تحتل زراعة أشجار الخروب في محافظتي النبطية والجنوب، حيزاً مهماً من جهود زراعة الأشجار الحرجية، التي دأبت معظم البلديات الجنوبية، منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، على القيام بها. وباتت زراعة منظمة، تجاري زراعة التبغ والزيتون فيهما. وتحولت بفضلها جوانب الشوارع والطرق الرئيسية والمشاعات البلدية والعامة، إلى واحات خضراء تكحّل عيون الناظرين؛ وتوفر الظلّ والهواء النقي والمنظر الجميل والثمر اللذيذ الذي تنتجه، ليصبح مصدر دخل لكثير من البلديات، التي تعرضه للإستثمار لمن يرغب من المواطنين، بطريقة التراضي أو المزايدة. وتعتبر أشجار الخروب في الجنوب ولبنان عموماً، من الأشجار الواعدة على المدى الطويل، من الناحية الإقتصادية.
وهي لاتحتاج إلى عناية فائقة، إذا ما قورنت بغيرها من أشجار الفاكهة الأخرى. ويمكن زراعتها على جوانب الطرق والشوارع وفي الساحات، وفي المناطق الساحلية الدافئة. وتستخدم قرون الخروب المطحونة، في إعداد المشروبات مثل “الكاكاو”. وتضاف إلى اللبن البارد أو الساخن. ويجمع الأخصائيون على امتياز الخروب بتركيبته الطبيعية الفريدة، التي تجعل منه علاجاً فعالاً للعديد من المشكلات الصحية والجنسية والأمراض الخطيرة. ويشكل عاملاً وقائياً للعديد منها، فضلاً عن أنه يعد أحد أشهر المشروبات الطبيعية، التي يقبل الناس على تناولها صيفاً وشتاءً.
ويعدّ من المشروبات الرمضانية. وتأخذ تجارة الخروب حيزاً جيداً في مجال التجارة العالمية، خصوصاً في شهر رمضان المبارك. ونظراً لازدياد المساحات المزروعة بأشجار الخروب في المنطقتين، عاماً بعد عام، كان لابد من وجود معامل لصناعة دبس الخروب، لكي تستوعب الإنتاج الناجم عن هذه الزراعة، إلى أن توفر أحدها في بلدة عربصاليم – قضاء النبطية، منذ سنوات عديدة، بفضل جهود “الجمعية الزراعية” في البلدة؛ وبتمويل من جمعيات ومؤسسات مانحة، فبات مقصداً للمواطنين الذين يتعاطون زراعة وصناعة دبس الخروب وتجارته في المنطقتين.
يعتبر معمل عربصاليم الأول من نوعه في منطقة الجنوب، من حيث حداثته وتطوره، إذ بلغت كلفته حوالى 90 مليون ليرة. وبإمكانه إنتاج مائة طن من الدبس بنوعية عالية الجودة. يشيررئيس الجمعية المهندس قاسم حسن، إلى أن المعمل يندرج في إطار تنشيط زراعة الخروب، التي كانت تتجه نحو الإضمحلال، كشقيقاتها من الزراعات البعلية. ونظراً للأهمية القصوى التي أولتها بلدية عربصاليم لشجرة الخروب؛ والإستفادة من ثمرها، بادرت في العام 2002، بالتعاون مع الجمعية اللبنانية للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، تشجيعاً لزراعة الخروب وإنتاج دبسه؛ إلى زراعة 80 دونماً من مشاعات البلدية بأشجار الخروب، التي تشكّل في الوقت الحالي، غابة فريدة من نوعها وجمالها وإنتاجها. ويلفت حسن إلى أن البقايا الناتجة عن صناعة دبس الخروب، يتم تحويلها إلى “كمبوست” زراعي أو علف للحيوانات.
كذلك، يجري العمل، حالياً، على الإستفادة من بذور الخروب في لبنان، نظراً لأهميتها في صناعة أدوية التجميل، إذ أن مانسبته سبعة في المائة من ثمار الخروب، تحتوي على البذور. ولأنه لا توجد في لبنان تقنية لتصنيعها، يجري تصديرها إلى فرنسا، حيث يباع الكيلوغرام الواحد منها بثلاثين دولاراً، بينما يباع بدولارين ونصف أو ثلاثة دولارات فقط من لبنان. ويجري العمل حالياً، على التعاون مع إختصاصيين في المنطقة، للإستفادة من هذه البذور محلياً. كما يجري التواصل مع التجّار الفرنسيين، للتعامل معهم بشكل مباشر ومن دون وسيط، لتأمين السعر العادل. وهناك توجّه لصناعة “شراب الخروب”، المستخرج من العصارة. وإنتاج “بسكويت الخروب” الخالي من السكر، إضافة إلى “مسحوق الخروب” الذي يستعمل بديلاً من الكاكاو وفي صناعة الحلويات والمعجنات.
ويؤكد حسن أن المواطنين يتهافتون على شراء إنتاج المعمل من دبس الخروب، أثناء الموسم بشكل كثيف، لتفضيلهم الإنتاج الصحي والطبيعي، حيث يباع الكيلوغرام الواحد بخمسة آلاف ليرة، تحت إسم “دبس الجبل الرفيع”. لافتاً إلى أن الإنتاج المادي للمعمل، سيستخدم في تطوير صناعات زراعية مثل الملوخية، اضافة ألى الخشب الإصطناعي في البلدة. ويحثّ حسن البلديات في الجنوب ولبنان كافة، على تشجيع مواطنيها على زراعة الخروب في نطاقها، متعهداً بأن تشتري التعاونية الزراعية في عربصاليم، المحصول منهم مهما كان حجمه. المواطن حسين ياسين، الذي يعمل في صناعة وبيع إنتاج الخروب، يشرح كيفية تحول ثمار الخروب في المعمل، إلى دبس لذيذ الطعم، حيث يجري قطف ثماره بعد نضوجه وتحول لونه إلى الأسود، في أواخر شهرآب. ويتم تجفيفه تحت أشعة الشمس فترة من الوقت، ثم ينقل إلى المعمل لتكون “فرّامة” الخروب بانتظاره. وبعد فرزه وتقطيعه، يعمل “غربال” على تنقية كسر الخروب الصغير والكبير منها من الشوائب، فيذهب الكسر نقياً إلى التخمير؛ ويحفظ في غرفة معتّمة ما بين شهرين وثلاثة أشهر، لكي يختمر جيداً. بعدها ينقع في المياه لثماني ساعات، لاستخراج عصارته، التي يمكن تحويلها إلى شراب يفيد في علاج أمراض المعدة.
ثم يطبخ على حرارة البخار لمدة أربع ساعات، ليصبح بعدها دبساً جاهزاً للبيع. في بلدة الخرايب الواقعة في منطقة الزهراني الجنوبية، المشهورة بزراعة أشجار الخروب، تعتبر صناعة دبس الخروب فيها من الصناعات الريفية والحرفية والتراثية؛ وإحدى معالم البلدة، التي اشتهرت فيها لأكثر من تسعين سنة خلت، حيث كانت توجد فيها معصرتان قديمتان، ماتزال واحدة منها تعمل حتى الآن ويديرها المواطن علي خليفة، الذي يشير إلى أن دبس الخروب كان وسيبقى سيد المائدة لأهالي الخرايب، لاسيما في فصل الشتاء، كونه يبعث الدفء والحرارة والحيوية والقوة والنشاط في الجسم. لكنه في الوقت نفسه، يأسف لتمدد العمران والإزدهار، الذي قضى على قسم كبير من أشجار الخروب في البلدة. ويهدد ماتبقى منها على مدى السنوات المقبلة.
(عدنان طباجة - Greenarea)