سناء الجاك - "الشرق الأوسط"
وبالطبع لا يحتاج تفسير دور الدراجات لدى «حزب الله» إلى كثير من الاجتهاد. فهي تحولت إلى وسيلة رصد سريعة لأي تحرك مشبوه يمكن أن يشكل اختراقا للقبضة الأمنية المحكمة حيث يجب، انطلاقا من أن الحزب لا يوفر أساليب حازمة وصارمة للمحافظة على أمنه الذاتي.
لكن وظيفة هذه الوسيلة تطورت مع تطور الأحداث اللبنانية التي كان «حزب الله» أحد لاعبيها الأساسيين. ومع انعكاس الخلافات اضطرابات أمنية في الشارع اللبناني بدأ ينشط «الدور السلبي» لهذه الدراجات، ليصل إلى ذروته في أحداث السابع من مايو (أيار) 2008. حينها كانت شوارع بيروت وأزقتها ممسوكة بشبكة دراجات نارية قادرة على لعب عدد من الوظائف «الميدانية». ومنها على سبيل المثال لا الحصر مراقبة كل ما يدور في مناطق انتشارها وملاحقة كل غريب يتجول أو نقل «البريد السريع» و«الدعم السريع» بين موقع وآخر أو التأكد من الطرق السالكة أمام سيارات المسؤولين للمحافظة على سلامتهم. وغالبا ما تبادل راكبو الدراجات شيفرة «07» وهي رقم مفتاح التخابر في محافظة لبنان الجنوبي. آنذاك كان راكبو الدراجات يوسعون أعمالهم وفق مقتضيات طارئة. وأحيانا كانوا يخالفون التوجيهات لينقلوا أحد الجيران في مناطق حظرت على السيارات، أو يؤجرون خدماتهم «Delivery» للمحاسيب.
ونظرا إلى نجاح استخدام الدراجات النارية لغير أغراضها الروتينية، لم يعد الرغبة باقتنائها تقتصر على «حزب الله» لتصبح مرغوبةً لدى جميع الأطراف «الشوارعية» إذا صح القول. فشباب «حركة أمل» لا غنى لهم عنها وكذلك شباب منطقة «الطريق الجديدة» (حيث الأكثرية السنية) المواجهة لمنطقة «بربور» في غرب العاصمة.
الا أن للدراجات النارية مقامات تكشف انتماءها إلى جماعة بعينها. فمن يقود دراجة عادية لا يكون صاحب «رتبة متقدمة في تنظيمه». أما من يقود دراجة من طراز حديث ومتطور، فهو غالبا من «المسؤولين الحزبيين». ويبقى أن الدراجات التي تعود إلى «حزب الله» هي الأفضل، لقدرتها على السير في المناطق الوعرة كما على الأتوسترادات أو في الأحياء وأيا تكن الظروف المناخية.
وخلال الأعوام الأربعة الماضية تفاقم الدور السلبي للدراجات في بيروت تحديدا، فصارت مصدر إزعاج لا يحتمل للمارة وسائقي السيارات. ويكفي أن يلاحق سائق دراجة في حي ما محسوب على إحدى القوى من يصنفه من فئة «غير المرغوب فيهم» وبشكل استفزازي أو عدائي، ليفهم الأخير أنه قد يتعرض لمشكلة ما. كذلك استخدمت من أفراد العصابات للسرقة والنشل. وكان اللبنانيون قد استبشروا خيرا مع تولي زياد بارود حقيبة وزارة الداخلية وإصدار المديرية العامة للأمن الداخلي قرارا يقضي بمنع سير الدراجات النارية في نطاق مدينة بيروت الإدارية اعتبارا من السادسة مساء 27/5/2008 حتى إشعار آخر. لكن الإشعار سقط تلقائيا وعادت حركة الدراجات النارية إلى سابق عهدها، من دون وظائف عسكرية بالطبع، ليحظر عليها التجول خلال الانتخابات النيابية اللبنانية فقط.