منذ اللحظة التي قام فيها ضابط البحرية الفرنسي والباحث البيئي جاك كوستو بتطوير جهاز التنفس الذاتي تحت الماء (سكوبا) في العام 1943، تمكن هواة الغوص حول العالم ومحبي الطبيعة من فرصة اكتشاف عالم المحيطات الذي يُمثّل 71 في المئة من تركيبة كوكب الأرض.
لبنان، هذا البلد الذي يحتل حيّزاً من الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والذي يفوق طول شاطئه 225 كيلومتراً من ساحل العبدة شمالاً إلى رأس الناقورة جنوباً، يعج بعدد مميز من مواقع الغوص التي تحمل تنوعاً بيولوجياً هائلاً، بالإضافة إلى حطام سفن فينيقية وحربية وغواصات وحتى طائرات تعود لزمن الحربين العالمية الأولى والثانية.
وإذا كنت من محبي الغوص في البحر، تعرف إلى أهم المواقع وجهز حقيبة السفر إلى لبنان هذا الصيف.
آبار (فوّارات) المياه العذبة في بحر صور (Fresh Water Wells 37-45m)
بلغ عدد ينابيع المياه العذبة المُكتشفة حتى يومنا هذا نحو 22 نبعاً من الناقورة جنوباً حتى ساحل العبدة شمالاً، حيث تخرج مياه هذه الفوارات الصالحة للشرب بحسب الصيادين والغواصين عن عمق يتراوح بين 37 و45 متراً، ومن الصعب أن تختلط مع مياه البحر المالحة. وهي قبلة للغواصين اللبنانيين والعرب والأجانب.
فوارات القاسمية الكبريتية (Sulfuric Wells and Caves (36m-43m
ينفرد بحر جنوب لبنان بوجود آبار كبريتية ساخنة من حيث عددها وضخامتها وغزارة تدفقها. ويتواجد مقابل شواطئ القاسمية شمال مدينة صورعدداً من الآبار الكبريتية، على عمق يتراوح ما بين 36 و60 متراً.
ففي العام 1997، اكتشفت نقابة الغواصين المحترفين في لبنان، برئاسة النقيب محمد السارجي، وجود هذه الآبار بعد القيام بعدد كبير من الغوصات الاستكشافية. كذلك توضح المراجع التاريخية للعالم الفرنسي ديبرتيه حقيقة وجود الآبار منذ العام 1842، وذلك حين ارسلته الاكاديمية الفرنسية للعلوم الى لبنان، بعدها كتب عن وجود ثلاث برك تقع على بعد ثلاثة كيلومترات جنوبي مصب نهر الليطاني على الشاطئ الجنوبي، ومن داخل هذه البرك كانت تنبع مياه كبريتية يزورها الناس من كل حدبٍ وصوب لاعتقادهم بقدرتها على الشفاء من بعض الامراض الجلدية كالبهاق والروماتيزم وغيرها.
فوهة البركان (Volcano Crater 55m)
معروفة أيضاً باسم "جورة سالم"، وهي واحدة من أجمل نقاط الغوص في جنوب لبنان. يوجد فيها نبع مياه ساخنة قطره 40 متراً ويصل عمق البئر إلى 55 متراً. يتواجد على هذا العمق حيوان الكركند بالإضافة إلى أسماك القرش (nurse shark).
مدينة صيدون الغارقة
إكتُشِفَت مدينة صيدون الفينيقية الغارقة (منذ العام 147 قبل الميلاد) في العام 1998 من خلال نقابة الغواصين المحترفين في لبنان، وذلك على بعد 600 متر من مرفأ صيدا، جنوب لبنان، تحت ما يُعرف بجزيرة الزيرة. وتشير المراجع والنصوص القديمة التي تركها المؤرخون أن بناء المدينة كان على جزيرة في وسط البحر قبل غرقها.
مدينة صور الغارقة
تعتبر مدينة صور القابعة تحت سطح البحر من أعرق وأقدم المدن الفينيقيّة التي غرق قسم كبير منها في البحر بعد الهزّات الأرضيّة التي اجتاحتها حوالي عام 550 قبل الميلاد، فضلًا عن الغزوات التاريخيّة التي طالتها. ويمكن رؤية بعض الآثار في قعر البحر والتي تتنوع ما بين الأعمدة الرخامية والطرقات والموانئ وبقايا مباني، على عمق يتراوح ما بين 3 و4 أمتار حول الجهات الثلاث للمدينة الأساسية (الشمال والغرب والجنوب).
ويورد المسؤول في المديريّة العامّة للآثار في وزارة الثقافة اللبنانية علي البدوي في حديثٍ صحافي إنه تم العثور على مقتنيات سفينة فينيقية يُرجح غرقها في البحر ما بين القرنين الخامس والسادس ما قبل الميلاد، والتي تمثّلت ببقايا جرار فينيقيّة. ومن المرجح أنها كانت تحمل في داخلها الزيت والزيتون والنبيذ وتحمل نقوشاً وكتابات فينيقيّة قديمة. ويعتقد أن حطام السفينة كان متّجهاً من مدينة قرطاج باتجاه صور، حيث عُثر على تماثيل حجريّة عبارة عن هدايا.
مدينة يرموتا الكنعانية
تم اكتشاف مدينة يرموتا في العام 2001 وذلك من خلال “نقابة الغواصين المحترفين في لبنان” في قاع بحر الزهراني-جنوب لبنان، بالتعاون مع الباحث في التاريخ القديم الدكتور يوسف الحوراني. وكانت المدينة قدغرقت كليًّا في المياه وشكّلت نقاشاً علميّاً ما بين علماء الآثار العالميين حول مكان وجودها وحقيقتها، وهي موجودة اليوم في مياه منطقة الزهراني، ويُقدّر عمرها بأكثر من 5000 سنة.
طائرة إنكليزية في بحر الناقورة
إثر إنسحاب الإحتلال الإسرائيلي من معظم الأراضي اللبنانية عام 2000، اكتشف صيادو الأسماك بالتعاون مع “نقابة الغواصين المحترفين في لبنان” طائرة حربية إنكليزية غارقة في بحر الناقورة- صور منذ ما يزيد عن 60 عاماً، على عمق 13 متراً مقابل منطقة البياضة.
ويبعُد مكان استقرار الطائرة الحربية الغارقة، عن شاطئ الناقورة مسافة تقارب 300 متر، وهي صغيرة من حيث الحجم وتعمل بمحرك أمامي ضخم ذو مروحة ثلاثية الشفرات، ولا تتسع سوى لشخصين على الاكثر.
أما القسم الامامي منها، فيضم المحرك الضخم، وهو انكليزي من صنع شركة “رولز رويس”، ما زال بحالة جيدة حتى بعد أكثر من 60 سنة على وجوده تحت مياه البحر.
سفينة ناشيونال ستار(national star ship 52m)
كانت سفينة “النجمة الوطنية” عبارة عن سفينة شحن مصرية بطول 90 متراً. وكانت تُبحِرُ بإنتظام ما بين مصر ولبنان.
تعرضت الناشيونال ستار في إحدى الليالي من العام 1991 لحادث عند مدخل ميناء صيدا، ولم يستطع طاقم السفينة إصلاحها برغم محولاتهم، إذ أنهم اكتشفوا بعد طول عناء أنه من الأفضل أن يتم اغراقها، لذلك تم سحبها حوالي 2.3 كيلومتر بعيداً عن الشاطئ لتغمرها المياه وتغرق على عمق 52 متراً. تستقر السفينة اليوم على أرض رملية بحيث يجد الغواصون عدداً كبيراً من الشفانين اللاسعة بأحجامٍ متنوعة.
وادي الجامعة الأميركية في بيروت (AUB Canyon 9m-300m)
يعتبر وادي الجامعة في بيروت من أفضل مواقع الغوص التي لاقت استحساناً كبيراً لدى الغواصين في ستينات القرن الماضي.
كان يُطلق عليه اسم “حفرة اسماك القرش” من قبل الصيادين الذين كانوا يجتهدون لاصطياد تلك الأسماك في الوادي الذي يتراوح عمقه ما بين 25 و300 متر. أما في الوقت الحاضر، فإن تواجد أسماك القرش أصبح ضئيلاً في هذه البقعة.
يقول الغواصون الذين عايشوا فترة الستينات أمثال الغواص اللبناني المحترف وليد نعوشي في أحاديث صحافية إن جدران الوادي شديدة الانحدار ومليئة بالكهوف الصغيرة والجميلة، بالإضافة إلى وجود مرساة ضخمة موجودة على عمق 43 متراً.
كما ويشير إلى أن هذا الموقع مناسب لجميع الغواصين المبتدئين والمحترفين، وأفضل وقت للغوص يكون في شهر أكتوبر حيث تكون الرؤية مناسبة، بحيث يمكن رؤية عدد من حيوانات ثعابين الموراي(moray eel)، الأخطبوط(octopus)، أسماك اللقز(grouper)، الشفانين اللاسعة (stingray)، الكركند(lobster)، وسمكة الراقص الاسباني(Spanish dancer nudibranch)).
موقع نقطة القرش (shark point 33m-55m)
يتألف موقع “نقطة القرش” من 5 مواقع موجودة على بعد 1.5 كيلومتر جنوب غرب صخرة الروشة في بيروت. هذه المواقع مناسبة فقط للغواصين المحترفين المتقدمين، بحيث تتراوح أعماق هذه المواقع ما بين 28 و50 متراً، ويكون مستوى الرؤية عادةً جيداً حتى 25 متراً على مدار السنة على الرغم من وجود تيارات مائية.
يظهر في هذه المواقع عددٌ من الحيوانات البحرية ما بين شهر آذار وأيلول مثل ثعابين الموراي(moray eel)، والشفانين اللاسعة(sting ray)، وأسماك اللقز(grouper)، ولكن يبقى أفضلهم وجود أسماك القرش(sharks).
تبدأ سمكة قرش نمر الرمل ذو الأسنان الصغيرة (SMALLTOOTH SAND-TIGER ODONTASPIS FEROX) وسمكة قرش الممرض(Gray nurse – Eugomphodus Taurus) بالظهور في شهر حزيران، وتختفي عادة في شهر تشرين الثاني، لتعاود الظهور في الفترة نفسها من العام التالي. لم تُسجل أي اعتداءات من قبل هذه هذه الأسماك ضد الإنسان ولكن يُنصح التصرف بحذر وعدم لمس القرش أثناء عملية الغوص لأنه من الممكن أن يُهاجم في حال شعر بالخطر.
غواصة سوفلير الفرنسية (Le Souffleur submarine 37m)
يمكن تصنيف غواصة "سوفلور" على أنها واحدة من أجمل حطام غواصات الحرب العالمية الثانية في العالم. على بعد 12 كيلومتر جنوب مدينة بيروت، تستقر الغواصة في بحر خلدة على عمق 36 متراً، ويمكن للغواصين المحترفين فقط الغوص في فصلي الربيع والخريف، بحيث يكون مستوى الرؤية جيد ما بين 6 و25 متراً، وقد تظهر للغواصين عدداً من الشفانين اللاسعة(sting ray)، وثعابين الموراي(moray eel)، وشفانين النسر(eagle ray).
تشير الوثائق التاريخية إلى أن غرق الغواصة في 25 حزيران 1941 في بحر خلدة جنوب بيروت، حصل بعدما تعرضت الغواصة لنيران صديقة (تم ضربها بصاروخ طوربيد) من قبل الغواصة البريطانية “بارثيان”، مما أدى إلى غرقها ومقتل 50 رجلاً من طاقمها.
سفينة ماكادونيا(Macadonia ship 15m-20m)
كانت سفينة الشحن "ماكادونيا" تبحر بشكل منتظم ما بين مصر ولبنان في بداية ستينات القرن الماضي، إلا أنها لم تكمل رحلتها في إحدى الليالي العاصفة بعدما اصطدمت بحيدٍ صخري بالقرب من صخرة الروشة في بيروت، الأمر الذي أحدث فيها فجوة كبيرة في أسفل الهيكل لتغرق على عمق 17 متراً. يُعتبر الغوص في هذا الموقع مناسباً لجميع مستويات الغواصين، ويمكن الغوص ما بين شهري آذار وحزيران، بحيث يكون مستوى الرؤية جيد ما بين 8 و20 متراً.
سفينة فكتوريا(HMS Victoria 70m-145m): السفينة العامودية
اكتشف الغواص اللبناني كريستيان فرانسيس حطام السفينة البريطانية فكتوريا، قبالة ساحل طرابلس شمال لبنان في العام 2004، بعد 124 عاماً على غرقها في العام 1893 وفقدان 358 رجلاً كانوا على متنها بعدما صدمتها سفينة حربية بريطانية أخرى أثناء المناورات العسكرية.
يقع حطام “السفينة الوحيدة في العالم التي تقف بشكل عامودي” على عمق 150 متراً، مع نحو ثلاثة أرباع طولها المدفون في قاع البحر.
سمحت الأبحاث التي اجراها "المتحف البحري الوطني" في لندن للغواص اللبناني الذي يبحث عن حطام السفينة منذ العام 1994، بتضييق نطاق البحث ليجد السفينة غارقة على بعد 4 كيلومترات من ساحل طرابلس شمال لبنان. وفي العام 2004 تعاون فرانسيس مع مدرب الغوص البريطاني مارك إليات، الذي يحمل الرقم القياسي العالمي لأعمق نقطة غوص على الإطلاق 313 متراً. كانت تجربة إليات مميزة في البحث عن حطام السفينة التي يعتبرها البريطانيون من أقوى السفن على الإطلاق.
نقطة الشفانين اللاسعة (sting ray point 22m-33m)
يقع هذا الموقع إلى شمال غرب الشاطئ العسكري في بيروت ويتراوح عمق الموقع ما بين 22 و30 متراً في حده الأقصى وهو مناسب لجميع مستويات الغوص. ما يميز هذا الموقع عدد الشفانين اللاسعة (sting ray) التي تظهر على شكل مجموعات ما بين شهري حزيران وتموز، بحيث من الممكن رؤية 10 شفانين في الوقت نفسه، من ضمنها الشفانين الكهربائية (ectric ray)، والشفانين النسر (eagle ray)، وشفانين ثورنباك (thornback ray).
مركب حامل صواريخ الطوربيدو(torpedo carrier boat)
لا يزال اسم هذا الحطام لغزاً بالنسبة إلى عدد كبير من مكتشفي الحياة البحرية. استخدمت هذه السفينة لنقل صواريخ الطوربيدات وبهدف تزويد غواصات حكومة الرئيس الفرنسي فيشي بالصواريخ في البحر المفتوح. ولكن تضارب الروايات يشير إلى احتمال تلقي السفينة ضربة مباشرة إما من خلال نيران صديقة، أو تم قصفها من قبل الطائرات.
يعتبر الحطام موقعاً مميزاً لمحبي التصوير تحت الماء، بحيث يُمكن تصوير 10 طورابيدات ملقاة على سطح السفينة الغارقة على عمق 60 متراً، على بعد 4 كيلومترات قبالة مرفأ طرابلس شمال لبنان.
(Newsweek)