كنت على حق يا علي عندما قلت في لحظات حياتك الأخيرة أن الإنسان يعيش لمرة واحدة، لكن هل تعلم أن هذه المرة التي عشتها أنت كانت قصيرة؟ قصيرة جداً.. فما كدت أن تكمل الثامنة والعشرون من عمرك، ورحلت قبل أن تحقق ما رغبت به بزيارة عائلتك قريباً، والمؤلم أكثر من ذلك هو أن رحلت قبل تشبع عيناك بخطوات طفلتك الأولى التي ستمشيها، وقبل أن تطرب أذنك بكلمة "بابا" من فمها الطري..
ترى كم هي كمية المعاناة والقلق التي عاشتها عائلة علي أحمد الزين الذي توفي غرقاً في بحيرة "ساوث كارولينا" في الولايات المتحدة الأميركية وفقد أثره منذ يوم الاحد وعثر على جثته أمس، كم من الكم الهائل من الأفكار المخيفة والظنون المتعبة راودت قلب أمه وزوجته التي تعد أنها لا تزال عروسه، وكم دقيقة مرت كالدهر على محبيه، كانت نتيجتها للأسف مخيبة، فالخبر السار لم يقضي على تلك الأفكار، بل أن خبر وفاته الذي نزل كالصاعقة عليهم، زاد من حزنهم وكسر ظهورهم وأدمى قلوبهم حين رن الهاتف وسمعوه أمس، بعد العثور على جثته في البحيرة التي المشؤومة التي لفظ أنفاسه الأخيرة فيها.
قبل سنتين قصد علي لبنان، وكانت المرة الأخيرة كي يلتقي بنصف الآخر ويتزوج ويبني تلك العائلة المتواضعة التي أصبحت مشلولة، فتزوج بتلك المرأة التي لم تشبع من هذه الفترة الوجيزة التي قضتها معه، و رزق بطفلته "زينب" التي حُرمت من حنان أبيها الى الأبد، حسب ما ورد الى موقعنا بنت جبيل.اورغ.
كان علي محباً للحياة، وخططه كثيرة، وكان آخرها أن يزور لبنان في الأيام القادمة حيث وصلت زوجته قبله الى هنا منذ اسبوعين، الى أن يلحق بها، وكانت كلها أمل وتنتظر قدومه ساعة بساعة، ولكن آخر حركات وجهه وآخر رنة صوت سمعتها منه كانت الأحد، عندما أرسل لها مقطع فيديو التقطه وهو على متن قارب في بحيرة "ساوث كارولينا" قبل أن يختفي بدقائق، وقال فيه: "عيشوا الحياة بكل ما فيها، نحن نعيش لمرة واحدة، هكذا يقول الاميركيون، ربما تكونون معنا العام المقبل".
وفي حديث لابن عمه موسى للنهار، أفاد أن علي كان برفقة صديقين له، أولهما من الجنسية الفلسطينية والآخر المصرية عندما كان في رحلته على البحيرة، وهما اللذان ابلغا عن غرقه، الى أنى سارعت فرق الانقاذ وبدأت رحلة البحث عنه، فتحت الشرطة الاميركية تحقيقا بالحادث، ومن كلام ابن عمه موسى أن علي التحق بوالده عام 1996 عندما كان هناك، وترك مقاعد الدراسة بهدف تأمين مستقبله، ورحل الى بلاد الاغتراب التي سلبته الحياة.
أما تلك الأم التي حرق قلبها رحيل فلذة كبدها فهي وجع آخر، فهي وصلت البارحة من استراليا الى أميركا، وستصل الى لبنان اليوم، بينما سيحمل الأب في كل دقيقة غصة، حيث سيأتي والد فقيد الشاب الى لبنان الأسبوع المقبل ومعه جثمان ولده حسب ما ورد الى موقعنا بنت جبيل.اورغ .
كانت النهاية موجعة، دعوات محبيه بأن يكون لا زال على قيد الحياة جاءت متأخرة، فلم تسهم بوصول خبر أنه بخير، فهم ذاقوا الوجع مرتين، وجع فقدان واختفائه وخبر وفاته، انتظروه أن يحمل مرحه وضحكاته بشنطة ويأتي الى لبنان، لكنه سيأتي بذلك الغطاء الأبيض، ويلتحف التراب.
ريم بيضون/بنت جبيل.اورغ