“والدتي أخبرتني منذ طفولتي أني لن أكون كغيري من بنات جيلي وبأني لن أستخدم يدي ولن أمشي على قدمي بسبب خطأ طبي منذ الولادة وكانت تهيئني لكل ذلك ولنظرات من حولي ورغم قساوة تلك الكلمات غير أنها كانت أكبر حافز لي لأرسم لنفسي مستقبلاً أتحدى به إعاقتي وأهزم ضعفي وأثبت للجميع أني لست عاجزة".
كلمات استهلت بها الشابة التونسية لبنى صميدة حديثها مع "هاف بوست عربي" وهي التي استطاعت رغم إعاقتها أن تحقق تميزاً تجاوز حدود بلادها نحو العالمية وتصل في ظرف وجيز لتقتلع مناصب أممية كرئيسة لفرع الإقليم العربي للاتحاد العالمي للتكنولوجيا بالأمم المتحدة عن ذوي الإعاقة ثم كنائبة رئيس المنظمة العالمية للتأهيل الدولي في المنطقة العربية وشمال إفريقيا وأخيراً اختيارها كسفيرة التكنولوجيا لمشروع "تونس الذكية".
لبنى التي تقتصر استقلاليتها فقط على استخدام فمها طوعت ذلك في مسك القلم بيدها وتعلم استخدام الكمبيوتر لتروي شغفها في مجال التكنولوجيا وتقنيات التواصل الاجتماعي وتفتح باباً لحاملي الإعاقة من أبناء جيلها في تونس والعالم العربي للاستفادة من هذه الثورة التقنية والاتصالية.
طفولة صعبة
ابنة محافظة سوسة الساحلية تقر أن طفولتها وسنوات الدراسة في مرحلة الابتدائي والثانوي كانت من أقسى الفترات لاسيما وأن أغلب المدارس في فترة الثمانينيات رفضت استقبالها بحجة أن وضعها الصحي لا يمكّنها من مزاولة تعليمها في مدرسة مع باقي التلاميذ الأسوياء ومن هناك كانت رحلة البحث الشاقة من قبل والديها اللذين لم يستسلما للأمر الواقع وتمكنا بعد صراع مع مديري المدارس من إيجاد مدرسة تحتضن هذه البنت حيث وافق أحد المدراء والذي كانت تربطه علاقة صداقة قديمة بوالدها أن تدخل أحد الصفوف لكن بشرط أن تبرهن على جدارتها.
لبنى أكدت أن تلك المرحلة كانت علامة فارقة في مشوارها الدراسي حيث تضاعفت عزيمتها على تحدي إعاقتها وازداد إصرارها على رد الجميل لوالديها ولمدير المدرسة لتبرهن للجميع أن قراره كان صائباً وفعلياً تميزت في كل الصفوف وكانت الأولى في كل سنوات المرحلة الابتدائية والثانوية بنتائج أبهرت أساتذتها وزملائها.
عن تلك السنوات تقول لبنى: "كنت أحاول في كل مرة أن أتجاوز نظرات أترابي لي التي لم تخف بعضاً من الشفقة حيناً والسخرية أحياناً أخرى كنت أبكي في لحظات ضعف تتملكني وأعود لأرتمي في حضن أمي وأخبرها بعدم رغبتي في مواصلة تعليمي لكنها كانت كل مرة تجلس على ركبتيها وتنظر في عيني بكل حدة وتقول لي بأنني شخصية خارقة للعادة ذات قدرات فكرية كبيرة ثم تغلق بيدها عيني لدقائق وتفتحها لتتحسسني بنعمة النظر التي لم أفقدها وتذكرني بأن الله حرمني من أشياء لكنه منحني نعماً أخرى يحسدني عليها غيري.
رحلة التألق في بريطانيا
لبنى تمكنت بعد تلك المرحلة من اجتياز امتحان الثانوية العامة بتفوق وتخصصت في دراسة اللغة الإنكليزية بالجامعة ونالت شهادة البكالوريوس ثم شهادة الماجستير لتسافر بعد ذلك ضمن منحة تدريب للطلاب المتفوقين إلى بريطانيا كأول طالبة تونسية من ذوي الاحتياجات الخاصة لتفتح لها الأبواب لاسيما في عالم تكنولوجيا التواصل والاتصال.
وتضيف قائلة: "أتذكر جيداً كيف أن أساتذتي وزملائي في الجامعة البريطانية كانوا في منتهى الاحترام والتعاون معي وفي سنة 2002 قدموا لي هدية ثمينة تتمثل في حاسوب "ماك" كان علامة فارقة في مشواري المهني والعلمي وزاد في إصراري على تعلم استخدامه عبر وضع قلم في فمي ثم تحريكه في لوحة المفاتيح ومن هناك كانت الانطلاقة نحو اكتشاف عالم التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة وتبادل الصداقات مع زملاء لي من كافة أصقاع العالم".
وتقر هذه الشابة بأن تمكنها من استخدام التكنولوجيا الحديثة جعلها تكسر حاجز العزلة وتشارك في العديد من المؤتمرات العالمية في أميركا وآسيا والخليج العربي حول قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة وتناضل من أجل الدفاع عن حقوقهم في النفاذ للمعلومة واستخدام التكنولوجيا الحديثة التي ظلت مقتصرة على الأسوياء فقط.
بالتوازي مع نشاطها الدولي تعمل هذه الشابة منذ سنوات في القصر الرئاسي بقرطاج بخطة متصرفة إدارية ومترجمة باعتبارها تتقن أربع لغات –عربية وفرنسية وإنكليزية وإيطالية وتشدد في ختام حديثها على ضرورة اهتمام الدولة التونسية بذوي الإعاقة وحقهم ليس فقط في التعليم بل أيضاً في الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة ومواكبتها وتضيف: "أقول لكل أب وأم له طفل من ذوي الإعاقة لا تخجلوا من إعاقة أبنائكم ودعوهم يكتشفون العالم الخارجي واعطوهم فرصة كغيرهم من الأسوياء فقد يذهلونكم بقدرات خارقة".
هافغنتون بوست