أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

بالفيديو و الصور / رأس الناقورة: قطار الانكليز لا يزال على سكّة العدو!

الإثنين 19 حزيران , 2017 03:13 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 37,780 زائر

بالفيديو و الصور / رأس الناقورة: قطار الانكليز لا يزال على سكّة العدو!

يسود الاعتقاد بأن الشطر الفلسطيني المحتل من رأس الناقورة منطقة عسكرية مغلقة، كما هي حال الشطر اللبناني المحرر. تعقّب خط سكة الحديد التي بناها الإنكليز بين لبنان وفلسطين يظهر أن القطار فات اللبنانيين وحدهم، إذ يمنعون من التنعّم بآخر شبر من أرضهم كما يفعل المحتلون خلف الحدود

آمال خليل - الاخبار 

عند مدخل الناقورة، لوحة خضراء تشير إلى اتجاه فلسطين جنوباً. قبل النكبة، كانت كل الطرق توصل إليها، بالسيارة أو بالباص أو على الدواب أو... بالقطار الإنكليزي. الطريق بمحاذاة المقر العام للقوات الدولية العاملة في لبنان يقتطع كيلومترات عدة من واجهة البلدة البحرية ويقود نحو تلة «الرأس الأبيض».

بعد عدوان 2006، كانت آخر ما يمكن الوصول إليه. هناك عند حاجز استخبارات الجيش، لوحة ثانية كتب عليها: «منطقة عسكرية مقفلة. ممنوع دخول المدنيين». العام الماضي، نقل الجيش الحاجز إلى نقطة أقرب إلى الحدود، وانحصرت المنطقة المغلقة بمساحة حوالى كيلومتر واحد. فيما لا تزال منطقة اللبونة المحررة، في خراج رأس الناقورة، مغلقة.

المنطقة المغلقة تخترقها سكة الحديد التي أنشأها جيش الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية عام 1942. ألواح الحديد والخشب وحوائط الدعم المستحدثة لصد أمواج البحر والنفق الذي يخترق الجبل الصخري الأبيض، لا تزال على حالها.
اغتصاب فلسطين بعد سنوات قليلة من تدشينه وإقفال الحدود، عطّل حركة القطار بين البلدين، لكنه بقي يعمل حتى الآن داخل الأراضي المحتلة. بين النكبة وتحرير الجنوب عام 2000، ظلت المنطقة خارج النشاط العمراني، ما سمح بإبقاء خط السكة بعيداً عن التعديات التي طالته في كل المناطق الأخرى.
نفق رأس الناقورة كان آخر محطات القطار نحو فلسطين. الوصول إليه حالياً استلزم إذناً من قيادة الجيش.
من الجانب اللبناني، لا أحد يقصد المكان الذي تغطيه الأعشاب والصخور الناجمة عن الانزلاقات. في الطريق الى النفق، نلاحظ في البحر مركبين سياحيين إسرائيليين على خطّ «الطفافات» التي تحدّد الخط الأزرق المائي، علماً بأن الصيادين اللبنانيين ممنوعون من الاقتراب الى ما قبل أميال عدة. الخطّ الأزرق البرّي يمرّ قبل أمتار من مدخل النفق المغلق بحائط اسمنتي تخترقه نوافذ صغيرة. بين الحائط والخط الأزرق، شباك حديدية صدئة. من الداخل، تصدر أصوات أجهزة التهوئة. إذ إن النفق، من الجانب الآخر، حُوِّل إلى معلم سياحي بإمكان زواره الوصول إلى آخره لناحية لبنان!

«في الركن الشمالي الغربي لإسرائيل، في النقطة الوحيدة التي يلتقي فيها البحر والجبل، يقع المَعلم السياحيّ الساحر، رأس الناقورة. زيارة الموقع ملائمة للعائلات من كل الأعمار، وعلى مدار فصول السنة!». هكذا تروّج المواقع السياحية الإسرائيلية لزيارة Rosh Hanikra (رأس الناقورة)، حيث «سحقنا الصخور، ولوّنّا البحر بلون فيروزيّ رائع».

زيارة الموقع السياحي تتضمن الوصول إليه بـ«تلفريك» (مساره الأكثر حدة في العالم بحسب النشرات الترويجية) يتولى إنزال الزوار إلى الكهوف والمغاور البحرية، إضافة الى عروض ضوئيّة – صوتيّة، وقطار للأطفال وإمكانية ركوب دراجات هوائية أو سيارات كهربائية لـ«الاستمتاع بمنظر البحر الرائع ومشاهدة أرانب الصخور» التي تعيش في هذه المنطقة. وفي الموقع أيضاً مطعم يُطلّ على البحر، ومقاصف، وبسطات لبيع المشغولات الحرفية والقطع التذكارية. فيما يستضيف حفلات موسيقية ومهرجانات فنية ورياضية ويقصده عشرات آلاف الزوار سنوياً على مرمى حجر من الحدود اللبنانية.
لم يعلم نائب رئيس بلدية الناقورة علي طاهر بأن العدو يستخدم النفق. ككثيرين من أبناء بلدته، ومن اللبنانيين، كان يعتقد بأن مدخل النفق، لناحية الجانب المحتل، مقفل بحائط اسمنتي كما هي الحال في الجانب اللبناني.
يؤكّد، استناداً إلى كبار السن، أن الحدود تقطع النفق في وسطه، و«أهلنا أصدق من الخط الأزرق ومن الأمم المتحدة». يضيف أن «خط الطفّافات الذي ثبت في البحر عند ترسيم الخط الأزرق، تمدّد باتجاهنا تدريجياً، إذ تدفعه الزوارق المعادية التي تنتهك مياهنا يومياً من دون رادع».
بحسب طاهر، بدأ منع الأهالي من الوصول إلى رأس الناقورة منذ نكبة 1948. حينها، اعتدت العصابات الصهيونية على أهالي البلدة وهجّرت سكان الزيب والبصة المتداخلتين معها وزرعوا سكة القطار والنفق بالألغام لمنع التسلل. قبل اجتياح 1978، منعت حواجز الجيش اجتياز المنطقة. يقول عضو البلدية محمد هاشم: «حتى عندما كانت هناك دولة، كنا ممنوعين من الوصول.
كان هناك قرار بعدم الاشتباك مع الصهاينة». يستذكر هاشم ابن البلدة الرقيب في الجيش حسن داود سعد: «عام 1968، كان ضمن قوة الحراسة عندما اعتدت قوة صهيونية على مجموعته. بادر بإطلاق النار على قدم أحد المهاجمين. لكنه عوقب بكسر رتبته ونقله إلى مركز خدمة بعيد عن بلدته».


الشطر الفلسطيني المحتل من رأس الناقورة يعج بالسياح ويمنع اللبنانيون من الوصول الى الجانب اللبناني

قطار التحرير لم يمر برأس الناقورة واللبونة. رغم اندحار العدو وعملائه، لم تعد الحركة إليهما. ما الذي يمنع من استثمار المنطقة سياحياً كما يفعل العدو؟ «إجراءات اليونيفيل التي وافقت قبل عام فقط على فتح جزء من المنطقة المغلقة» يقول طاهر. منذ التحرير، لا تزال المنطقة على ما كانت عليه. بلدية الناقورة، بحسب طاهر وهاشم تحضر ملفاً لرفعه الى الوزارات المعنية لتمكينها من استثمار شواطئها سياحياً. الآمال ليست كبيرة: في ظل اللامبالاة اللبنانية والانحياز الأممي، وحتى إشعار آخر، سيبقى العدو وحده من يتغنّى بـ«سحق الصخور»، وسيبقى مستوطنوه وحدهم من «يحق» لهم الاستمتاع بـ«البحر الفيروزي الرائع»!
محمد علي عواضة، أحد أكبر المعمرين في الناقورة (90 عاماً)، شارك في إنشاء سكة القطار. يقول: «الناس فقراء وتهافتوا للعمل، كل ضمن بلدته. المشرف علينا كان اسمه عبده أبو ضاهر من بعلبك، ومسؤول الورشة كان الضابط الإنكليزي صاجن». تحملوا الحر والبرد طوال عامين بين 1942 و1944. عواضة كان يتقاضى 18 قرشاً فلسطينياً عن كل يوم، فيما قبض الصغار 12 قرشاً. «العمال دكّوا البحص والرمل تحت السكة وشدوا البراغي، وحفروا نفقَي رأس البياضة ورأس الناقورة مستخدمين التينول لتفتيت الصخر. قوة التفجير في إحدى المرات قذفت بعامل من آل هاشم من المنصوري نحو البحر وقتلته».
القطار الذي حمل الرمز «ن. ب. ط.» (ناقورة ــــ بيروت ــــ طرابلس)، أنشئ بموجب القرارين 159 و160 الصادرين عن المفوض السامي الفرنسي، من دون حفظ حقوق أصحاب الأملاك والعقارات الذين مرت السكة في أراضيهم. خلال مرور القطار في القرى أو توقفه للتزود بالفحم الحجري والمياه في البص والبياضة، كان الناس يصطفون للتفرج عليه: «كنا نلوح لهم بأيدينا ونصرخ Mange (طعام). فيرمون لنا الخبز والأطعمة»، يقول علي البردان (84 عاماً) من بلدة الشعيتية.
كان القطار، في جزئه اللبناني، مخصصاً لنقل جنود الحلفاء وإمداداتهم. لكنه في جزئه الجنوبي، الممتد من حيفا وعكا نحو بئر السبع، كان استخدامه مسموحاً للمدنيين. البردان استقله من عكا إلى حيفا لقاء 10 قروش فلسطينية.

 

Script executed in 0.19770312309265