أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

قراءة في كتاب "ذاكرة القوافي" السيد نظام الدين فضل الله بيئته – حياته – شعره 1926 – 2006 م.

الثلاثاء 17 تشرين الأول , 2017 11:54 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 40,883 زائر

قراءة في كتاب "ذاكرة القوافي"  السيد نظام الدين فضل الله  بيئته – حياته – شعره 1926 – 2006 م.

هذا الكتاب الجديد، لكاتبه الدكتور حسن فضل الله، الذي يضاف إلى المكتبة العاملية، يتضمن بفهرسه الإهداء، المقدمة، وفصلين: الأول بعنوان: مواطن العلم، والثاني بعنوان: شاعر الأصالة، إضافة إلى ملاحق، ولائحة بالمصادر والمراجع، نشر دار الولاء، وعدد صفحاته مئتان وتسعة وستون صفحة، تاريخ الإصدار 1438 ه/ 2017 م.

يقول الكاتب ما حرفيته: "إنه كتاب عن أبي، والأب لا يحويه أي كتاب، هو حكاية تاريخ عاملي، وذاكرة القوافي... حتى زمن الإنتصارات".

الكتاب متميز، وجدير بالقراءة، فالكاتب متمرّس بالكتابة، وفي أكثر من مجال، ووالده شاعر وأديب وسيّد في الكلام والتعبير.

إختار الكاتب أن يكون الإهداء لوالدته، والأم لا يضاهيها أحد في هذه الحياة الدنيا، وخصّها الله بصفات متميزة، فما تعانيه من أجل أبنائها وعائلتها أمر عظيم، ولأنها كذلك يكفي أن ترفع يديها نحو السماء للدعاء بالتوفيق، تهدأ النفس ويُسرّ القلب...

أما في المقدمة فكانت بالأب السيد نظام الدين، الوالد والمربي والشاعر، الآتي من سلالة دينية طاهرة، جذورها ثابتة في الأرض، وفروعها نظرة مثمرة.

الأب هو الزارع لقيم الخير والمحبة، هو الآتي من إرث العرب في بلاغة لغتهم، وجزالة شعرهم، هو العاملي الأصيل الذي تأثر بأبيه خطيب المنبر الحسيني السيد حسين فضل الله، وجدّه علاّمة الجبل وشيخه الفقيه موسى مغنية.

هذا الأب الذي لم يكن يوماً بعيداً عن هموم مجتمعه وأمته، خاصة في فترة كانت هذه الأمة تعيش معاناة خسارة جزء مقدس من أرض الوطن العربي، ألا وهي فلسطين التي سقطت بيد اليهود بتأمر إنكليزي- دولي.

الأب كان صاحب بيت عمرت فيه مجالس الإيمان والتقوى والورع، حيث كان العلماء يتحلقون حول سماور الشاي، يقولون الشعر، يتداولون الأحاديث المتنوعة.

الأب صبر على المرض والألم والمعاناة، وكان كل فترات حياته متوكلاً على الله، إلى أن غادر الدنيا تاركاً إرثاً إنسانياً وأدبياً هاماً، هو عبارة عن ثروة لا تقدّر بثمن، عن أبناء أعلام، أخذوا دورهم الريادي في المسيرة الإنسانية، وبرز دورهم في مجالات سياسية، علمية، ثقافية وأدبية، كما ترك الأب مجموعة من القصائد التي "تعبّر عن رؤيته وسيرته وتطلعاته، وفيها بعض من نبض حياة الأب وآلامه وأفراحه".

الكاتب، وكان لما يزل شاباً يافعاً خصّه الله بنعمة القرب من والده، فكانت له صولات مناقشة معه، محورها الشعر، من حيث التفسير والإعراب، ولأهمية ذلك، قال الكاتب أنه لو بقي والده على نفس المنوال لكان "أصبح شاعراً وحافظاً لأشعار العرب". إلا أن المرض لم يسعفه لإكمال مسيرته، وبقي الكثير من ذلك مخزّناً في ذاكرته.

لقد أحسن الكاتب صنعاً بأن ربط بين الناحية الشعرية لدى والده من جهة، وبين الوقائع التاريخية، والبيئة السياسية والإجتماعية التي عاشها والده من جهة ثانية لقد إحتاج عمل الكاتب إلى مصادر ووثائق عديدة ووجد بعضها خاصة في المخطوطة الشعرية للسيد نظام الدين فضل الله، وكتب ووصايا مخطوطة لدى العائلة، توارثها السيد عن الأجداد، وشجرة نسب آل فضل الله، التي تعتبر مخطوطة تاريخية وتراثية، فضلاً عن المنظومة الفقهية للعلامة اللغوي الشيخ موسى مغنية، وغير ذلك من المصادر الأخرى...

أنهى الكاتب مقدمته بالقول والتأكيد على أن تاريخنا "هو إمتداد للتاريخ العاملي، الملئ بالمعاناة والمآسي والصبر والتحمل، والصمود والتضحية والبطولة والإنتصارات".

هذه الإنتصارات التي تحققت على العدو الصهيوني، وفرضت عليه تفاهمات، ثم إنسحابات ثم تحرير، حيث إستطاعت المقاومة أن تقلب صفحة الهزائم التي لحقت بالأمة منذ 1948..

الفصل الأول من الكتاب وضعه الكاتب تحت عنوان: "مواطن العلم"، تحدث خلاله عن عيناثا بلدة العلماء، وعن المدرسة الدينية فيها (مدرسة آل الحسام ومدرسة آل خاتون)، كما تحدث عن السادة آل فضل الله، وتكوّن هذه العائلة، ثم إنتقل إلى أسرة الشاعر السيد نظام الدين، وعن الجدّ الفقيه الشيخ موسى مغنية، الذي تنقل في الدرس أولاً بين

مدرستي حناويه وبنت جبيل، ثم أصبح مدرساً في هذه المدرسة الأخيرة، ثم مؤسساً لمدرسة عيناثا التي نهجت منهجاً جديداً.

قال أن السيد نظام الدين ينتمي إلى عائلة فضل الله الحسينية، وقد تأثر عن طريق الأب والأم، فوالده هو الأديب والشاعر السيد حسين حيدر فضل الله، ووالدته هي السيدة نور الهدى إبنة الفقيه الشيخ موسى مغنية، يعني أن الشاعر نهل من معينين دينيين فقهيين، شعريين، أدبيين، لهما أثر كبير في عيناثا وجوارها من جهة، وفي طيردبا من جهة أخرى.

يقول الشاعر أن مجرد الكتابة عن السيد نظام الدين، فإن ذلك يؤدي إلى تسليط الضوء على العوامل التي ساعدت في تكوين الوعي الثقافي والأدبي للسيد، ولجيل من علماء جبل عامل، الذين كان لهم باع طويل في ساحات الفقه والأدب والشعر... هذا الوعي الذي يبدو أنه عائد إلى فترة بعيدة، تعود إلى تأسيس أول مدرسة دينية في عيناثا على يد الفقيه "جعفر إبن الحسام" الذي كان حيّاً سنة 820 ه/ 1417 م. الذي أخذ عن تلميذ الشهيد الأول الشيخ نجم الدين العاملي، هذه المدرسة التي يبدو أنها إزدهرت بعد تراجع مدرسة جزين. ويبدو أن بعضاً من آل خاتون إنتقلوا إلى عيناثا، وتلقى بعض أبناء هذه العائلة علومهم الدينية في مدرستها، وكذلك بعض من أصبح من كبار العلماء مثل: المحقق الكركي، المحقق الميسى، الشهيد الثاني وغيرهم.

ما طرحه الكاتب يسلط الضوءعلى مسألة مهمة، وهي إنتقال طلاب العلوم الدينية من مدرسة إلى أخرى، فوفاة مؤسس أية مدرسة كان كفيلاً بإقفال هذه المدرسة، وإضطرار طلابها إلى الإنتقال إلى مدرسة أخرى، وهكذا كما يوضح، كيف أن علماء دين من عائلات معينة كانوا يتركون بلداتهم إلى بلدات أخرى ليكونوا أئمة مساجد فيها...

يركز الكاتب على العلاقة بين آل الحسام وآل خاتون من جهة، وأشراف مكة الحسينيين من جهة أخرى، ومن أبرزهم الشريف حسن المكي، الذي إنتقل إلى عيناثا، وإرتبط بعلاقات مهمة مع كبار العلماء من جبل عامل في تلك الحقبة، أي في بداية القرن التاسع للهجرة، الخامس عشر للميلاد.

هذا الأمر يظهر، كما أوضح الكاتب، أن هناك علماء دين كانوا يهاجرون من جبل عامل إلى بعض البلاد الإسلامية للإستفادة من العلوم الدينية والفقهية، كذلك هناك علماء دين مسلمون كانوا يقصدون جبل عامل بهدف التزود بالمعارف العلمية، أو أخذ الحديث عن الرواة، أو التدريس في الحواضر العلمية.

ويتحدث الكاتب عن أن السيد حسن توفي بعد ثلاث سنوات من وفادته إلى عيناثا، ودفن في الجبانة القديمة، بمحاذاة طريق عيناثا – بنت جبيل، المعروفة بطريق السوق. هذا وأكمل أولاده مهامهم، وكذلك أحفاده، وإنتشروا في المنطقة، وكوّنوا أسرهم الخاصة في أكثر من بلدة عاملية، وأغلب العائلات من السادة الحسينيين ينتسبون إلى هذا الشريف حسن، الذي من ذريته والدة جد آل الأمين السيد موسى بن حيدر المتوفي 1090 ه/ 1776 م. وهو صاحب مدرسة شقراء.

ثم يتحدث الكاتب عن السيد يوسف بن بدر الدين في عيناثا، الذي تسنى لعائلته أن يكون لها دور بارز إجتماعي وديني، وكان له ثلاثة أولاد ذكور هم: علي ومحمد وحسن، وهذا الأخير من ذريته فضل الله الذي برز وأصبحت له مكانة علمية وإجتماعية مهمة. هكذا نسبت عائلة فضل الله إلى هذا السيد الذي إنتقل أبناؤه إلى بلدات متعددة مثل: جويا، كفردونين، وهناك فريق بقي في عيناثا. كذلك فإن آل الحسني والحسيني الذين إنتقلوا إلى جناتا هم أصلاً من هذه العائلة.

بالنتيجة الأولى فإن عائلة فضل الله حملت لواء التعليم، وإنتهت إليها الرئاسة الدينية، وجعلت من بلدة عيناثا مقراً لها، وتحدث عنها بإسهاب صاحب "جواهر الحكم" الشيخ محمد مغنية.

ينتقل الكاتب للحديث عن أسرة جدّ والده السيد نظام الدين، التي تعود بنسبها إلى الحسن المثنى بن الإمام الحسن بن الإمام علي (ع)، وكان للعائلة دور مزدوج يتحرك بين عيناثا والنجف الأشرف، ومن ثم بين عيناثا وعدد من البلدات والقرى العاملية، الجدّ الأعلى كما يذكر المؤلف للشاعر السيد نظام الدين يحمل إسمه، وهو السيد نظام الدين بن فضل الله، وكان من أبنائه السيد حيدر، الذي ترقّى في ميادين الفقه والأصول، وكان من كبار علماء المنطقة، وبرز دوره بين أقرانه في النجف الأشرف، حيث أسس هناك موقعاً مرموقاً. من ابناءالسيد حيدر السيد حسن، الذي حمل لواء الأسرة العلمية، وصار من مشاهير الرجال، لكن معظم أفراد عائلته توزعوا خارج عيناثا.

ينقل الكاتب أن من إستقرّ في عيناثا من ذرية السيد حسن كان السيد نظام الدين الثاني، كان حيّاً بين العامين (1175 – 1250 ه/ 1761 – 1834 م.)، وكان من كبار علماء جبل عامل، وفي عهده بقيت عيناثا مقراً للرئاسة الدينية.

إلى جانب هذا الأخير كان هناك عالمان آخران وهما: السيد محمد والسيد فخر الدين، ويعتبر الأول من كبار الفقهاء، وقد أكمل ما بدأه السيد حيدر، وأنشأ مدرسة دينية في

عيناثا، وتحدث عنه الفقيه السيد محمد رضا فضل الله، وقال أنه كان "عيلم العلم والفقيه الماهر، وأنه أسس مدرسة علمية...".

كما ينقل عن السيد محمد ولقبه سلطان العلماء أنه:"نصح ناصيف النصار بالتحاور مع ظاهر العمر ومصالحته والتحالف السياسي معه.

من ذرّية هذا البيت السيد حسين إبن السيد حيدر، وهو والد الشاعر السيد نظام الدين، وينقل الكاتب بعضاً من حياة السيد حسين وعلومه ودراساته على يد الشيخ موسى شرارة وآخرين، وأن دوره التبليغي كان متميزاً، وله مطارحات شعرية مع بعض العلماء، وكان منزله عامراً، ويمثل صورة عن الحياة الأدبية في المنطقة، كما أنه كان خطيباً للمنبر الحسيني، وتزوج من إبنة الفقيه الشيخ موسى مغنية، الذي كان له أثر كبير وبارز إنطلاقاً من مدرسة بنت جبيل، متنقلاً بعدها في العديد من الأماكن مثل: طيردبا، صور، شقراء، ثم عيناثا، حيث جدّد المدرسة الدينية، وتخرج على يديه عدد من الذين أصبحوا فيما بعد من كبار العلماء، فضلاً عن أنه كان سبّاقاً في القيام بنشاط يخص النساء، بهدف تعليمهن، فعهد إلى زوجته تعليم الفتيات...

الفصل الثاني وضعه الكاتب تحت عنوان: "شاعر الأصالة"، تحدث فيه عن والده الشاعر السيد نظام الدين فضل الله" وقال أن عوامل عديدة ساهمت في تكوّن الوعي الثقافي لديه، مع العلم أنه تأثر كثيراً ببيئته العلمية والأدبية، حيث نهل من نبعين أو مصدرين مهمين وهما: والده السيد حسين العالم وخطيب المنبر الحسيني والشاعر، وجدّه لأمه الفاضلة نور الهدى، الفقيه الشيخ موسى مغنية، فضلاً عن أن مربيته خالته زينب مغنية كانت أدبية وشاعرة، وأخوه السيد ضياء الدين كان ايضاً أديباً وشاعراً.

وكانت أولى القصائد التي تأثر بها تلك التي قالها والده بأمه السيدة نور الهدى مغنية راثياً إياها. تأثره بجدّه الشيخ موسى مغنية كان مهماً، حيث تتلمذ على يده، وكان بمثابة ولده الذي سيكمل مشواره العلمي، كان يحفظ شعره، يرافقه في حلّه وترحاله وفي مجالس العلم التي يعقدها...

هذه الأمور – كما يذكر مؤلف الكتاب – ساعدته في بناء علاقات مع بيئته أوسع، فنسج صداقات مع علماء من آل شرارة، شمس الدين، مغنية، الأمين، الفقيه، شرف الدين وغيرها...

لم تفته النقاشات التي كانت تحصل في منزل جدّه، حول الأمور الفقهية والأصولية، كذلك حول ما كان يحصل في جبل عامل من تحولات سياسية وإجتماعية وغيرها بعد إعلان الإنتداب الفرنسي. والملاحظ أنه كان متأثراً بما كان يحصل من ممارسات صهيونية لتهويد فلسطين، وكذلك من ممارسات الإنتداب الفرنسي لإنتزاع جبل عامل من تاريخه واصالته وعروبته، ووقف وراء جدّه الشيخ موسى في مواجهة الممارسات الإقطاعية.

يذكر الكاتب أن وفاة المقدس الشيخ موسى مغنية سنة 1938 شكلت خسارة كبيرة للسيد نظام الدين، وعوّض عن ذلك بوجود أخيه السيد ضياء الدين، الذي كان من الشعراء المرموقين الكبار المعروفين على صعيد جبل عامل، وإشتهر بموافقة السياسية خاصة تجاه قضيتي فلسطين والجزائر.

بالنسبة للسيد نظام الدين شخصياً، فقد كانت إنطلاقته الشعرية في وقت مبكر، مستفيداً من كل الأجواء المحيطة به.

يركز الكاتب على نقطة هامة لدى السيد نظام وهي تأثره البالغ بما كان يجري في فلسطين، حتى أنه إنضم إلى صفوف الثوار العرب الذين واجهوا العصابات الصهيونية والعسكر الإنكليزي، هذه المسألة طبعت مسيرة السيد نظام الدين النضالية، حتى سقوط فلسطين، وكان يعبّر عن مرارته تجاه هذه القضية، وتجاه جيش الإنقاذ وبعض ممارسات عناصره الشاذة وقد وقف في وجهها بحدّة.

يتحدث المؤلف عن تجربة مرّة لوالده، تمثّلت بهجرة قسرية إلى الأردن، لم تدم طويلاً، محاولاً العودة إلى فلسطين، وتحديداً إلى "حيفا"، لكن ما حصل لفلسطين بدّد آماله، وفرض العودة مجدداً إلى بلدته عيناثا، حيث كانت مسيرته الجديدة، وعنوانها النشاط الإجتماعي، حيث أسس جمعية وإنتخب رئيساً لها، ووقف في وجه الإقطاع. وكان إلى جانب ذلك يشارك في مجالس الأدب والشعر، وكان واحداً من المشاركين في اللقاءات الأدبية، وكانت لديه نيّة بالذهاب إلى النجف الأشرف مع رفيقه السيد عبد المحسن فضل الله الذي سبقه إلى هناك، لكن لم يتسنّ له ذلك، وذكر الكاتب نموذجاً عن الرسائل المتبادلة بينهما.

ينتقل الكاتب للحديث عن فترة الإستقرار التي عاشها السيد بعد إقترانه من قريبته سنة 1952 ،لتبدأ مرحلة جديدة من حياته، فيها سياسة وإجتماع ودين وأسرة.

هذه المرحلة بدأها بدور تبليغي من خلال المنبر الحسيني، متنقلاً بين عيناثا وجوارها، ثم مهاجراً إلى الكويت، قبل أن تضطره الأوضاع للعودة إلى بلدته، ثم الإنتقال إلى بيروت، حيث عاش في "حي النبعة"، حيث العدد الأكبر من العامليين، الذين وجدوا في الضواحي الشرقية لبيروت، قبل الضاحية الجنوبية مكاناً لسكنهم وعملهم.

وتنقّل السيد من وظيفة لأخرى، والقصد كان تحصيل معيشة العائلة، دون أن يتخلى عن مهمة التبليغ الديني، حيث كان منزله في النبعة منطلقاً لها.

هناك كانت مرحلة جديدة تمثلت بعلاقته مع قريبة السيد محمد حسين فضل الله، وجمعية أسرة التآخي، وهناك توطّدت العلاقة بين السيدين، هذه العلاقة التي كان يستمع المؤلف إلى تفاصيلها، فضلاً عن المخزون الثقافي، الأدبي، الشعري الكتابي الذي كان يتمتع به العلامة فضل الله.

يقول الكاتب أن آخر لقاء جمعه وأخوته مع العلامة السيد فضل الله كان سنة 2010 وهو على فراش مرضه الأخير. يورد الكاتب مسألة مهمة، ذات دلالة، وهي أن العلامة فضل الله كان متمسكاً بالأصول العلمية التي قادته إلى تحديد الكثير من الضوابط التي تحكم الإنتماء إلى سلك التعليم الديني" وكان يميز بين مصطلحي العلماء والمعممين، وأن هناك تفاوتاً كبيراً بين الجيل الماضي من العلماء، وما عليه الكثير من مظاهر الحاضر".

وهنا يتحدث الكاتب عن المشروع الذي حمله العلامة فضل الله من النجف الأشرف، والذي "تبلور على شكل حركة إستنهاض ديني وثقافي وإجتماعي، ومركز إنطلاقته النادي الحسيني في النبعة.

مهم جداً ما يذكره الكاتب عن تلك اللقاءات المتميزة مع العلامة فضل الله، والتي كان فيها أحاديث من القلب عن التراث العاملي، والخاص بالعائلة، وكان السيد يحثّ من يريد الكتابة والبحث على الإستحصال على المخطوطات، "وبأي طريقة ممكنة".

ينتقل الكاتب المؤلف بعد ذلك للحديث عن المجالس الأدبية والشعرية والفكرية التي كانت تجمع والده السيد نظام الدين مع الفقيه المجتهد الشيخ محمد تقي الفقيه، والشيخ حسن معتوق، والسيد عبد الرؤوف فضل الله والسيد عبد اللطيف فضل الله وآخرين...

كان السيد – كما يذكر المؤلف – يتأثر لما كان يجري في المنطقة الجنوبية، من إعتداءات صهيونية وكان هو يعمل في بيروت وعائلته كانت في عيناثا، إلى أن إنتقلت

كلها إلى النبعة شتاء، وتعود إلى البلدة صيفاً، إلى أن بدأت الحرب الأهلية، وحوصرت العائلة في النبعة، ثم تركتها مجبرة، تاركة هناك كل ما كانت تملك، وعادت إلى عيناثا، وفي اليوم الذي حصلت فيه مجزرة سوق بنت جبيل سنة 1976 نجا السيد، وكانت حركة تهجير جديدة بإتجاه شقراء، أعقبتها عودة إلى عيناثا.

يلاحظ القارئ هذه الحركة المكوكية الصعبة جداً، والمليئة بالمعاناة والعذابات، وكما يقول المؤلف فإن السمة الغالبة على حياة والده السيد نظام الدين الترحال من مكان إلى آخر، بهدف كسب العيش الحلال، وبسبب الظروف الأمنية الضاغطة.

وأخيراً حطّ الشاعر رحاله في منطقة الأوزاعي، حيث لعب هناك دور المرشد الديني للأهالي الآتين من الجنوب والبقاع.

يتحدث المؤلف عن صرخة والده المعبّرة أثناء إجتياح 1978 حيث قال: "ضاع الجنوب، فإسرائيل بدأت بإحتلاله"، وترافق هذا الأمر مع تغييب الإمام السيد موسى الصدر. خلال وجود السيد في عيناثا لعب دوراً في مقاومة التطبيع مع العدو بعد الإجتياح. ويتحدث المؤلف عن الفترة اللاحقة، في الضاحية الجنوبية، حيث إنتقلت العائلة إلى هناك، ومع الإجتياح الثالث 1982 حصلت تطورات عديدة، ونشأت المقاومة للتصدي للإحتلال.

ثم يتحدث المؤلف عن الفترة الواقعة بين 1982 و 1983، وكيف أصبح بيت السيد نظام الدين في الضاحية منخرطاً في الأنشطة السياسية والميدانية والشعبية، وكان لإنتصار الثورة الإسلامية في إيران دور كبير في كل ما حصل لاحقاً.

يصوّر الكاتب تطور الأوضاع بعد عدوان 1993 ثم عدوان 1996 وتفاهم نيسان، وتعرض والده لحادث أثّر على وضعه الصحي، الذي كان يتراجع تدريجياً، وترافق هذا الوضع مع نعمة التحرير 2000، إلى أن وافته المنية في عيناثا في شباط 2006. بالنسبة لشاعرية السيد نظام الدين وديوانه، يقول الكاتب: "لطالما أشعل السيد نظام الدين مجلسه بالقصائد الملتهبة بالحماسة والعبر".

وعدا عن تميز السيد بالثقافة الدينية والفقه والتفسير والتاريخ، فإنه برع في مجال الأدب والشعر، فضلاً عن أنه حافظ لأغلب أشعار العرب، وهذه المسألة عنده (الذاكرة الثاقبة) أعطته دفعاً ثقافياً كان يستغله في المناسبات.

خصائص شعره، فإنها كما ذكرها المؤلف: "جمعت بين سلاسة الأسلوب وعمق المضمون" ومن أبرز هذه الخصائص: "الأصالة" حيث الشاعر ينتمي إلى بيئة عاملية معروفة بعناصرها الدينية والثقافية واللغوية، ثم "التمرّد والرفض" إنطلاقاً من خلفيته الدينية المرتكزة على الإيمان وكربلاء، ثم "الحزن" وهو لصيق بكربلاء أيضاً، خاصة أنه كان قارئ عزاء مجيد".

أما بالنسبة لأغراض الشعر لديه، فقد ذكرها الكاتب تحت عناوين ثلاثة هي:

- الموضوع الديني، حيث كانت له تأملاته في رحاب الفيض الإلهي.

- الموضوع السياسي الذي فرضته طبيعة الصراع مع العدو الصهيوني منذ بداياته حتى التحرير.

- الموضوع الإجتماعي، حيث أنه كان ناقداً إجتماعياً، خاصة نقد سلوك مدّعي الإيمان، ومستغلي الدين للحصول على منافع مادية، وناهبي المال الشرعي بإسم الدين...

كما يرد في الكتاب، فإن قصائد السيد نظام الدين تتوزع بين جلسات مع العائلة في أحضان الطبيعة، وصرخات في وجه تجار الإيمان ومدّعي الإسلام، والمرائين بإسم الدين، والحثّ على العلم المرتبط بالإيمان كأساسين لنيل رضى الله، والتطرق إلى بعض أصدقائه من علماء الدين، والحنين إلى أيام الشباب، والتطلع دوماً نحو الجنوب، والحث على الصلاة، ومدح الإمام السيد الخميني (قدس)، ولم يخل شعره من أبيات غزلية جميلة، ومن معاناة في العمل المتنقل بين مكان وآخر، وفي مدح النبي (ص) والإمام علي (عليه السلام)، والإمام الحسين (عليه السلام)، ومناجاة الله عز وجلّ، ومدح آل فضل الله عائلته الدينية، وجلسات الشاي حول السماور خاصة في منزل جدّه الفقيه المقدس الشيخ موسى مغنية، وشعر بصديقه العلامة السيد محمد حسين فضل الله، والشيخ حسن طراد، والشيخ خليل صادق، وعدد آخر من أصدقائه العلماء العامليين، خاصة العلامة الفقيه الشيخ محمد تقي الفقيه، ودروس وعبر ومواعظ لأولاده، وشعر للأطباء الذين عالجوه في المستشفى أيام إصابته ومرضه.

وجميلة هي أبياته التي يعبّر من خلالها عن عتبه على بعض الأصدقاء والأرحام، وفي مدح ثورة إيران المجيدة، وفي تعلّقه بالسيجارة منذ أيام شبابه، وملازمته لها حتى وهو على فراش المرض، وفي رثاء أخيه السيد ضياء الدين.

أنهى المؤلف كتابه بذكر القصائد التي قيلت بالسيد نظام الدين وهي للشعراء:

الشيخ حسن طراد، الشيخ عفيف النابلسي، غسان مطر، معروف فضل الله، نجاح العرسان (من العراق)، جورج شكور، حسين هاشم، أحمد نجيت (من مصر)، طارق ناصر الدين، ومعروف فضل الله.

هناك بعض الملاحق المهمة في آخر الكتاب متعلقة بنسب العائلة، وبأوراق خاصة مكتوبة بخط السيد نظام الدين، وبوصايا وقصائد ورسائل وصور له وللعائلة، ولشخصيات معه.

بالنتيجة "ذاكرة القوافي" للكاتب الدكتور السيد حسن فضل الله إنجاز مهم يضاف إلى إنجازاته السابقة، وهو يغني المكتبة العاملية، وحبذا لو تكررت مثل هذه الكتابات التي تتناول شخصيات لم يسلّط عليها الضوء كما يجب، وهي أهل بكل معنى الكلمة لأن تكون محط إهتمام الباحثين والكتاب والمؤرخين.

بنت جبيل

الدكتور مصطفى بزي

Script executed in 0.20572996139526