جنوب بلدة رميش ( قضاء بنت جبيل) يقع حرج كبير بعيد عن الأحياء السكنية، ملاصق للحدود، يحوي أشجار كثيرة معمّرة، من السنديان والبطم وغيرها. بالقرب منه تقع ” خربة قطمون”، الموقع الأثري القديم، الذي سكنه الرومان منذ اكثر من 2000 سنة. ليصبح خلال سنوات طويلة مركزاً عسكرياً كبيراً، تدل عليه آثاره الكثيرة المخفية عن أعين الأهالي بسبب الاحتلال الاسرائيلي للمنطقة القريبة منه. تدلّ هذه الآثار، التي يصعب الانتقال في معظم أرجائها، كونها على الحدود مع فلسطين المحتلّة، على وجود سور قديم بداخله قلعة وكنيسة وعشرة منازل مهملة. وبحسب الأب شكرالله شوفاني في كتابه “تاريخ رميش” فإن موقع قطمون هو عبارة عن قرية ” حوّلها الرومان الى مركز عسكري، أقاموا فيها قلعة حريزة لحماية البلاد، وقد حفروا حولها خنادق طبيعية وأودية تصونها من العدو”.
و” قطمون” كلمة عبرية تعني نسل آمون، وفي داخلها الآن مبنى صليبي كبير، مشيّد عل شكل عقد حجري، بجانبه غرفتين كبيرتين، كل غرفة بطول وعرض ستة أمتار. في شرق المبنى كنيسة صغيرة كانت ضمن القلعة الرومانية التي تسمى قلعة آل غانم، والتي كانت مؤلفة من الكنيسة وستة غرف سكنية. يقول الأستاذ طوني غانم لـ greenarea : ” في موقع قطمون كان يوجد 13 منزلاً سكنياً، سكنها آل غانم منذ العام 1867، ورممها مونسيار عكا آنذاك الخوري يعقوب غانم، لكن آل غانم هجروا الموقع عام 1914 بسبب الحرب والمجاعة وعادوا الى بلدتهم بكاسين في جبل لبنان، ثم عادوا من جديد بعد الحرب عام 1918 الى قطمون. لكن البدو الرحّل هاجموا قطمون وأجبروا آل غانم على مغادرتها بعد أن سلبوا منهم كل أموالهم”.
يضم الموقع الآن مزرعة يزيد حجمها عن الألف دونم، تقع على إرتفاع 720 م، وحول الكنيسة توجد آبار ماء كثيرة، “أكثر من ثلاثين بئر”، محفورة بالصخر عمق بعضها يصل الى 15 متراً، ويوجد بالقرب من الكنيسة بركة ماء كبيرة محفورة بالصخر أيضاً. يقول الأب شكرالله شوفاني ” رمم الصليبيون السور المحيط بالقرية (وجود بقايا له) في القرون الوسطى، وطوله 55 قدماً وعرضه 22 قدماً. ومنذ حوالى 1860 تحولت قطمون المهجورة الى أملاك الخوري يعقوب غانم البكاسيني. وتوزعت مباني قطمون التي لا تزال آثار بعضها قائمة حتى اليوم، كما يلي: قلعة آل غانم (بعد إعادة ترميم جزء من القلعة الرومانية) وهي تضم كنيسة صغيرة وستة غرف سكنية، عشرة منازل للأجراء تحيط بالقلعة، ست زرائب لتربية الماشية. العدو الاسرائيلي شوّه المعالم الباقية من قطمون على مراحل متعددة، منها في العام1978 عندما قام بجرف المنازل المجاورة للكنيسة وأخذ جميع حجارتها الى داخل فلسطين.
وفي حرب تموز الأخيرة قصفت قطمون بشكل مكثف ودمرت بشكل كبير، وهي الآن معزولة عن رميش بسبب الوضع الأمني السيء على الحدود، فيمنع أي مواطن من زيارتها، وعلى جانبي طريقها الطويلة الوعرة يوجد أوراق مكتوب عليها، يمنع الدخول الى هنا قبل الحصول على إذن من الجيش اللبناني. يذكر أن الآلاف من الأراضي الزراعية التي كانت تابعة لقرية قطمون ضمّت إلى فلسطين عام 1948. ويقول غانم :” بحوزتنا أوراق (طابو) تثبت ملكيتنا لكثير من الأراضي التي ضمّت الى اسرائيل، عام 1948، إضافة الى أراض أخرى قضمت بعد الحرب الأخيرة”.
(داني الأمين - Greenarea)