اختفى الإسفنج البحري من شاطىء وبحر مدينة صور، كما اختفت أنواع عديدة من الكائنات البحرية، بسبب الصيد الجائر والتلوث وعوامل عدة غير معروفة على نحو دقيق، إذ ليس ثمة دراسات علمية وافية وشاملة حول الإسفنج البحري في لبنان عموما وفي بحر صور بشكل خاص، وبذلك فقدنا بعضا من تنوع حيوي كان حتى الأمس القريب مصدر غنى للبيئة البحرية. والإسفنج Sponge حيوان بحري يتغذى على الكائنات الدقيقة، ويتميز بأشكال مختلفة، وبأحجام قد يصل قطر بعضها الى حوالي المتر، أما ألوانه فعديدة، منها الابيض والاصفر والرمادي والبرتقالي والبني والاحمر، ولا نستغرب أن يتحدث صيادو صور الذين واكبوا صيد وتجارة الإسفنج ما بين خمسينيات وسبعينيات القرن الماضي، بكثير من الحسرة على أيام مضت، خصوصا وأن الإسفنج يمثل جزءا حميما من ذاكرة وتراث المدينة، ولم يعد له أثر منذ أكثر من خمس وثلاثين سنة، وثمة من يؤكد لـ greenarea.me أن آخر كمية من الإسفنج، اصطادها البحار الصوري زوزو الخوري المعروف (بالكوشي) وبيعت إلى تاجر الإسفنج آنذاك حسن عواضة، وبلغت زنتها مئة وخمسين كيلوغراما بمبلغ كبير من المال، وباعها الاخير لتجار يونانيين في قبرص، لا سيما وأن الإسفنج كان يباع مثل السمك في مزاد علني نظرا لندرته.
حملة دولية
وفيما تولي دول وحكومات أهمية لاستعاد الإسفنج البحري أو الحفاظ على ما تبقى منه، لم نجد إلى الآن أي اهتمام من قبل الدولة ولا الحكومات المتعاقبة لدراسة تراجع وانقراض هذا الكائن البحري الذي يتميز بفرادته، حتى أن الأجيال الجديدة لا تعرف أن الإسفنج كان متواجدا في بحر لبنان، فهل الأمر لا يستأهل عناء البحث وإجراء دراسات متخصصة تمولها الدولة ومؤسسات عالمية معنية بالتنوع البيولوجي؟ هذا التساؤل راودنا بعض الاطلاع على دراسة كان مسرحها المضائق النرويجية، عبر الدائرة القطبية إلى الجبال البحرية في القطب الشمالي، وجاءت في إطار حملة دولية لدراسة ما “كائن بسيط نسبياً يلعب دورا معقدا في النظم البيئية للمحيطات: الاسفنجيات”، وفق ما أشار موقع “أورو نيوز” Euro News، وقد عنون الدراسة بـ “فضائل خفية للإسفنجات”.
وقد عمل فريق من الخبراء مكون من علماء من الاتحاد الأوربى والولايات المتحدة وكندا لمدة ثلاثة أسابيع، على مشروع بحث أوروبي لدراسة الإسفنجيات في أعماق البحار، مستخدما مركبة تعمل عن بعد، وروبوت تحت الماء، للعثور على عينات الإسفنج وجمعها من عمق يصل إلى كيلومترات عدة. خصائص مضادة للسرطان منسق الدراسة، وتعرف باسم مشروع “سبونجيس” sponge هانز تور راب Hans Tore Rapp، باحث في التنوع البيولوجي البحري، “جامعة بيرغن” University of Bergen، يقول: “لدينا معرفة جيدة عن الإسفنجيات في المياه الضحلة في النظم البيئية للشعب المرجانية، لكنها غير مستكشفة في أعماق البحار. لدينا فكرة عن مكان العثور عليها، وتنوعها وغير ذلك، لكن عملها غير معروف نوعا ما”.
واستمر العمل في مواقع الدراسة ليلا ونهارا في تموز الماضي، فحين تعود سفينة البحث ينقل الباحثون العينات الجديدة إلى المختبرات على متن الطائرة، وبعض هذه الكائنات يتم تشريحها وتحفظ للدراسة لاحقا، وينتج الإسفنج المركبات الكيميائية القيمة التي يمكن استخدامها في مستحضرات التجميل والمستحضرات الصيدلانية. فاسيليكي كوتسوفيلي Vasiliki Koutsouveli، عالمة في الأحياء البحرية، متحف التاريخ الطبيعي، لندن، تقول: “في العديد من الأنواع، وجدنا أن الناتج الأيضي يتمتع بخصائص مضادة للبكتيريا، ومضادة للفطريات، أو مضادة للسرطان. لكننا لا نعرف شيئاً عن هذه الأنواع حتى الآن، لذلك نحن مهتمون بدراستها”. يتم الاحتفاظ بالإسفنجيات الأخرى على قيد الحياة في أحواض سمكية خاصة للتدقيق في عمليات التغذية بتصفية مياه البحر من خلال المسام، تقوم هذه الحيوانات البدائية بإعادة تدوير النفايات وإنتاج المواد الغذائية القيمة للكائنات البحرية الأخرى. هذه التجربة تخبر العلماء بكيفية تصفية البكتيريا والملوثات الأخرى من قبل أنواع معينة من الإسفنج.
ثمانية آلاف نوع
مارتين بارت Martijn Bart، عالم الأحياء البحرية في جامعة أمستردام، يقول لـ “أورو نيوز” Euro News: “هذا يُظهر مدى أهمية الإسفنج في المحيط بأكمله، لأن اظهار ما يُزيل الاسفنج من الماء، يظهر ما سينجم عن إزالة الإسفنج أيضاً، ما نوع النفايات التي سوف تتراكم في المحيط بسبب عدم وجود الإسفنج لتنظيف المحيط بعد الآن”. واكتشفت هذه الحملة البحثية عدة أنواع جديدة من الإسفنج. هناك ثمانية آلاف نوع معروف، تتراوح احجامها من بضعة سنتيمترات إلى أكثر من متر. لكن حتى الآن، لا وصف لضعف عدد أنواع الاسفنج، والدور الدقيق الذي يؤديه في الحفاظ على توازن النظام البيئي البحري لا يزال لغزا يحتاج إلى مزيد من البحوث. وقول هانز تور راب Hans Tore Rapp: “يركز مشروعنا على شمال الأطلنطي، انه محيط كبير، لكن على الأرض، وعلى نطاق واسع انه صغير جدا، لذلك على الرغم من أننا بذلنا الكثير من الجهد في هذا العمل، انه مجرد غيض من فيض. لذلك هناك الكثير من العلوم الأساسية التي يتعين القيام بها. انها مكلفة، وتستغرق وقتا طويلا، لكن لا بد منها”.
اليونانيون أول من اصطادوا الإسفنج
تعيش الاسفنجيات في المحيط منذ أكثر من نصف بليون سنة، ويعتبر الفهم الأفضل لهذه المخلوقات الهشة أمرا حاسما وضروريا من أجل الحفاظ عليها، وحمايتها في السنوات المقبلة. تجدر الإشارة إلى أن اليونانيين كانوا أول من مارسوا الغطس من أجل اصطياد الإسفنج قبل ثلاثة آلاف سنة، وكانوا يغطسون الى عمق يتراوح من 35 متر الى 60 مترا، وكانوا لا يخافون من الأعماق والظلام الذي يسوده والمخلوقات البحرية التي تعيش في تلك الأعماق كالأخطبوط العملاق واسماك القرش.
(فاديا جمعة - Greenarea)