، باستثناء الأسمدة الحيوانية والعمل على حمايتها من الأعشاب الضارة فقط لا غير”. “إذا أراد المعنيون في الدولة والحكومة إيجاد بديل عن زراعة التبغ في الجنوب، عليهم أن يشجعوا المزارعين على زراعة الصعتر وإيجاد المعامل اللازمة لها، ودعم شراء إنتاجه منهم، إسوة بزراعة التبغ، أو تأمين الأسواق الخارجية لهذه الزراعة، وتأمين كافة المتطلبات الكفيلة بإنجاحها”، بحسب المزارع محمد نعمة من زوطر الشرقية، كاشفاً أن “زراعة الصعتر هي زراعة سهلة ولا تحتاج للكثير من التكاليف، ويمكن القيام بها بشكل فردي عند الزراعة أو القطاف، بعكس زراعة التبغ التي يغلب عليها الطابع العائلي، واضطرار المزارعين لاستئجار العاملين فيها، مما يكلفهم مصاريف باهظة”.
يحمر الشقيف
درج أهالي يحمر الشقيف في وقت سابق على قطاف أوراق الصعتر من البرية المحيطة بهم، لكن انتشار القنابل العنقودية الإسرائيلية في تلالهم وحقولهم المحيطة بنهر الليطاني بعد عدوان عام 2006، جعلت مهمتهم محفوفة بالمخاطر، وفق المختار سمير قاسم، لافتاً إلى حرمانهم من أحد مصادر الرزق الطبيعية التي يعتمدون عليها، إلى أن عرض الإتحاد الأوروبي عليهم واحداً من خياراتٍ ثلاثة، هي تربية النحل أو تربية الأبقار أو زراعة الصعتر، فاختاروا زراعة الصعتر لسهولة العمل فيها وعدم حاجتها إلى الخبرة اللازمة، مشيراً إلى تقديم الاتحاد الأوروبي للمزارعين تمديدات الري وخزانات المياه والأسمدة العضوية. لا يعتبر قاسم زراعة الصعتر في يحمر الشقيف زراعة بديلة عن زراعات التبغ والزيتون والحبوب، والدليل على ذلك أن تسليم التبغ إلى إدارة الريجي يتم بالأسعار المدعومة بعكس إنتاج الصعتر الذي يعتمد على المبادرة الفردية، مشيراً إلى اعتبار يحمر الشقيف إحدى أهم القرى المشهورة بزارعة الزيتون في منطقة النبطية.
ويؤكد المزارع شوقي ناصر أن صعتر يحمر “باب أول” وهو بلدي 100 في المئة، لذلك لا يسوق في الأسواق التجارية، بل يباع من المزارع إلى المستهلك لنوعيته الممتازة ونكهته البلدية الطيبة”، مشيراً إلى أن “زراعة الصعتر في يحمر الشقيف أثبتت جدواها بعد مرور سنوات عديدة على اعتمادها، وجعلت العديد من المزارعين يقبلون عليها لتحسين أوضاعهم وزيادة مداخليهم”. ويوضح ناصر أن “كلفة إنتاج الموسم الأول من زراعة الصعتر كانت مرتفعة جداً بسبب ندرة مياه الري في البلدة من جهة، ولأن المؤسسة المانحة لم تأخذ على عاتقها توفير المياه للمزارعين من جهة ثانية، إضافة إلى أن الشتول المزروعة تطلبت ثلاث سنوات حتى تمكنت من مقاومة العطش على غرار مثيلاتها التي تعيش في البرية”.
زراعة الصعتر في يحمر لاقت رواجاً لافتاً للانتباه بعد تعذر الحصول على هذه النباتات من الحقول المجاورة للبلدة بسبب القنابل العنقودية، وفق المزارعة كاملة جابر التي طالبت “بزيادة المساحات المزروعة، بعدما أثبتت هذه الزراعة جدواها الاقتصادية”، مشيرة إلى أن سعر الكيلوغرام الواحد من الصعتر “اليحموري” المشهور بجودته، يتراوح بين 25 و 35 ألف ليرة، ويتم تسويقه في مناطق النبطية وفي بيروت لدى الأقارب والأصحاب.
عدنان طباجة
Greenarea