إذا رصدنا كل ما أمكن توثيقه من أسماك وكائنات بحرية خلال السنوات العشر الأخيرة، وما قبلها أيضا، نتأكد أن الأنواع الغازية أو المجتاحة آخذة في الانتشار والتوسع في بحرنا اللبناني، مع وصول أنواع جديدة لأسباب متعددة يفترض دراسة كل سبب منها على حدة، وبناء قاعدة بيانات حول كل نوع، والتشارك في الدراسات مع دول متوسطية نتقاسم معها البحر ذاته، خصوصا وأن هذه المشكلة ليست محلية تقتصر على لبنان فحسب، وإنما تطاول دول حوض البحر المتوسط، وسائر البحار والمحيطات في العالم. وتبقى الكلمة الفصل في هذا المجال إلى العلماء، وهم يراكمون في ما ينجزون من دراسات معلومات يمكن أن تساعد ليس في فهم طبيعة أسباب هذه الظاهرة فحسب، وإنما في ما يمكن اتخاذه من تدابير تحد من تبعاتها، لا سيما بالنسبة للأنواع التي تهدد التنوع الحيوي والنظم الإيكولوجية في نطاق محدد.
خليل: رصد الاحياء البحرية ما استوقفنا في هذا المجال، ما عرضته صاحبة “البيت البرتقالي” Orange House والراعية لحمى السلاحف في المنصوري – قضاء صور (جنوب لبنان) السيدة منى خليل على صفحتها في “فيسبوك”نهار أمس، إذ نشرت صورا وفيديو لقنديل بحر، وكتبت بأن “ابنها” ومساعدها رامي خشاب “غاص اليوم بحر المنصوري قبالة شاطئ السلاحف والتقط هذه الصور لقنديل يصادفه للمرة الاولى”. وأشارت خليل لـ greenarea.me إلى ان “شاطئ حمى المنصوري وبحره يعد من اغنى الشواطئ بتنوعه الحيوي، وقد ظل محافظا على هذا التنوع من خلال الحفاظ عليه ورعايته، بالاضافة إلى كونه بمعزل إلى حد ما عن استخدام الديناميت”. وأضافت: “نحن وفي سياق عملنا، نقوم برصد هذه الاحياء البحرية وتوثيقها، وقد لفت نظر رامي (خشاب) هذا القنديل الذي يبدو أنه نوع غاز جديد”.
خشاب: حجمه صغير أما الناشط في مجال حماية السلاحف البحرية في حمى المنصوري رامي خشاب، فأشار بدوره لـ greenarea.me إلى “انها المرة الاولى التي أشاهد فيها هذا النوع من قناديل البحر”. وعرض خشاب لمشاهداته، فقال: “ما لفت انتباهي أن قنديل البحر هذا حجمه صغير”، وأضاف: “كما ان شكله مختلف عن قناديل البحر التي اعتدنا على مشاهدتها في بحرنا”.
باريش: نوع غاز جديد
ومن أجل الوقوف على تفاصيل علمية حول هذا النوع من قناديل البحر، كان لا بد من مراجعة أخصائي الاحياء البحرية في الجامعة الاميركية في بيروت البروفسور ميشال باريش، وقد أكد لـ greenarea.me بأنه “نوع غاز جديد نسبيا، أعداده لا زالت قليلة في المتوسط، واسمه White-spotted Australian jellyfish، أما الاسم العلمي، فهو Phyllorhiza punctata Lendenfeld,1884، وقد سمي بهذا الاسم نسبة للنقاط الموجودة عليه وتميزه بها” يصنف علميا في عائلة Rhizostomae مظلة هذا القنديل بيضاء تميل الى الزرقة ومبقعة باللون الأصفر، قد يصل حجمه ل( أكثر من 50 سم قطر المظلة) يتغذى على القشريات والعوالق وربما البيض ويرقات الأسماك . وقال: “هو موجود طبيعيا في جنوب غرب الباسفيك، بين أستراليا واليابان، وقد وجد مؤخرا في المحيط الاطلنطي ومحيط أميركا والمكسيك والمتوسط بسبب الغزو، وتم تسجيل دخوله للمرة الاولى في لبنان عندما ظهر خلال صورة التقطت في بحر الصرفند في 27 تشرين الأول (اكتوبر) 2015”.
لا داعٍ للقلق
وأضاف باريش: “في المتوسط عثر على أول قنديل من نوعه عام 1965 في فلسطين المحتلة، ولم يعرف نوعه يومها إلى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، أي إلى ان ظهر بشكل أوضح في اليونان حيث كان قد بدأ يتكاثر بين عامي 2005 و 2006، وعثر عليه أيضا في سردينيا، وفي آب (أغسطس) 2012 ظهر واحد في تونس، ومن ثم تزايدت اعداده، ثم سجل ظهوره عام 2015 في لبنان، وظهر في مالطا خلال العام 2017”. في معظم المرات التي شوهد فيها كان يعتبر غير مستوطن في المتوسط، وقد عثر عليه وحده، واعتبر مستوطنا حينما عثر عليه في اليونان، وقد رجح باريش ان “انتقاله ووصوله إلى بحرنا سببه خزانات البواخر”، وأشار إلى أن “أوروبا منذ يومين أصدرت قانونا يجبر كافة البواخر على تعقيم مياهها قبل الدخول إلى المياه الاقليمية، لتفادي دخول الاسماك والحيوانات الغريبة”. وختم باريش بأن “لسعته لا تقلق وتعتبر خفيفة بالمقارنة مع انواع أخرى، ولا داعٍ للقلق من تواجده، علما ان هذا النوع كثيرا ما يوضع في الاكواريوم”.
(فاديا جمعة - Greenarea)