اليوم انطفأ قمر جديد من اواخر الاقمار التي لاتزال تضيء جبين بنت جبيل . غاب السيد مهدي الحكيم ، المربي الذي تتلمذ عليه جيلنا وكانت له فيه بصمات لن يمحوها الزمن..
ابو عادل اللغوي القدير والشاعر الاثير والمحدث المستنير الذي يستل من جعبته الغنية شواهد التاريخ والاحداث مرصعا بها رأيه الصريح ومنطقه الفصيح. قُدِرٰ لي ان أزامله في التعليم الرسمي قبل سنوات قليلة من تقاعده ، في احدى مدارس بنت جبيل. اذكر بحنين تلك الاستراحات بين الحصص حيث كنا نتحلق حوله ونستمتع بسلاسة سرده وحكمة رؤياه في مواضيع تتراوح بين الأدب والسياسة وعلوم الفلك .. لم يكن السيد مهدي " رجل دين" بالمفهوم التقليدي السائد ، رغم كونه ابن عائلة دينية ابا عن جد،لكنه.اذا تحدث بأمور الدين يأخذك الى فضاءات رحبة وينزع ببراعة المحدثين المفوهين كل الثمة الغموض والاشتباه عن مسائل اشكلت على الكثيرين من رجال الدين او عجزوا عن خوض غمارها بمنطق سليم. ابو عادل صاحب القناعات الموثقة بعرى المنطق وازرار اليقين .. ابو عادل العروبي الوطني الذي كان يحمل الينا في الحصة الدراسية هموم الأمة التي ينوء قلبه وفكره بحملها . يوجز لنا فحوى خطاب لعبد الناصر استمع اليه قبل ليلة او آخر تحديث عن حرب فيتنام وكيف ابلى الثوار في سوح المعارك.. اذكر ايضا كيف كان يرابط في الصيدلية المجاورة لمنزلنا في الساحة الرئيسية لبنت جبيل أيام امتحانات للشهادة الرسمية او مباريات دخول الى دور المعلمين. يتفحص اجاباتنا في مسائل اللغة، ويمنحنا علاماته قبل صدور النتائج.. اتذكر ايضا وايضا ،جلسات الشاي في منزله الذي لم يكن يبارحه الا لضرورات ،مع زملاء التعليم في عصاري نهاراتنا ايام الاحتلال الاسرائيلي ،وكيف كان يطارحنا همسا ( لأن الحيطان لها آذان) بمكنونات ألمه وحزنه لما كانت بلدتنا تكابده من عسف وصلافة المحتلين وعملائهم.
ابا عادل مثلك لا يغيب الا جسدا . طيفك، ادبك ، لغتك ، شعرك، منطقك ،وطنيتك النقية و عروبتك الاصيلة باقون ايقونات على صدر تاريخ بنت جبيل ونجوما على جبين عزها وشهادات فخر تزين استار دواوينها ومنتدياتها.
ابا عادل ،ايها السيد النقي العفيف الابي، سلام على روحك المرفرفة فوق تلك البطاح الحبيبة، وطيفك الساكن في اغلى مساحات الذاكرة .
بقلم / عدنان بيضون