أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

في الجنوب الخدمات الصحية الدولية «أول الدواء وآخره»

الإثنين 11 أيار , 2009 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,409 زائر

في الجنوب الخدمات الصحية الدولية «أول الدواء وآخره»
تعود العلاقة بين الجنوبيين وقوات الطوارئ الدولية الى عقود طويلة مرت، فقد بدأت هذه العلاقة مع اغتصاب دولة فلسطين وانتشار قوات مراقبة الهدنة جنوب لبنان عام 1947، ومن ثم تطورت مع تزايد عديد القوات الدولية والتي وصلت إلى حوالى 15 الف جندي مع صدور القرار 1701 اثر عدوان تموز 2006.
ومع مرور سنوات التواجد الدولي وانتشاره وبالتزامن مع «انسحاب تكيتكي» للدولة بمؤسساتها، لا سيما الصحية منها، توجه الجنوبي نحو «الأجانب» لتغطية التقصير الرسمي، ومع مرور الأيام تحولت مراكز القوات الدولية إلى مراكز صحية أصبحت معها خدماتها هي الأصل.
ولعل منطقة بنت جبيل، خصوصا بعد التحرير كانت الاشد تأثرا بهذا الواقع مع توقف مستشفى تبنين الحكومي والتعثر غير المفهوم لانطلاق مستشفى بنت جبيل، فيما اقتصرت التقدمات الصحية على القدرة المحدودة لمستشفى الشهيد صلاح غندور في بنت جبيل التابع للهيئة الصحية الاسلامية.
فحسب دراسة أجراها مجلس الإنماء والإعمار (2004) يعيش في منطقة بنت جبيل، ما يقارب 78 ألف نسمة شتاءً، ويرتفع ذلك العدد صيفاً إلى حوالى 120 الفاً من اصل حوالى 200 ألف نسمة مسجلين على سجلات النفوس. وإذا ما جرى تطبيق المعايير العالمية للاستشفاء فيجب توافر ما لا يقل عن 120 سريراً للمقيمين و 200 سرير لمجموع السكان، وما لا يقل عن 10 أخرى مخصصة للقلب المفتوح، بينما المتوافر الآن 44 سريراً فقط في مستشفى الشهيد صلاح غندور التابع للهيئة الصحية الاسلامية، بحسب مراجع صحية فيها، يقوم على كاهله الاستشفاء المنطقة، فيما ليس هنا سوى مركزين للقلب المفتوح في 32 مستشفى في محافظتي الجنوب والنبطية.
المستشفى البلجيكي: 36 ألف معاينة
وبعد وصول القوات الدولية المعززة عقب عدوان تموز 2006، انشأت الكتيبة البلجيكية المستشفى الميداني داخل مقرها في تبنين، وقد كان مقرراً في الاصل ان تقتصر تقديماته على الجسم العسكري فقط، الا انه امام النقص الحاصل في القطاع الصحي في المنطقة وجد القيمون على المستشفى انهم تحت واجب تأمين الامن الصحي للاهالي كما هو واجبهم في الامن العسكري. وهكذا انطلقت المستشفى بقسمها المدني وقد وصل طاقم العمل فيها والمؤلف من 22 وحدة موزعة على قسمين الى حوالى 75 شخصاً بين طبيب وممرض واختصاصي، بالإضافة الى قسم الاسعاف الخارج، بحسب مديرها السابق الكولونيل بول اميل شينوا.
ويشير المدير الى انه تم تقديم العناية لحوالى 36 الف حالة منها حوالى 25 الف حالة مدنية و11 الف حالة للعسكريين، منها اكثر من 4 آلاف حالة حروق، مما دفع المستشفى الى القيام بدروس توعية بهذا الخــــصوص في المدارس خاصة، وان اكثر حالات الحــــروق كانت من الاطفال. ويؤكد الكولونيل بان هـــــذا المستشفى لم يكن بديلا عن المؤسسات الطبية اللبنانية، لذلك وبعد انهاء الــخدمات المقدمة للمـــدنيين اقتصر العمل على معاينة العســـكريين وخفض طاقم العمل الى حوالى 20 طبيباً وممـــرضاً»،على ان يدعم البلجيكيون تفعيل مستشفى.
وكانت دراسة أجريت لمصلحة منظمتي الصحة العالمية واليونيسف، اظهرت وجود 32 مركزاً صحياً ومستوصفاً في قضاء بنت جبيل، منها ثمانية مراكز مقفلة كان ضمنها مستشفى تبنين الحكومي قبل أن يعاد افتتاحه مجددا كمركز صحي أقرب من كونه مستشفى، كما بلغ عدد المراكز الحكومية ثمانية مراكز، والباقي يعود إلى مؤسسات وجمعيات غير حكومية، في حين يعتبر مستشفى الهيئة الصحية في بنت جبيل الوحيد الذي يستقبل المرضى 7 أيام في الأسبوع على مدار 24 ساعة.
الكتيبة الايطالية:
مساعدات رسمية وفردية
يشير مكتب التعاون المدني العسكري في الكتيبة الإيطالية الى ان هذه القوات تنتشر بشكل اساسي في حوالى 57 بلدة جنوبية، حيث يقوم أطباء الفوج الأول في الوحدة الإيطالية «لاغوناري» مقرهم في بلدة معركة، بمعاينة مئات الحالات في مركزهم الرئيسي وعبر المستوصفات النقالة في البلدات الجنوبية. وقد بلغ مجموع الحالات حوالى 1100 مريض منذ قدوم هذا الفوج الى لبنان نهاية تشرين الثاني من العام الماضي، هذا الى تأهيل وتجهيز العيادات الخارجية في مستشفى تبنين الحكومي بكافة المعدات لأقسام الطوارئ، الأشعة، عيادة الأسنان، المختبر والعيادات الخارجية. وقد بلغت الكلفة 300 ألف يورو.
كما تسير الكتيبة عيادة متنقلة أسبوعية الى ميتم تبنين بإشراف مختص في طب الإطفال.
هذا بالاضافة الى وجود مختصة إيطالية في الكشف على سرطان الثدي، تقوم حاليا بمعاينة دورية والفحص عبر الصورة الصوتية للنساء اللبنانيات للكشف المبكر.
هذا وبالإضافة إلى المبادرات الفردية من قبل الجنود الإيطاليين والذين يساهمون من وقت لآخر، على نفقتهم الخاصة في كلفة العلاج أو تأمين أدوية لبعض السكان الجنوبيين، خصوصا الأطفال منهم.
كما قامت مؤسسة «روتاري كلوب» من مدينة بورتو غروارو الإيطالية بتقديم العون لأطفال ميتم تبنين، عبر شراء جهاز طبي لإصلاح خلل بالعمود الفقري للطفلة إيمان مقداد البالغة من العمر ١٢ عاماً ومصابة بانحناء خطير بفقرات الظهر. وأكد قائد القطاع الغربي السابق ولواء غاريبالدي الجنرال فنشنسو يانوتشيللي التزام جنود بلاده بمختلف الأنشطة الرامية الى مساعدة السكان المحليين. وقال إنه «إلى جانب العمل الموكل اليهم في تطبيق المهمة الأساسية في اليونيفيل، قام بعض الجنود في لواء غاريبالدي بجمع الأموال من بعضهم لأجل مساعدة أطفال الجنوب المصابين بأمراض مزمنة وتقديم كلفة العلاج الطبي لهم».
ومن ضمن هذه الحالات، تكفل جنود الوحدة الإيطالية بعلاج الطفلة زينب قعفراني (عامان) من بلدة بدياس الجنوبية، وقدموا لها ما يلزم من علاج فيزيائي طويل، تمكنت بعده من الوقوف وتحريك عضلات رأسها وجسمها بعد إصابتها بمرض وراثي منذ الولادة، عطل عضلات الجسم كافة، كما تمكنت زينب قعفراني (١٤عاما) بفضل العلاج من تصحيح عجز في الساق تمهيدا لعملية جراحية مستقبلية. واستطاع الطفلان فضل (٩ أعوام) وريان (٨ أعوام) بفضل جهاز طبيعي متطور قدمه الجنود الإيطاليون استكمال نموهما بشكل جيد بعد تصحيح الخلل في العمود الفقري. وأصبحت الطفلة نور سلمان (٣ أعوام) التي تعاني من نقص في الأوكسجين في الدماغ منذ عمر (٨ أشهر) سبب لها شللاً جزئياً في الأطراف اليمنى للجسم، تحريك تلك الأطراف وهي تلعب بألعابها وخطت أولى خطواتها.
وتقديمات فرنسية ودولية اخرى
ويوجد في الكتيبة الفرنسية فريق يُعنى بالمهمات المدنية ـ العسكرية، ويعمل المكتب بالتعاون المباشر مع فعاليات السلطة المدنية في قطاع مسؤوليتها في محاولة لتوسيع إطار العلاقات للوصول الى الأشخاص الذين يهتمون بالمؤسسات والمنظمات الاجتماعية المختلفة كالتي تهتم بالمرأة مثلاً أو الرياضة... كما يقدم الفريق مساعدات طبية شاملة لأهالي المنطقة ضمن مشاريع صغيرة، بحيث يتوزع فريق طبي في سبعة مواقع مختلفة في المناطق التي تفتقد الى الخدمات الطبية. ولقد استفاد آلاف المواطنين اللبنانيين من الفحوص والاستشارات الطبية.
كما قدمت باقي كتائب اليونيفيل عبر العيادات المتنقلة خدمات طبية لمارون الراس، الغندورية، وتولي (الكتيبة الفرنسية)، كفر حمام وحلتا (الكتيبة الهندية)، عين عرب، دبين، وبلاط (الكتيبة الإسبانية)، تبنين، وبيت ياحون (الكتيبة البلجيكية)، القارانس والمطمورة (الكتيبة الغانية)، بني حيان، عدشيت، القصير، والطيبة (الكتيبة الإندونيسية، هذا بالاضافة الى تقديمات المستشفى الصيني في القطاع الشرقي وعشرات اعمال التأهيل والتجهيز التي تولتها مؤسسات أهلية وحكومية دولية كالهيئة الطبية الدولية، والهلال الاحمر القطري، والكتيبة القطرية.
كما يتولى المكتب الاستشاري القطري حالياً تجهيز مستشفى بنت جبيل الحكومي الذي سيتم تجهيزه بمعدات متطورة جدا حيث يكون مستشفى بنت جبيل نموذجياً بهذا الخصوص وتفتتح اقسام للجراحى ومرض القلب وقسم خاص بالاطفال والولادات، بالاضافة الى اقسام الاشعة والانعاش وقسم العلاج الفيزيائي وبكلفة تصل الى عشرة ملايين دولار.
اما عن التنسيق الرسمي مع وزارة الصحة فتؤكد الكتائب بأنه بخصوص التقديمات الصحية لا وجود لأي تواصل مع الوزارة او اي جهة حكومية اخرى الا بما يخص التجهيزات التي تقدم للمستوصفات او المراكز الصحية، ويقتصر موضوع التنسيق على الاتصال المباشر مع السلطات المحلية من قائمقام او رئيس بلدية او مختار، وبالنسبة لهم فان رئيس البلدية يعتبر صاحب السلطة في هذه الحالات.
لذلك ستكون الدولة امام الامتحان الاصعب لها مع اقتراب اقفال المستشفى البلجيكي اواخر الشهر الجاري، بحيث يصبح الآلاف من سكان المنطقة دون غطاء صحي، بحيث يؤمل بان يتمكن مستشفيا تبنين وبنت جبيل الحكوميان من سد الفراغ عبر سرعة تشغيلهما، لان مسألة تجهيزهما لاول مرة لن تكون فيها مشكلة.

Script executed in 0.20206809043884