أمسِ، وبكل هدوءٍ استسلم أسد شرارة لملك الموت بعد أن أنهكتهُ الأوجاعُ وافقدتهُ حلاوة التمتع بالمسرّات .
أمس، وبكل عفوية، أغمض عينه، وقد توقف القلبُ المتعبُ طاوياً غرائب الأحلام وغالي الآمال .
وأبو جهاد ... الأخُ والقريبُ والصديقُ والرفيقُ، خيرُ مثالٍ، وأسطعُ دليلٍ على جيلٍ عاش مسكوناً بوحدة الأمّة، من المحيط الى الخليج، وبرسالتها المنشودة بالغد العربيّ الواعد، الذي لا يعرف الفُرقة بين الأديان، والعصبيّة بين المذاهب، والحدودَ المصنعةَ بين الأخوة تبعاً للأعراق والألوان .
أسد شرارة : يمثًّل في لبنان جيلاً ملتزماً بالمبادئ السامية، ونظافةِ الطويّة، وطهارةِ السلوك، جيلاً منذوراً حلِمَ أن يرى بلادَهُ موحدّةً، قويةّ، متماسكةّ، مرهوية الجانب، تحمي حدودها، وتفتح أمام مواطنيها -كلّ مواطنيها- آفاق الرفعة والتقدم والإزدهار، دون تمييزٍ بين العِرق واللونِ والمذهب، بعيداً عن سفاسف الإنقسامات والعصبيّات والإنغلاق .
أسد شرارة، كان بالإضافة الى ذلك – انساناً خلوقاّ، طيباّ، طاهرَ الطويّة، محباً لكل الناس، بعيداً عن الإنغلاق والتحجّر .... وفوق ذلك كان عصامياً، بدءاً من طفولته في القامشلي – يوم كان أبوه موظفاً هناك في عهد الإنتداب . وبعد رجوع العائلة الى بيروت، أتمّ دراسته الثانوية ليُعيّنَ معلماً في منتصف الخمسينيات في بلدة عيناتا في الجنوب، ولينتقل بعد سنواتٍ الى وزارة البريد والبرق والهاتف في بيروت، ثم ليُتمّ دراسته وينالَ إجازةٌ جامعية اهلتْهُ ليُعَيّن مفتشاً مالياً في التفتيش المركزي، أي في الإدارة التي استحدثَها اللواءُ الرئيسُ فؤاد شهاب في حينه واختارَ لها اصحاب الكفاءة والنظافة والإلتزام .... وحيث عُيّن لاحقاً رئيساً لإدارة الأبحاث والتوجيه برتبة مدير عام في ملاك التفتيش المركزي .... واستمرّ الى أن أُحيلَ على التقاعد .
.... رحلة أسد شرارة في عالم الوظيفة كانت بإمتياز رحلةَ كفاءةٍ ونظافةٍ وتقدير ... وعلى هذا النمط من الإستقامة والإلتزام نشأ أبناؤُهُ الأربعة : جهاد وهشام ومعن وفؤاد، في طفولتهم ودراستهم وعملهم، وكانوا حقاً نِعمَ الابناء لهذا البيت النظيف .
يا أبا جهاد،
ايها الأخ والرفيق والقريب،
أنا على يقين أنك – ورغم غيابك – تشاركُني إحساسي واعتقادي أن الأعزّاء عندما يرحلون عنا يأخذون معهم الكثيرَ الكثيرَ من الأفراح والمسرات والمباهج، ويتركون لنا، - يتركون – أوجاعَ الذكريات والحسرات وآلام البعاد،
يا أخي الراحل
لك الرحمة ولنا جميل الصبر
29 أيار 2017
الكاتب والاديب
إحسان شراره