أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

صباح الاثنين: أكثريّتا الموالاة والمعارضة الجديدتان أمام اختبار المشاركة

السبت 06 حزيران , 2009 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,762 زائر

صباح الاثنين: أكثريّتا الموالاة والمعارضة الجديدتان أمام اختبار المشاركة

نقولا ناصيف - الاخبار


من صباح 8 حزيران يبدأ يوم جديد يطوي نتائج الانتخابات النيابية، لكنه يترك الآثار السياسية التي رافقتها معلقة برسم المعركتين السياسيتين المقبلتين الأقرب: انتخاب رئيس للبرلمان الجديد، ثم تسمية رئيس للحكومة، توطئة لتأليف أولى حكومات ما بعد الانتخابات. وما لم تحصل مفاجأة ـــــ أقرب إلى أعجوبة ـــــ تعطي طرفي التنافس نتائج متساوية، فتتقاسم كل من 8 و14 آذار المقاعد النيابية الـ 128 مناصفة، فإن خروج رابح وخاسر من الانتخابات، أياً يكن هذا وذاك، سيضع لبنان في مرحلة سياسية جديدة، لا تغيّر بالتأكيد وجهه ولا تقوّض نظامه ومؤسساته واستقراره، ولا تخلّ بتوازناته، ولا تمسّ حكماً دستوره وسياسته الخارجية، إلا أنها ستدفع به في اتجاه مختلف لممارسة الحكم ومقاربة مثيرة للجدل للملفات التي يختلف عليها الفريقان. وسيكونان كذلك على تماس مباشر مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي سيجد نفسه بين أكثرية قانونية في الحكم تسيطر على الغالبية النيابية بفروق ضئيلة، وأكثرية سياسية في المعارضة يصعب تجاوزها واتخاذ خيارات وقرارات أساسية بتجاهلها، وخصوصاً على صعيدي الأمن والسياسة الخارجية.
الواقع أن عبء الاستحقاقات والمشكلات الدستورية والسياسية المؤجلة، لا يقتصر حمله على طرف دون آخر، سواء ربح الغالبية الجديدة أو خسرها، بل يتوزّع على كل منهما ما إن يصبحان وجهاً لوجه أمام تأليف الحكومة المقبلة. الأمر الذي يفسح، منذ إعلان النتائج وحتى 20 حزيران الجاري، (موعد انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي) أمام مراجعة نقدية يجريانها. لا الرابح سيحكم بمفرده بقوة أكثريته القانونية، ولا الخاسر سيكون وجوده خارج الحكم مبرّراً لتهميشه وإقصائه كلياً عن القرارات وتجريده من حصته في الإدارة. والفريقان لا يؤمنان كثيراً، في الحكم وخارجه، بالقواعد الدستورية التي تقول بمراقبة الحكومة ومحاسبتها في مجلس النواب، ولا بسقوطها عندما يحجب الثقة عنها.
كلاهما اختبرا تجربة معاكسة برهنت له أن الإخلال بالتوازن السياسي، وخصوصاً في الشارع ـــــ مثل إدارة التوازن السياسي في السلطة ـــــ يلعب الدور الحاسم في قلب المعادلة القائمة كما في المحافظة عليها. أسقطت قوى 14 آذار في الشارع حكومة الرئيس عمر كرامي في 28 شباط 2005 تحت وطأة السخط الشعبي على اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لم يحجب البرلمان الثقة عنها، ولا رئيسها طرح الثقة. وأسقطت قوى 8 آذار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في الشارع أيضاً إثر أحداث 7 أيار 2008 التي أفضت إلى تسوية الدوحة ومن ثم انتخاب رئيس للجمهورية. كان كل من حكومتي كرامي والسنيورة يقبض على الغالبية النيابية التي تحول دون انهيارها من قلب المؤسسة الدستورية. إلا أنها لم تُجْدها عندما صار الاحتكام إلى الشارع.
يمثّل هذان الاختباران معياراً يدركه الموالون والمعارضون، وهم على مسافة ساعات من تحوّل ينتظر مصير كل منهما: احتفاظ قوى 14 آذار بغالبيتها لن يجعلها تخوض تجربة الحكم نفسها كما بين عامي 2005 و2008 وبالثغر ذاتها التي أفقدتها إياه، واكتشاف قوى 8 آذار الحكم للمرة الأولى بإمساكها بالغالبية النيابية الجديدة لن يجعلها تبسّط الوصول إليه ولا المحافظة عليه.
ومع أن الطرفين يبكّران في ادعاء الفوز بالغالبية الجديدة، وبأنها ستكون المصدر الفعلي لسيطرة أحدهما على الحكم، فإن المأزق الحكومي الذي ينتظر الفريق الرابح في الأسابيع المقبلة، قد لا يعبّر بالضرورة عن فاعلية سلاح الغالبية النيابية، بل سيقع كل من قوى 8 و14 آذار تحت وطأة المعادلة القديمة التي رافقت تأليف معظم الحكومات المتعاقبة، عندما كانت هذه تقع في المأزق: يبدأ أزمة حكومية، ثم يتحوّل أزمة حكم، فأزمة نظام.
بذلك تبدأ المشكلة بالرئيس المكلف، ثم تستدرج إليها الكتل النيابية والغالبية التي سمّته، ثم رئيس الجمهورية لكونه المعني بتوقيع مراسيم تأليف الحكومة الجديدة، ومن ثمّ ـــــ متى تفاقم المأزق ـــــ تقع المؤسسات الدستورية كلها في فخّ تعطيل الصلاحيات.
ولعلّ المأزق الذي ينتظر الطرفين هو موقف كل منهما من المشاركة في الحكومة الجديدة، ومن موقع رئيس الجمهورية فيها وحجم تمثيله، ومصير الثلث الزائد واحداً. وكذلك من رغبة يضمرها أحدهما ويفصح عنها الآخر تبطل مغزى المشاركة وجدّيتها.
يقول بعض أفرقاء قوى 14 آذار إنهم لا يشاركون في حكومة تنبثق من غالبية قوى 8 آذار، وهم يفضلون عندئذ تجيير مقاعدهم إلى حصة رئيس الجمهورية، ويطلبون إعطاءه الثلث الزائد واحداً. يقولون الكلام نفسه في حال حصولهم هم على الغالبية النيابية بحجب الثلث الزائد واحداً عن المعارضة المقبلة، مع ترجيح إعطائه لرئيس الجمهورية.
على النقيض من ذلك، تقدّم قوى 8 آذار عرضاً مختلفاً وملتبساً. تقبل بمشاركة قوى 14 آذار في حكومة تنبثق من غالبية قوى 8 آذار، ولا تتردّد في إعطائها ـــــ والمقصود حزب الله تبعاً لما أعلنه تكراراً أمينه العام السيد حسن نصر الله ـــــ الثلث الزائد واحداً. بيد أن المطّلعين على موقف الرئيس ميشال عون يدحضون هذه الحجة لسببين على الأقل: رفضه إعطاء الطرف الآخر الثلث الزائد واحداً في الحكومة الجديدة، وتمسّكه بأوسع تمثيل وزاري مسيحي فيها يكاد يقتصر على كتلته بحسب ما يتوقعه من نتائج الانتخابات.

Script executed in 0.18784499168396