ليس كل وقوع انكسار وليس كل وجع انكسار ونهاية، ربما كان الوجع نقطه بداية فأحياناً ينبت من انكسارنا فخراً ونجاح، هذا ما حصل مع سناء، المرأة الصلبة التي لم تنكسر يوماً أو تضعف، و لم تقف مكبلة الأيدي، بل تخطت محنتها بكل عزم وإيمان.
المرأة الأربعينية سناء ناجي المتخصصة في مجال الحقوق، الرسم، غير أنها كانت شغوفة في التصوير الفوتوغرافي، الذي طالما مارسته كمهنة مع والدها لأكثر من 15 عاماً، وأتمت النصف الآخر من حياتها، فتزوجت و أنجبت الأولاد، إلى أن غزى سرطان الثدي حياتها قبل نحو سنة ونصف، وحدّ من تحركاتها في مجال التصوير.
ووجدت سناء صعوبة في تقبل والتأقلم مع هذه المفاجأة، و هذا ما دفعها الى التفكير بكيفية تأمين مبلغ كلفة العمليات الجراحية التي تحتاجها حتى لا يتملك منها المرض من جهة، وخبر وجوب استئصال الثدي الذي أكده الأطباء من جهة أخرى، فضلاً عن علاج كيميائي الذي يتعب المريض نفسياً و جسدياً.
وأجمل وأعظم ما فعلته سناء في هذه المرحلة الصعبة لتأمين نحو 20 الف دولار مصاريف كلفة العملية، بدلاً من اللجوء للمساعدة والجمعيات الخيرية هو تحويل هوايتها التي رافقتها منذ صغرها وهي "الطبخ" الى مهنة، استطاعت من خلالها مساعدة زوجها بشكل كبر وتخفيف أعباء التكاليف عنه كي لا يلزم أطفالها أي شيء من احتياجاتهم على حد قولها، فقامت بإنشاء مشروع صغير في منزلها، يتلائم مع وضعها كونها في وضع صحي يلزمها البقاء في المنزل، تعمل فيه على تأمين الطبخ البيتي للنساء العاملات وحتى غير العاملات اللواتي يفضلن هذا الطعام لعائلاتهن ولا يستطعن القيام به، حتى بدأت تتطور من الكبيس والمونة على أنواعها الى تحضير الأطعمة المتنوّعة والطبخ كالمحاشي على أنواعها، المعجنات، الكبّة على اختلافها والحلويات أيضاً.. وهذا ما أثمرته علاقتها القديمة مع الطبخ، حتى بات هذا الشغل مهنتها التي لا تظن أنها ستتخلى عنها، خاصة أنه هناك الكثير من الناس شدّهم طبخها ونكهته المميزة والصحي وأحبوه، فهي تقدم للعائلات ما تقدمه لعائلتها، فأصبح هذا شغلها الشاغل ومصدر رزقها، وتلقت المساعدة أيضاً من شقيقتها لتلبية أكبر عدد من طلبات الأمهات العاملات اللواتي يفضلّن المأكولات المنزلية لأولادهن.
هذا ما أثبتته سناء أن المرأة قادرة أن تفعل كل شيء من لا شيء، وتستطيع بعزيمتها الاستمرار في كسر الحواجز مهما كانت قاسية في مراحل معينة في حياتها، وأن سناء بحد ذاتها إمرأة قوية مليئة بالإيمان ومثابرة.
مهما بلغت قوة المرأة، فلا بد أن تحتضن دمعة في عينها، كهذا خلقها الرب، فكانت سناء رغم عزيمتها تبكي وحيدة في بعض الأحيان، لكن في الوقت عينه تقرر وتقنع روحها وذاتها أنها يجب أن تكون قوية، كما يجب عليها تأسيس عملاً يلهيها في فترتها الصعبة، فكان هذا العمل هو الكفيل بمنحها القوة ونسيانها ما مضى، وجعل منها سيدة أعمال أكثر عزماً وثقة وتصميماً من أي وقت مضى.
ما وصلت إليه سناء اليوم أقنعها بأن الشدّة تولّد القوّة، ودفعها الى تشجيع كل من حولها وخاصة النساء، وحثهن بعدم الإستسلام أبداً تحت وطأة مصيبة مهما كانت الظروف صعبة، هذا العمل اليومي ترك بصمة وأثر في الكثير من المنازل، وأعطاها قوة دفع إيجابية ونقطة تحوّل في حياتها لأنها لم تستسلم لمرضها، فباتت تلك المرأة الصلبة، الشامخة، المثل والعبرة لكثير من النساء اللواتي يجلسن داخل قوقعة الهم والضعف.
( النهار - بتصرف/ بنت جبيل.اورغ)