وجهه تغير اليوم، بعد ان هبت عليه نسمات العمر فلفحته، وبعد ان انهكه سعي النهار، يحاول بعينيه نصف المغمضة ان يصل بصعوبة الى الدكان ليشتري علبة سجائر و "كازوزا" وربطة خبز.
انها صدفة حينما كنت ماراً من طريق الدربية تجاه "حاكورة نص الضيعة "، لأجد ذلك الرجل يستوقفني ويتمنى عليّ ان اوصله الى السوق..مئة متر فقط مع ابو كامل كانت كفيلة بأن ترجعني الى زمن ولّى مع الايام، والعبارات القديمة التي اطلقها " ابو كامل " كانت تنبش ذاكرتي لتستخرج منها ما دفنته الايام، فبعض المفردات البنت جبيلية منه اضطرتني ان ادون ما يقوله / "اوعك تصَيعني بدي روح جيب كازوزا" كلمات لربما ترن في اذن من عرفهما، واذا كنت من بنت جبيل وقد قلبت يوماً في دفاتر قاموس هذه المدينة، ستدرك حتماً انها تعيدك الى زمن لم يعد موجوداً الا في ذاكرة بعض المسنين مثال احمد دعيبس ابو كامل الذي استيقظ من سبات نومه العميق فادرك واقع الحياة ووجد نفسه قد اصبح شيخا هرم يتكئ على عكاز يرسم له ماضيا حافلا بالاحلام.
عمر ابو كامل اليوم يزيد عن السبعين، ولكن تجاعيد وجهه كانت تنطق بأن ثمة أحداثاً قد عبثت بكيانه ، بعد ان عاش وبقي وحيداً في منزله في "السد العالي"، يجد صعوبة العيش لوحده ويذوق مرارة الحاجة، حتى وجد من هم اصفياء القلوب يقومون بخدمته سراً والاطلاع على احتياجاته لوجه الله ويخففوا عنه وحشة الوحدة ..
حال احمد دعيبس كحال الكثير من المسنين الذين يفتقرون على الاقل الى دار للعجزة في منطقتنا تكون قادرة على خدمتهم بعد ان فتك بهم الدهر، وتحتضنهم وتضمد جراحاتهم التي تتوسع مع الليالي والايام.