أدهشت سجى الدليمي بحضورها وقوة شخصيّتها كلّ من استمع إلى إفادتها اليوم أمام المحكمة العسكريّة الدائمة برئاسة العميد حسين عبدالله.
فطليقة أبو بكر البغدادي التي تفقه جيّداً الدفاع عن نفسها، تبدو منذ اللحظة الأولى لوقوفها أمام منصّة الإستجواب جاهزة لسرد قصّتها على العلن موفّرة على جنرال "العسكرية" طرح عشرات الأسئلة التي كانت تتوقّعها سلفاً.
بعد ثماني ساعات من الإنتظار الطويل قضتها جالسة على المقعد الخشبي في الصفّ الأوّل، وكانت الساعة قد بلغت الخامسة والربع من بعد الظهر، نادى العميد على العراقيّة سجى الدليمي وزوجها الفلسطيني كمال خلف (أخلي سبيلهما في صفقة التبادل مع "النصرة") ومواطنه لؤي المصري (موقوف) ليحاكموا بتهمة "الإنتماء إلى تنظيم إرهابي مسلّح وتزوير وثائق رسمية للأولى وأولادها واستعمالها في تنقلاتها وتزوير بطاقة خاصة باللاجئين الفلسطينين للأخير".
ما إن شرع عبدالله بطرح السؤال الأوّل وقبل أن يُكمله، حتّى عاجلته طليقة البغدادي بالقول: "حضرة الرئيس هل لي أن أختصر لك المسألة كلّها"، لتبدأ بسرد قصّتها مفصّلة إياها على النحو التالي: "في العام 2007 قتل زوجي على الجبهة في العراق، فتزوجت في العام التالي أي 2008 من هشام محمّد الذي كان أستاذاً جامعيّاً في مادة التربية الإسلاميّة وإمام مسجد، دون أن أعرف أنّ هذا الشخص هو أبو بكر البغدادي. وقدم دام زواجي منه ثلاثة أشهرٍ فقط ثمّ طلبت منه الإنفصال نظراً لضيق حالته المادية (كان يتقاضى قرابة الـ 900 ألف ليرة لبنانية) ولكونه متزوج من امرأة أخرى كانت تحبّه ولديه منها أطفال وأنا لو كنت مكانها لما قبلت أن يكون لي ضرّة".
وتتابع: "بالفعل تركت بيته وسكنت عند والدة زوجي الشهيد (أناديها عمّتي) وهناك عرفت أنّني حامل بطفلة من "البغدادي". وبعد أن علم طليقي أني حامل منه ووضعت طفلتي "هاجر" راح يهدّدني بأخذها، ففضّلت السفر إلى سوريا حيث كان يتواجد أبي. اتصلت بوالدي وأخبرته أنّني سأسافر إليه ليجيبني بصوتٍ متقطع (ظننت حينها أنّه مريضاً) سوف ينتظرك بعض الأشخاص ليرشدوك الى المنزل. لكنّي تفاجئت بمجّرد أن دخلت سوريا بعناصر من الجيش السوري يأخذوني ويسجنوني مدّة 6 أشهر حتى غادرت السجن هناك يوم تبادل الأسرى مع راهبات معلولا".
وبسؤالها عن سبب توقيفها من قبل الجيش السوري قالت: "أخي خربلي بيتي (الله يرحمه) هو كان في الجيش الحرّ ولم أكن أعلم أنّه أصبح مع "النصرة"، كانوا يراقبون هاتفي وبمجرّد أنّني كنت اتّصل به أصبحت مطلوبة. وهو من وضع اسمي بمبادلة "راهبات معلولا".
ابنتي.. شقيقتي
تؤكد سجى أنّها قطعت تواصلها مع زوجها الثاني (البغدادي) في العام 2009 حتّى انّه توقف عن دفع نفقة ابنته البالغة 100 دولار في العام 2011، وتمنّع عن إرسال أوراقها الثبوتبة ما اضطرها إلى تسجيل ابنتها على اسم أبيها، بمعنى أنّ طفلتها "هاجر" هي أختها في المستندات الرسميّة.
هوية البغدادي.. وعدم الأمان
تضيف المدعى عليها انّها لم تعرف هوية طليقها الحقيقية إلّا بعدما شاهدته على التلفاز يوم أعلن الخلافة الإسلامية في خطبة رمضان العام 2014. وباستيضاحها عن سبب إخفائه هويته الحقيقية عنها أجابت: "المنطق يقول أنّه رجل أمن وهو وصل إلى مرحلة متقدمة ومن الطبيعي ألّا يفعل. أقسم بالله أنّني لم أكن أعرف من هو، اساساً المرأة تتزوج لتشعر بالأمان وهو لم يكن كذلك بالنسبة لي".
حب عالفايسبوك
تعرّفت "سجى" على الفلسطيني كمال خلف الذي سجن في قضية نهر البارد، عن طريق الفايسبوك، فأحبّته وأحبّها وتزوجا لتكتشف بعدها أنّها كانت زوجة زعيم تنظيم الدولة الإسلاميّة. وتجزم أنّ توقيفها من قبل السلطات اللبنانية جاء كونها طليقة "أبو بكر البغدادي".
هنا قاطعها رئيس المحكمة: "توقيفك جاء لأنّك كنت تستخدمين وثيقة مزورة بإسم "صديقة محمد سليمان"، فردّت: "أنا دخلت لبنان في آذار 2014 ومنذ اللحظة الأولى لدخولي كان يعرفني كبار رجال الأمن والمحقّقين. والهوية التي استعملتها هي لشقيقة زوجي "كمال" كوني لم أكن أملك أوراقاً تثبت هويّتي وعندما أوقفوني وسألوني هل أنت زوجة البغدادي قلت لا، لأني لم أكن على ذمّة الغدادي أخفيت أني كنت طليقته ثمّ طلبت مقابلة العميد طلعت زين وأخبرته أنني طليقة البغدادي".
أخي كشف هويتي
لا تتردّد سجى في طلب السماح لشقيقها "خالد" الذي قتلته عناصر "داعش" بعد خلاف مع "النصرة"، وتضيف: "معلومة أكبر أفيدكم بها سيدي، أخي رحمه الله هو من سرّب المعلومة حول هويتي وأنّني طليقة البغدادي فتمّ توقيفي. أنا رضيت بالمبادلة شرط أن أبقى في عهدة الجيش اللبناني. وبعد 7 أيام منها اختلفت مع شقيقي ووبّخته لإنتمائه إلى الجبهة في وقت ليس هناك من أميركيين أو اسرائيليين في سوريا ليحارب ضدهم وهو يعلم جيّداً ماذا فعلت الطائفيّة بنا في العراق".
بلاغة سجى في الكلام دفع العميد إلى سؤالها عن المستوى التعليمي الذي وصلت إليه فقالت: "أنهيت البكالوريا وافتتحت صالون تزيين نسائي (كوافيرة) لمدة 7 سنوات".
هيئة المحكمة انتقلت بعدها إلى استجواب زوج سجى المدعى عليه كمال خلف، الذي أفاد انه تعرّف عليها بإسم "ملاك السيّد" وأكّد عدم تواصلهما مع أي مجموعات إرهابية، مشيراً إلى أنّ خلافه مع والدتها ناتج عن تواصل الأخيرة مع "أيوب" (أمير "داعش" في الرقة) الذي كان يرسل لها (للأم) الأموال وهو من أمّن سكنها في سير الضنيّة ما دفعه إلى أخذ زوجته مع أولادها من منزل أهلها الذين استأجروه من أحمد سليم ميقاتي الملقّب بـ"أبو الهدى"، نافيا علمه بعلاقة "ابو أيوب" أو "أبو الهدى" بتنظيم الدولة الإسلاميّة.
سجى أجهضت طفلها
واعترض خلف على عدم سماح أحد العسكريين لزوجته بالوقوف في الجلسة الماضية، ما استتبع اصابتها بالنزيف وإجهاض طفلها، وعندما استفسر العميد عن مكان جلوس سجى في الجلسة المذكورة قال: "هناك على المقعد الخشبي"، فتدخلت الدليمي لتقول: "حضرة العميد أنت لا تعرف أنّ الجلوس الطويل مضرّ للمرأة الحامل لقد اختنق ابني وأنا جالسة، نعم هذه قدرة الله وأنا أؤمن بالقدر لكن بعد أن غادرت الجلسة الماضية أغمي علي ونقلوني الى المستشفى العسكري لكنهم لم يصوّروني صورة سكانر رغم أنني أخبرتهم بما أشعر"، ليتدخّل زوجها: "طلبت من العسكري أن يسمح لها بالوقوف لأنها متعبة فرفض"، عندها عقّب العميد: "الإجهاض هي مشيئة من الله عزّ وجلّ وهذه هي المرّة الأولى التي أسمع فيها أن الوقوف هو الذي يريح المرأة الحامل وليس الجلوس".
كما استجوبت المحكمة الفلسطيني لؤي المصري.
حلمي تحقّق
بعد إنهاء الإستجوابات، ترافع وكيل المدعى عليهما الدليمي وخلف المحامي حنا جعجع والمحامي محمد صبلوح عن لؤي المصري، وعندما أعطيت الكلمة الأخيرة لسجى قالت: "منذ أن كنت ابنة التسع سنوات كان حلم حياتي أن أتزوج فلسطينياً من جماعة الحجارة الذين تربّوا أشبالاً في جيش القدس لدى صدام حسين. أنا اليوم في لبنان لأنهي ملفي وآخذ براءتي ليس كرمى لي بل من أجل أطفالي وسأغادر إلى بلد آخر فور حصولي عليها".
وتصدر المحكمة حكمها هذه الليلة.
(سمر يموت - لبنان 24)