أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

سقوط الاستخبارات الإسرائيليّة في لبنان

الإثنين 18 أيار , 2009 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,412 زائر

سقوط الاستخبارات الإسرائيليّة في لبنان

إحدى أهم النتائج التي توصلت إليها لجنة القاضي إلياهو فينوغراد، وهي أهم لجنة إسرائيلية نظرت في فشل الجيش الإسرائيلي في حربه على لبنان عام 2006، أن «مواجهة حزب الله تحتم على الدوائر الاستخبارية الإسرائيلية الحصول على قدرات فضلى... فالحزب كهدف استخباري موجود في مركز اهتمام الاستخبارات الإسرائيلية، وخصوصاً منذ عامي 2004 و2005، لكن الصورة المحدّثة عنه كانت ناقصة... لم يحصل أي تغيير جوهري في جهود الجمع وفي نتاجه... وسُجّلت نواقص مهمة في مجال الجمع الميداني التكتيكي. ويجب على الاستخبارات العسكرية (أمان) أن تعزز قدراتها الاستخبارية الاستراتيجية والأمنية والسياسية، التي تسمح لها بمواجهة التهديدات...».
بناءً على هذه التوصية، وعلى توصيات أخرى شبيهة خلصت إليها أكثر من لجنة تحقيق إسرائيلية، يمكن فهم الحرب الاستخبارية الابتدائية والمضادة، ما بين حزب الله وإسرائيل، والتي استعرت في السنوات الثلاث الماضية، مباشرة بعد انتهاء الحرب. فالجهد المبذول من الوحدتين المركزيتين في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ـــــ أمان، تجاه الساحة اللبنانية، كان جهداً غير مسبوق: الوحدة 8200 الموكل إليها مهمات التنصت على أنواعه، والوحدة 504 الموكل إليها تجنيد المصادر البشرية وإدارتها، والأخيرة يفترض أنها هي المسؤولة عن تجنيد وإدارة شبكات التجسس المكتشفة أخيراً في لبنان، التي بدأت تتهاوى الواحدة تلو الأخرى.
أحد العوامل التي أدت إلى فشل إسرائيل في حربها على لبنان، اكتشافها المتأخر لقصور استخباراتها في الساحة اللبنانية. فبنك الأهداف الموضوع مسبقاً من هذه الاستخبارات، الذي أملت إسرائيل من خلاله شلّ قدرة المقاومة على المواجهة، نفد بسرعة، وتبيّن أن جزءاً معتبراً منه قديم وغير محدّث، وعانت الاستخبارات الإسرائيلية على مختلف أنواعها من عدم القدرة على تحديد موقع أيّ من المسؤولين المركزيين في المقاومة تمهيداً لاستهدافهم، بل لم تستطع استخبارات إسرائيل أن تقدم صورة مسبقة لأساليب المقاومة وتكتيكاتها القتالية، أو لقدرتها على اصطياد المدرعات الإسرائيلية، وغيرها، ما وضع الجيش الإسرائيلي في مأزق صعب.
بالطبع، لم تكن خلاصات تقرير لجنة فينوغراد سوى تأكيد لما كان الجيش الإسرائيلي قد توصل إليه، إذ إن أكثر من أربعين لجنة تحقيق عسكرية جرى تشكيلها سريعاً بعد الحرب، حاولت تحديد نقاط الخلل والقصور، وطرحت توصياتها المختلفة، ومن ضمنها توصيات بضرورة تفعيل أجهزة الجمع الاستخباري على مختلف أنواعه، ولا يبعد أن تكون «الورشة» التي باشرتها الاستخبارات الإسرائيلية شبيهة، إن لم تكن تزيد، بما قامت به وحدات الجيش الإسرائيلي الأخرى، تماشياً مع المفهوم الإسرائيلي القديم: الجيش الإسرائيلي إما يقاتل أو يستعد للقتال.
بذلك، يبدو أن حافزية الاستخبارات الإسرائيلية مرتفعة جداً، وتحديداً لدى الوحدة 504 المشغّلة للعملاء، كي تندفع لتزيد من فاعلية الجمع الاستخباري لديها وحجمه، أقلّه باتجاه عدم المرور في اختبار شبيه باختبار عام 2006، ما قد يفسر تجنيد هذا العدد الكبير من العملاء. لكن ماذا عن تساقط شبكات هذه الوحدة تباعاً، مع وعد بتساقط أخرى، بحسب ما يصدر عن الأجهزة الأمنية اللبنانية؟ وماذا عن بعض تداعياتها إسرائيلياً؟
يبدو أن إسرائيل، بدأت تتلمس المعاني العملية لسقوط فرضية سيادة استخباراتها في الساحة اللبنانية، وأنها ليست اللاعب الوحيد والمهيمن فيها، استخبارياً. إحدى أهم التداعيات السلبية لتساقط شبكات العملاء في لبنان، الانكفاء الإسرائيلي القسري عن هذه الساحة، إلى حين، والانتقال من موقع المبادر إلى موقع المدافع عن النفس وعن العملاء، فيما ستتركز الجهود الإسرائيلية، بحثاً وتدقيقاً، على وسائل تأمل من خلالها أن لا يتواصل هذا المسلسل، مع الإدراك أن لبنان لم يعد ساحة سهلة لتغلغل استخباراتها فيه.

Script executed in 0.2082052230835