مرّةً جديدة كانت عنقون اليوم على موعد مع الحزن، وككل مرّة خرجت بقدّها وقديدها في مأتمٍ مهيب وحزين إخترق شوارع البلدة لتشييع قمراً من أقمارها، سابق الموكب غروب الشمس على وقع بكاء الأحبة فذُرفت الدموع مدراراً وصدحت صيحات التوحيد من حناجر الرجال والشيوخ والنساء، غابت شمس عنقون اليوم في نفس اللحظة التي وُري فيها قمرها، كأنّها تُشارك بلدتنا الحزن والحداد على خطبٍ جلل ...
سارَ بسّام محمولاً على أكف أبيه وإخوته ومحبيه، سارَ مبتسماً راضياً بحكم الله وقضائه، ودّع بلدته التي أحب، بادلته البلدة الحب بالوفاء والدعاء، كعاشقٍ يُفارق معشوقته كان المشهد، زوجته المفجوعة المكلومة تنتظر منه مولوداً لم يرَ النور بعد، إبنته راقبت عن بُعد، بَكَت أباها بصمت، عرفت أنّ مصيبة ما قد حلّت، ذهب مصدر سعادتها وحضنها الدافىء، ساعد الله قلبها الصغير ...
أمّه، تعجز الكلمات عن وصف حالها، تنادي بإسمه، ترجوه أن يسمعها، أن يُجيبها، عادت للتو من السفر وهي التي اعتادت أن يكون بسام في طليعة مستقبليها، ولكنّ بسام رحل بلا موعد، أبت إلّا أن تكون في طليعة مودّعيه، بكته بحرقة فأبكت معها كل عنقون، أرض عنقون وسمائها بكوا معها ولو كان للحجر والشجر أعين لبكوا أيضاً ...
حلّت ساعة مواراته في الثرى، ساعد الله قلب أبيه وإخوته على هذه اللحظات الأليمة، لقّنوه الشهادة التي حفظها عن ظهر قلب وأودعوه تراب عنقون مسدلين التراب على اللحد، أثابهم الله على صبرهم وألهمهم جميله ...
هذا قدر عنقون وهذه هي مشيئة الله، له ما أعطى وله ما أخذ وكُلّ شيء عنده بمقدار، تقبّل منّا يا الله هذا القربان، أرضيت ؟ خُذ يا رب حتى ترضى ... نحمدك ونستغفرك لا إلَه سواك ونسألك الصبر على البلاء ودوام طاعتك ورضاك، الحمدُلله دائماً أبداً ...
إسترح يا بسّام، نم قرير العين، أبكرت الرحيل والفراق صعيبُ، لا نقول إلّا ما يُرضي الله ويُرضيك، إنّا لله وإنّا إليّه راجعون ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم
تصوير حسين داوود - عنقون - بنت جبيل.اورع
