أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

باحثاً عن "كل الحكاية"...كاتب جمع القصص المتناثرة حول قريته ليقدم "أنصار" تاريخاً وحاضراً

الثلاثاء 08 أيار , 2018 06:22 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 6,190 زائر

باحثاً عن "كل الحكاية"...كاتب جمع القصص المتناثرة حول قريته ليقدم "أنصار" تاريخاً وحاضراً

باحثا عن كل الحكاية، بدأ عبد الحليم حمود رحلة المئة بيت ليقدم قريته الجنوبية "أنصار" تاريخا وحاضرا. جمع القصص المتناثرة على ألسنة أبناء بلدته لاسيما المعمّرين منهم، تنقلّ بين الكتب والصور والوثائق والمقالات بمتابعة من الروائية زينب فياض فكان كتاب "أنصار كل الحكاية" (2018) كأحدث منشورات حواس.

وعلى الرغم من حجم الكتاب المتوسط اذ يتألف من ثلاثمائة وستين صفحة من ضمنها خمسمائة وخمسين صورة، ولكنك خلال تصفحه، تشعر وكأنك امام  نتاج ثقافي مكتمل العناصر لكل من يريد ان يتعرف على "أنصار" من الداخل. خصوصا ان الكاتب يعتمد أسلوبا روائيا شيقا وإخراجا متقنا يعكس مخيلة الفنان التي يتمتع بها.

قدم الكتاب كل من رئيس اللجنة الثقافية في بلدية أنصار علي حسين عاصي والصحافي والكاتب زهير الدبس الذي كان قد شغل منصب رئيس تحرير مجلة المغترب وكأن حمود  أراد بذلك أن يخاطب أبناء بلدته المقيمين والمغتربين على حد سواء. وقد يدل ذلك على إعطاء خصوصية لمثقفي بلدته انسجاما مع هدف كتابه ، وربما لأن اهل البلدة اعلم بحالها وبأهمية هذا المنتج الثقافي. اذ أثنى عاصي على شخص الكاتب وجهوده، فيما ركز الدبس على اهمية الكتاب كذاكرة حية تخلّد الحكايا المتناثرة.

ويسجل لحمود اكثر من أربعين إصدارا بإسمه توزعت بين كتب اعلامية وفكرية وروايات وألبومات ومجموعات شعرية إلاّ أنّ هذا الكتاب شكل  نقلة نوعية ضمن اهتمامات الكاتب ومنشوراته لأنه يسرد التاريخ بأسلوب قصصي ويطل على الحاضر بمنهج سهل ممتنع يبتعد عن التكلف أوالجمود لتضحى "أنصار" حكاية تهم كل قارئ وان لم يكن أنصاريا. ولعل الكتاب الوحيد الذي يلتقي مع إصداره الأخير هو كتابه "الشياح" (2014) وان كان الثاني يضيئ على تجربة شخصية  اراد الكاتب منها أن تعكس  واقعا إجتماعيا عاما. فالكتابان يندرجان ضمن فئة سيرة المكان من حيث الشكل لكنهما يكشفان عن تعلق المؤلف بالفضاء الذي ينشأ فيه او ينتمي اليه. وكأنه بذلك يؤكد انه ليس بباحث عن الهوية  بل مدرك لها تمام الإدراك  بماضيها وحاضرها، بأهلها وناسها وأعلامها وهو واحد منهم.  سيكولوجية المكان هذه يمكن ان نقرأها بشكل مختلف بعد كتابي حمود "المطرقة" و"سأخبر الله كل شيء" وما تركته صراحة المؤلف وشفافيته في التعبير عن افكاره الثورية واعتقاداته الفلسفية من تساؤلات لدى البعض الذين وجدوا فيها تمردا على المجتمع وعلى المسلمات الدينية والفكرية. ولكن نقطة تحسب لحمود انه لم يقدم صورة طوباوية عن بلدته أنصار رغم شغفه بها  اذ رصد واقعها وتطورها بموضوعية لافتة ووثق إنجازات أهلها بخلفية الصحافي المهني.

واستهل حمود كتابه بشكر خمس وثمانين شخصا من أبناء أنصار وفعالياتها الذين ساهموا بإغناء كتابه. وكشف في المقدمة التي خطها بنفسه ان دردشة مع اخيه الشيخ محمد الحمود حول انصار وذكريات اهلها قادت الى فكرة الكتاب التي تلقفها بخلفية رد التحية بأحسن منها، بعد ان احتضنت بلدية البلدة أعماله وكرمته أكثر من مرة. وان بدا السبب شخصيا فإن ذلك لا يعد مستغربا اذ أثبتت التجربة أن الإنسان مهما حصّل من مناصب إجتماعية ومهنية فإنه يميل بفطرته الى تحصيل القبول والتقدير والإلتفاف من جماعته بالدرجة الاولى. ونذكر هنا ان الكاتب حاز على شهادة دكتوراه فخرية من المركز الثقافي الألماني الدولي وثانية من اتحاد الشرق الأوسط للحقوق والحريات ولكنه صرّح في اكثر من مناسبة ان لا شعور يضاهي تكريم المرء بين أهله. الى ذلك فإن الكاتب يذكر بين سطور مقدمته سببا آخر لهذا الإصدار وهو رغبته بالمقاومة على طريقته. ونلحظ أنّ الإهداء شكّل محطة وفاء وجدانية "للشهداء"، الى جانب بلدته أنصار، وتعب الرجال وتضحيات النساء، على حد تعبيره.

عنوان الكتاب "أنصار كل الحكاية" بدا منسجماً أيضا مع هدفه مبينا المكانة المميزة لأنصار لدى الكاتب خصوصا أن غلاف الكتاب (من تصميم حسن باجوق) عبارة عن صورة لليل أنصار (بعدسة محمد أبو خليل)، وفي أعلى الصورة توسط العنوان قلب السماء الارجواني. وربما اعتمد التصوير الليلي لأنصار لأنها تبدو مشرقة في ليلها، متألقة بأفقها المفتوح، مكانتها الأعالي وقصصها التي كانت حتى الامس القريب ملتحفة بسترة الليل اخذت تخرج الى الضوء تمهيدا لفجر قريب. 
والجدير بالذكر ان الكتاب نفذ في طباعة فاخرة اعتمدت على غلافين وتضمن أكثر من ثلاثين صفحة ملونة عرضت فيها صور لأنصار وأعلامها وبعض إنجازات اهلها على إختلاف مجالاتهم ولوحات فنية متنوعة.

ويحكي الكتاب تاريخ أنصار، وعائلاتها، وزراعتها، واقتصادها، وعمرانها، وحراكها السياسي، والرياضي، ومعتقل أنصار، وصولاً إلى واقعها اليوم وما فيها من جمعيات ومؤسسات وأسماء أبدعت وتألقت. وينطلق الكاتب  من الخاص الى العام ، من المغمور الى المعلن، من قصص الناس الى واقع البلدة.

ومع ان هذا الكتاب يجمع بين دسامة المادة وانسيابية حضورها فيمكنك ان تلحظ كيفية التبويب وتقسيم الموضوعات على فصول ست بدت غير متساوية من حيث الحجم ولكنها مستقلة وواضحة خلال عملية البحث والتصفح. من جهة ثانية فإن ميل الكاتب لبعض الشخصيات والمؤسسات أظهرت منحاً ترويجياً ، ما قد يعطي انطباعا لدى القارئ بأنّ المعالجة ذاتية. وقد تكون هذه الاستنسابية مبررة حيث ذكر حمود بين صفحات كتابه "ان المرء لن ينجح مهما سعى ليشمل الجميع وينصفهم وهو ديدن كل نتاج".

قبل هذا الكتاب كانت أنصار بلدة تشبه جيرانها  في معاناتها ومقاومتها للمحتل لكن عبد الحليم حمود خلدها كبلدة فريدة وحكاية جميلة وقدمها في إرث أدبي مميز تزداد قيمته حتماّ مع مرور الأجيال. على أمل ان يكون هذا  النتاج فاتحة لتجارب مماثلة في مختلف القرى والبلدات اللبنانية. لتصبح الحكاية ألف ليلة وليلة. 

زينب طالب

Script executed in 0.20653390884399