أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

مناورة إسرائيل في زمن «التحوّلات»: خوفاً من معجزة أخرى!

الإثنين 01 حزيران , 2009 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,825 زائر

مناورة إسرائيل في زمن «التحوّلات»: خوفاً من معجزة أخرى!

 


«لقد صنع الله لنا معجزة عظيمة، أن أوجد ذلك الحدث (أسر الجنديين في 12 تموز 2006) الذي بسببه تكشّفت الأمور الآن وليس، لا قدر الله، بعد عامين أو ثلاثة أعوام. لم يسبق لأي جيش إسرائيلي أن حارب في لبنان ضد قوة كهذه. تصوّروا ماذا كان يمكن أن يحدث بعد ثلاث سنوات ـــــ أيّ مديّات ستكون للصواريخ، أيّ أنواع من الرؤوس المتفجرة، وأيّ وحدات إيرانية كانت ستشارك في الحرب؟». في حديثه عن المعجزة، خلال اجتماعٍ حكومي قبل أيام من انتهاء عدوان تموز عام 2006، لم يكن قصد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، يتجاوز الإشارة إلى الحجم المفاجئ لقدرات المقاومة الذي كشفت عنه الحرب. الرهان على انتصار الجيش الإسرائيلي كان حتى ساعة إطلاق هذه التصريحات، في السادس من آب، لا يزال يدغدغ خيال القادة الإسرائيليين، وخصوصا أن خيار الهجوم البرّي الواسع لم يكن قد استُنفد بعد. احتاج الأمر إلى أيام قليلة وعشرات من الجنود القتلى في اشتباكات مباشرة مع المقاومين، لكي تتولّد القناعة لدى الإسرائيليين بأن «للمعجزة» التي تحدّث عنها أولمرت وجهاً آخر، هو اكتشاف حجم الخلل الذي أصاب جيشهم في ضوء عجزه عن تحقيق الانتصار الموعود حتى عندما ألقى بثقله البري في المعركة.
نتائج الحرب دفعت إسرائيل إلى مواجهة علامات استفهام كبيرة تتصل بعلاقتها مع الذات والمحيط. فهي بحسب تقرير فينوغراد، «لن تستطيع البقاء في هذه المنطقة أو العيش فيها بسلام وهدوء من دون أن تعتقد هي نفسها، فضلاً عن محيطها بأن جيشها قادر على الانتصار (في أية مواجهة)، وأنها تملك قدرات عسكرية ومناعة اجتماعية تسمحان لها بردع أعدائها، وأنها عند الحاجة، قادرة على إلحاق الهزيمة بهم».
مع انتهاء الحرب، عُهد إلى القرار 1701، بحسب ما أمل المسؤولون الإسرائيليون، معالجة الوجه الأول «للمعجزة»، أي وضع حد لمراكمة المقاومة لقوتها كمّاً ونوعاً، فيما اقتضى علاج الوجه الآخر، أي ترميم القدرة الردعية لإسرائيل، إجراء حساب طويل مع النفس بدأ مع موجة الاستقالات التي أعقبت الحرب، واستمر مع عشرات لجان التحقيق التي أُلّفت ــــ وعلى رأسها لجنة فينوغراد ـــــ للتمحيص في أسباب الهزيمة، ولم تنتهِ على ما يبدو بتنحّي أولمرت عن رئاسة الوزراء.
وبرغم أن الغاية من حساب النفس هذا كانت إصلاح ما أمكن مما كشفت الحرب عن فساده في المؤسستين العسكرية والسياسية، فإنّ ذلك لم يحُل دون بقاء عقدة «حرب لبنان الثانية» حاضرة بقوة في الوعي الإسرائيلي، وخصوصاً في ظل تبلور بيئة استراتيجية في أعقابها تذكّر كل يوم بالاختلال المهم الذي أصاب ميزان القوى بين مشروعَي المقاومة والاحتلال.
وبقدر ما أسهمت نتائج الحرب في دفع إسرائيل إلى اكتشاف مكامن الإخفاق والخلل وإطلاق ورشة قومية لأجل معالجتها، فإنها جعلت صنّاع القرار فيها يدركون أن المواجهة المقبلة لن تكون بعيدة، لذا، ينبغي استغلال الفترة الفاصلة عنها في الإعداد، كما ينبغي لها. وهذا، بالضبط، ما يفعله الجيش الإسرائيلي منذ نهاية حرب تموز.

نقطة تحوّل

يمكن تلخيص التحوّل الذي أحدثته «حرب لبنان الثانية» في الوعي العسكري الإسرائيلي بعناوين أربعة:
أولاً: أن التهديد الذي تمثّله حركات المقاومة على إسرائيل بات تهديداً استراتيجياً. فإذا كان سقف التحدي الأمني الذي تفرضه هذه الحركات في الماضي هو المشاغلة الاستنزافية التي تستدرج في أسوأ الأحوال ردوداً بحجم عمليات عسكرية، فإن هذا السقف رفع ليل أمس القدرة على خوض مواجهات واسعة ومباشرة بحجم الحروب. بهذا المعنى، باتت هذه الحركات تؤدّي الدور الذي كانت تؤدّيه دولٌ عربية إبان الفترة التي كان الصراع فيها ساخناً، لجهة فرض توازنٍ عسكري قادرٍ على ضبط إيقاع الكثير من الحراك السياسي.
ثانياً: أن إمكان الرهان على فصل الجبهات في الحرب، حيث يمكن الاستفراد بواحدة منها مع تأمين عدم انتقال الاشتعال إلى الأخريات بفعل الردع الإسرائيلي، هذا الإمكان تضاءل إلى حدودٍ دنيا. بات على إسرائيل أن تستعد لمواجهةٍ تتشارك فيها جبهات الصراع كلها، ابتداءً من غزة مروراً بلبنان وسوريا، وانتهاءً بإيران، من دون أن تغفل الخطر الكامن الذي يمثّله فلسطينيو الداخل في هذا الإطار.
ثالثاً: أن الجبهة الداخلية، وعلى مساحة «إسرائيل»، وبما تحتويه من بشر وحجر، أصبحت جزءاً لا يتجزأ من ساحة المعركة. أدرك الإسرائيليون أن الأيام التي كان يمكن فيها تحييد هذه الجبهة عبر نقل المعركة إلى أرض الخصم قد ولّت، بل إن لقدرة الصمود على هذه الجبهة دوراً حاسماً في تحديد وجهة الحرب ورسم ملامح نتائجها. وقد اقتضى هذا التحول إضافة أصل رابع، هو الحماية، إلى الأصول الثلاثة للعقيدة العسكرية الإسرائيلية، المعروفة بـ: الردع والإنذار والحسم. فإذا فشل الردع في منع الحرب، ينبغي أن يكون هناك إنذار مبكر بحدوثها، وعند وقوعها ينبغي حسمها بسرعة، في ظل حماية الجبهة الداخلية، بالقدر الممكن، من التعرض لصواريخ الأعداء وتقليل ما أمكن من الخسائر البشرية الناجمة عن ذلك.
رابعاً: أن عصر الحروب الخاطفة القصيرة التي يتحقق فيها الحسم خلال أيام أو حتى أسابيع قليلة قد بات من الماضي، وصار من الواجب الاستعداد لحروب قد تطول حتى أشهر عديدة، مع ما يستلزمه ذلك من إعداد العدّة على الصعيدين العسكري والمدني.

حمّى الجهوزية

لم تكد حرب تموز تضع أوزارها حتى أطلق الجيش الإسرائيلي ورشة قلّ نظيرها في تاريخه، عنوانها إعداد نفسه ليكون جاهزاً للحرب المقبلة تخطيطاً وتسليحاً وتدريباً على قاعدة المقولة الشهيرة التي لا ينفكّ رئيس الأركان، غابي أشكينازي، يردّدها، وهي أن الحالة التي ينبغي أن يوجد فيها أي جيش هي واحدة من اثنتين: خوض الحرب أو الاستعداد لها. وفي إطار هذه الورشة جرى العمل على إعادة بلورة المفاهيم القتالية بما يتناسب مع التحوّلات الآنفة الذكر، كما أعيد الزخم إلى برامج التدريب، التي كانت قد أُهملت قبل الحرب لتصبح الأشهر والأسابيع والأيام على مدار العام مسرحاً دائماً لعرض متواصل من المناورات والتدريبات على مختلف الأحجام والأنواع. وفي هذا السياق، تأتي «نقطة تحول 3»، وما سبقها من مناوراتٍ بعضها أقل تداولاً في الإعلام كـ«رياح الشمال» و«أزهار الربيع» و«تشابك الأذرع» وغيرها، لتعكس حمّى الجهوزية التي أصابت الجيش الإسرائيلي، التي تختصرها عبارة لوزير الدفاع، إيهود باراك، يشدد فيها «على أن يكون الجيش مستعداً للانتقال من وضعية الأمن الجاري إلى وضعية الحرب في غضون ساعات قليلة». وتتميز «نقطة تحول 3» بأنها تمثّل محطة تلتقي فيها التحوّلات كلها التي شهدها التفكير العسكري الإسرائيلي منذ عدوان تموز. فهي تحاكي حرباً على مستوى «الكيان» تندلع دون إنذار كافٍ، وتشتعل فيها كل الجبهات بصورة متعاقبة، وتستمر أشهراً. بل إن المناورة تحاكي فرضية استخدام أسلحة غير تقليدية ضد إسرائيل، إضافة إلى تعرّض منشآت حساسة للقصف الصاروخي. بعبارة أخرى، يمكن المراقب أن يقرأ في المناورة طبيعة السيناريوهات التي تتوقّعها تل أبيب في حربها المقبلة، وهي، بالمناسبة، سيناريوهات من الخطورة بحيث تبدو إسرائيل مضطرة إلى الاستعداد لها حتى لو كان ثمن ذلك إشاعة جو من الهلع وتراجع الشعور بالأمن الشخصي وسط المواطنين.
يبقى التساؤل عن صحة الحرص الذي يبديه المسؤولون الإسرائيليون في إعطاء مناوراتهم عموماً بعداً دفاعياً. المؤكد، في هذا الإطار، أن ما تفعله إسرائيل هو استعدادٌ لحربٍ تدرك ضمناً أنها آتية عاجلاً أم آجلاً. السُّذَّج وحدهم يمكن أن يصدقوا أن إسرائيل ستُحجم عن المبادرة إلى الحرب عندما تقتضي مصلحتها الاستراتيجية ذلك. بالنسبة إليها، أثبتت «حرب لبنان الثانية» أن المخاطرة بانعدام الجهوزية الدائمة أصبحت أمراً ممنوعاً.



رفع الجهوزية لمواجهة أيّ تطوّر محتمل

 

افتتح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو جلسة الحكومة الأسبوعية، بالحديث عن مناورة الجبهة الداخلية الكبرى التي بدأت أمس. وأكد أنها «غير موجّهة إلى أي دولة في المنطقة» واصفاً إياها بأنها «نشاط روتيني يستهدف إعداد الجبهة الداخلية لمواجهة حالة طوارئ وغير مرتبطة بتقدير استخباري ما موجود بحوزتنا». في موازاة ذلك، عبّر وزير الدفاع إيهود باراك عن اقتناعه بأن هذه المناورة «ستسهم برفع مستوى جهوزيتنا لمواجهة أي تطوّر محتمل»

 

 

Script executed in 0.17719197273254