عندما نراها نتأكد من عظمة الخالق، ويترسخ إيماننا بما أبدع، جمالا وسحرا، في عالم يبدو أننا لن نتمكن من الحفاظ عليه، فيما نواجه من تبعات تغير المناخ وانقراض العديد من الكائنات، ويبدو أننا لم نكن أهلا لما وهبنا من خيرات ونِعَم، ونحن نستبيح البيئة ونستنفد مواردها، بحدود تحول دون تجددها.
"فراشة" بنت جبيل
هي فراشة على هيئة طائر، من يراها دون تمعن يظنها "طائر الطنان" الجميل، خصوصا وأنها تحوم وتدندن بتشابه كبير مع حركات جوانحه ورفرفته، ولكنها فراشة، تمتلك بعض الخصائص البيولوجية القريبة من الطيور، لكن إن أمعنا النظر إليها عن قرب، ستجد كائنا بلا أرجل ولا منقار، نتأكد بأنها ليست عصفورا ولا "طائر الطنان"، بل قريبة الشبه بالفراشات ولكنها ليست كباقي الفراشات.
من المعروف أن الحشرات تحمي نفسها من المطر وتخشاه، إلا أن "فراشتنا" هذه تعشق المطر، وتصدمنا بقدرتها على الطيران أثناء هطوله، وهي ليست منتشرة بشكل كبير لكنها موجودة وإن كنا لا نراها في أي مكان، يميزها خطاف رفيع تتفرع منه أنبوبتان منفصلتان في مقدمة رأسها، تستخدمهما لإتمام عملية الإمتصاص، إذ تحصل على غذائها من رحيق الأزهار.
وهذا ما وثقه فيديو مرسل إلى موقعنا "بنت جبيل" ومن مدينة بنت جبيل، لقطات رائعة وهي تجمع غذاءها، وتتنقل من زهرة الى أخرى، بحركات جميلة ورائعة وكأن هذا الفضاء مسرحها في ما تقدم من حركات على إيقاع خفق أجنحتها وبوح الأزهار عطرا، ولأننا وقعنا في "الفخ" وظننا أنها طائر، كان لا بد من عرض الفيديو والوقوف على رأي علمي لخبير من ذوي الاختصاص.
زرقط: غنى لبنان وتنوعه البيولوجي
في هذا المجال التقى "موقع بنت جبيل" الدكتور والباحث حسين زرقط، صاحب موسوعة "الدليل الحقلي عن الفراشات في لبنان والشرق الأوسط" والذي يعتبر أهم وأحدث موسوعة مختصة بالفراشات في منطقتنا، فقال بدايةً: "إن الفراشات عالم كبير ومتنوع ويضم آلاف الأنواع حول العالم، وإذا أردنا الحديث عن لبنان فسنجد الحال مختلفا، فهو بالرغم من صغر مساحته يحتوي 3000 نوعا من النباتات و4486 نوعا من الحيوانات عامة و40 منها مهدد بالإنقراض وعلى 165 نوعا من الفراشات، وهذا العدد المذهل من الكائنات على مساحة صغيرة من الأرض هو ميزة تجعل منه نقطة ساخنة لغناه وتنوعه البيولوجي".
وأضاف: "من ضمن هذا التنوع وهذه الأعداد تعيش في لبنان فراشة الطنان أو فراشة النحل، وتسمى “ Hummingbird hawkmoth” ، يتراوح حجم جناحيها بين 40 و 45 ملم، وهي موجودة طوال فترة السنة، ويعثر عليها في المروج والبساتين والغابات والأدغال ، وفي موسم التكاثر تضع العديد من البيض الأخضر على أوراق الأشجار والنباتات المضيفة الأخرى".
تطور التقارب
وأردف زرقط: "لون يرقتها خضراء زاهية مع خطوط جانبية رمادية، وعند خلفيتها قرن أحمر، تمر بالمراحل العادية داخل شرنقتها، وعندما تخرج من الشرنقة يكون لون اليرقة أصفر الى بني فاتح لتتحول تدريجيا الى فراشة، إلا أنها فراشة غير عادية بحيث تشبه طائر الطنان من حيث الشكل ونمط طيرانه، في عملية تعرف باسم (تطور التقارب)".
وأهم النباتات المضيفة، الغاليوم Galium، الروبيا Rubia، سينترانثوس Centranthus، ابيلبيوم Epilobium والستيلاريا Stellaria، وتعتبر النباتات الغنية بالنكتار مصدرا جاذبا للحصول على الرحيق للبالغات من هذا النوع من الفراشات.
في موسم التكاثر تضع هذه الفراشة بيضتين لكل مجموعة، وعندما تفقس البيوض يكون لون اليرقات أصفر ثم يتحول تدريجيا إلى اللون الأخضر، ثم تمر بالمراحل العادية داخل الشرنقة بحيث تتحول إلى فراشة كاملة خلال 20 يوما أو أكثر طبقا لدرجة الدفء من حولها.
في الشتاء تبحث هذه الفراشات عن الأماكن الدافئة سواء في الأشجار أو حتى البنايات أو بين الصخور، وإن لم تحصل على الدفء في مكان مناسب تطير لكي تتغذى وتحصل على ما تريد.
فاديا جمعة/ بنت جبيل.اورغ