يضرب اليباس بقوة أحراج الصنوبر في العديد من قرى حاصبيا، خصوصاً حرج وادي بلدة ميمس، مهدداً هذه الثروة الحرجية بالزوال، دون أن تبدو في الأفق أي معالجات جدية، من قبل الجهات المعنية والجمعيات البيئية والزراعية المختصة، التي تخلت عن مهامها، تاركة المزارع وحيداً يواجه هذه الآفة المستعصية، بإمكانياته المحدودة وبوسائل بدائية غير مجدية.
ويشير مزارعو الصنوبر في هذه المنطقة، إلى مرض غير معروف بالنسبة إليهم، يضرب أولاً، البراعم الصغيرة للشجرة وبعد أسابيع قليلة، يشاهد ذبول الورق ومن ثم يباس الأغصان، إنطلاقاً من أعلى إلى أسفل، مترافقاً مع ديدان صغيرة كثيفة، تنقر الجذوع على شكل ثقوب متقاربة، تتكفل بتلف كلي للشجرة، خلال شهرين أو ثلاثة أشهر، على أبعد تقدير.
هذا المرض، الذي بدأ بالظهور منذ حوالى سنة، أدى حتى الآن، إلى يباس ما بين 10 إلى 15 في المائة من أشجار الصنوبر. في حين هناك حوالى 45 في المائة من الأشجار، بدأت تظهر عليها علامات المرض، مهددة بيباسها خلال أشهر قليلة، إذا لم تسارع الجهات المعنية للعمل بشكل جدي، على تحديد المرض بشكل علمي ومكافحته. أكثر الأحراج تضرراً، حرج وادي ميمس، إلى الشمال من حاصبيا، حيث يبدو كثير من أشجار الصنوبر فيه، يابساً بالكامل، في ظل توسع المرض ليضرب أحراج الخلوات، الكفير وعين قنيا المجاورة. بمساحة يتجاوز طولها 15 كلم. وبعرض يتراوح بين 1و2 كلم.
ويصل عدد أشجارها إلى حدود الـ24 ألف شجرة، تتوزع ملكيتها بين الأهالي والبلديات ووزارة الزراعة. ويعتاش منها ما نسبته 15 إلى 20 في المائة من السكان. هذه الثروة الحرجية، الخضراء على مدار السنة، تميّز مرتفعات وأودية قرى المنطقة. وتشكل إغناءً للبيئة وجمالاً لطبيعتها، إضافة إلى كونها مصدراً مادياً لصناديق العديد من البلديات، التي تضمّن إنتاجها السنوي من “كروز” وبقايا حطب التشحيل، إلى تجار المنطقة، عبر مناقصات قانونية تشرف عليها الجهات المعنية، حيث يتراوح ثمن كيلوغرام الصنوبر هذا العام، بين 55 إلى 60 دولاراً أميركياً. ناهيك عن مئات العائلات المستفيدة من إنتاجه ومن أوراقه، التي تستغل في إشعال نار خبز الصاج. ويحذر العاملون في هذا القطاع الزراعي الهام، من هلاك حتمي لهذه الثروة الحرجية، إذا لم تتصدى الجهات المعنية، خصوصاً وزارتي الزراعة والبيئة والجمعيات الزراعية، للأمراض التي تضربها، عبر مكافحة واسعة وشاملة، تؤدي الغاية المرجوة منها قبل فوات الأوان. كما يقول المزارع حسان عامر. “علماً أن الأمراض والحشرات، سريعة الفتك بالأشجار”. ويناشد المزارع فايق أبو صالحة، وزير الزراعة، الإسراع في المعالجة، خصوصاً أن الصنوبر في هذه المنطقة، بدأ يعوّض عن الكساد في موسم الزيتون.
وهذه الثروة الصنوبرية، تستحق كل إهتمام، لما لها من فوائد متعددة بيئية وصحية وغذائية ومادية. وكل ما تحتاج إليه شجرة الصنوبر، هو بعض الجهد كي نحافظ عليها ونستغل ثمارها. وهذه الأمراض مثل الفطريات والصندل، الذي إنتقل من الصنوبر البري الى الصنوبر المثمر، يتسبب بهلاك الغابات وتراجع إنتاجها، إضافة إلى خسائر الملاكين والمتعهدين، ناهيك عن النتائج السلبية البيئية، لما تعكسه هذه الثروة الحرجية من مناخ بيئي وصحي. ويشير تامر علود، إلى أن هذا المرض الذي أصاب الصنوبر، يضاف إلى دودة الصندل، التي قضت على أعداد كبيرة من أشجار الصنوبر البري؛ وإنتقلت بسرعة، إلى الصنوبر الجوي. فأعشاش هذه الدودة تبدو كثيفة في الأشجار، نراها بيضاء تلمع تحت أشعة الشمس، وسط أغصان يبست بنسبة عالية.
ويلفت إلى أن المرض، في أحراج الصنوبر، تجاوز كل حدود هذا العام. وأن بعض المزارعين لجأ إلى أساليب خاصة به للمكافحة، منها إطلاق النار، من أسلحة الصيد، على أعشاش حشرة الصندل وهي طريقة ناجعة نوعاً ما، لكنها مكلفة. وتلزمها موافقة من وزارتي الزراعة والبيئة والجهات الأمنية المعنية. كذلك، عمل البعض على قطع الأغصان التي تحمل الحشرة وعمد إلى إحراقها، مما شكل خطراً على صحته، حيث شعر كثيرون بنوع من الحساسية في عيونهم. ويؤكد مسؤول مكتب وزارة الزراعة في حاصبيا، إسماعيل أمين، قيام عناصر من المكتب بجولات عدة، كشفوا خلالها على الأحراج المصابة، ليتبين لهم أن أكثر الأضرار تتركز في أحراج الصنوبر البري. وأن المرض بدأ يطال، منذ فترة، الصنوبر الجوي (المثمر). وقد قدم المكتب تقريراً مفصلاً إلى وزارة الزراعة، التي أرسلت كمية من أدوية المكافحة، عبر مصلحة الزراعة في النبطية. وبدأ المكتب بتوزيع الأدوية على البلديات والجمعيات التعاونية الزراعية، على أن تقوم هذه بدورها في مكافحة المرض، عبر رش المبيدات، على نفقتها الخاصة، في نطاق عملها. وتعتبر جهات بيئية في المنطقة الحدودية، أن المكافحة التقليدية لهذا المرض، عبر إستعمال مضخات الرش، غير مجدية، إلاّ بنسبة محدودة، لأنها لا تطال أعلى الشجرة التي يزيد إرتفاعها عن 15 متراً. ولنجاعة العملية ومكافحة هذه الحشرة، من الضروري إستعمال المضخات الكبيرة والإستعانة بالطوافات التابعة لـ”اليونفيل”، في عملية رش المبيدات. وإلا تبقى المكافحة ناقصة.
(طارق أبو حمدان - Greenarea)