أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الوسطية» تتقدم مجدداً ... والفضل لبري وجنبلاط و7 حزيران!

الثلاثاء 23 حزيران , 2009 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,140 زائر

الوسطية» تتقدم مجدداً ... والفضل لبري وجنبلاط و7 حزيران!

قبل نحو أربعين يوما من موعد الانتخابات النيابية، أطلقت واشنطن، بطريقة غير رسمية، إشارة غير مباشرة، حول احتمال رؤية «كتلة رئاسية» تفرزها نتائج الانتخابات في السابع من حزيران، تشمل كتلة الرئيس نبيه بري وكتلة النائب وليد جنبلاط وكتلتي الرئيـس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي و«بعـض النواب المستقلين»، بدا المقصود منهم، عددا من النواب المسيحيين، وبينهم النائب ميشـال المر.
تولى التسريب وقتذاك، إلى إحدى الصحف اللبنانية، موظف كبير في وزارة الخارجية الأميركية، ولم يكن قد مضى على مغادرة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بيروت، أقل من أربع وعشرين ساعة، حصرت خلالها برنامجها برئيس الجمهورية ميشـال سـليمان انطلاقا من مقاربة مفادها أن «بقية الرؤساء» (نبيه بري وفؤاد السنيورة) مرشحون للانتخابات، فضلا عن وجود حاجة إلى «التقارب الملموس» مع سليمان «على حساب أطراف مسـيحية أخرى».
اعتقد البعض في بيروت أن التسريب بتوقيته، «مريب»، لا بل ربما يكون المقصود منه قتل فكرة «الكتلة الوسطية» أو «الرئاسية» في مهدها، خاصة أن التجاذب كان في عزه بين رئيس الجمهورية وبقية القيادات المسيحية، الموالية والمعارضة، حول من يتبنى «مرشحيه الوسطيين» الذين لم يتجاوزوا أصابع اليد الواحدة في الأقضية المسـيحية في جبل لبنان الشمالي.
البعض الآخر، اعتبر رمي الفكرة، محاولة استباقية من الأميركيين، للتعامل مع احتمال فوز المعارضة في الانتخابات، فيما قال موالون إن الفكرة «اختراع محلي» وإنه ليست هناك دمغة أميركية عليها «ولعل الهدف منها زيادة البلبلة ضمن فريق الرابع عشر من آذار» الذي كان يعاني من تصدعات واضحة في معظم الدوائر الانتخابية.
لا بري علق علنا على ما سرّبه الأميركيون ولا جنبلاط، ولا ميقاتي أو الصفدي، أو من كانوا مقصودين بعبارة «المستقلين» وتحديدا من النواب المسيحيين، ولا رئيس الجمهورية بطبيعة الحال.
لكن، عمليا، بدا أن الرئيس بري «يريدها» لكن بعد الانتخابات «التي تفرز عادة الكتلة الوسطية»، والهدف منها «كسر الاصطفافات الحادة القائمة منذ أربع سنوات ومحاولة خلق وقائع جديدة تعيد الاعتبار إلى بعض تقاليد الحياة السياسية اللبنانية التي لا تحتمل الإلغاء، التحكم، الهيمنة، التفرد، التخوين وغير ذلك من مصطلحات واقع الحال المستفحل في يومنا هذا». اكتفى بري بالقول لوسائل الإعلام، انه إذا كان المقصود من الوسطية الاعتدال، فالمعارضة كلها وسطية!
بعد الانتخابات، قال بري من القصر الجمهوري، انه يشجع قيام حكومة وحدة وطنية، «حكومة مشاركة حقيقية تذوب فيها الأمور بين الثامن والرابع عشر من آذار، ولا تميز بينهما، ويتم فيها خلط الأوراق». أربك كلامه الحلفاء قبل الخصوم وأفسح أمام تأويلات مختلفة.
النائب جنبلاط، كان واضحا، فهو وضع نفسه بتصرف رئيس الجمهورية، قبيل الانتخابات، ونادى بتعزيز صلاحياته، وقال انه بعد الانتخابات، يوم جديد... كلام جديد وصفحة جديدة.
كان جنبلاط حاسما بالذهاب إلى المصالحة مع السيد حسن نصر الله، بعد السابع من حزيران، بمعزل عن نتيجة الانتخابات. قلقه على طائفته جعله أكثر اقتناعا من أي وقت مضى، بوجوب «مغادرة المتاريس السياسية العالية» في معسكر 14 آذار.. لذلك لا بد من الوسط. «كتلة وسطية» أو «كتلة رئاسية»، وظيفتها كسر الحدة السياسية ومحاولة خلط الأوراق. خيار لا يخرجه من 14 آذار ولا يدخله إلى 8 آذار. ربما بلغة الصحافة، «يشتغل على القطعة».
أما الرئيس نجيب ميقاتي، فلطالما تباهى بأنه «كان السبّاق» إلى الوسطية، بما هي «خيار استراتيجي»، خاصة بعد العام ألفين وخمسة، عندما أصبح هو «المخرج» بمباركة أميركية سورية سعودية و«دولية»، على عكس الانطباع السائد عن «انطلاقته» الأولى لبنانيا، برعاية شخصية من القيادة السورية.
رسم ميقاتي لنفسه «كادرا وسطيا» طيلة أربع سنوات وعندما حل موعد الانتخابات، غادره كليا.. ارتدى «الأزرق» وقاد بنفسه «محدلة» اللائحة الآذارية في طرابلس. قال إن «قانون الستين» يلزمنا أن نكون مذهبيين وطائفيين ومناطقيين «حتى العظم»، وبالتالي «نحن لها»!
بدا ميقاتي منذ اللحظة الأولى «حبيس الرهانين»، إما أن تفوز المعارضة، فيكون هو المخرج، شرط الحصول على مشروعية «الطائفة» و«المرجعية». وإما أن تفوز 14 آذار، بأكثرية صوت أو صوتين وثلاثة على الأكثر، فيتولى مع آخرين «محسوبين» فرط الأكثرية، ويعود مجددا بعد أربع سنوات «المخرج».. أما احتمال فوز الأكثرية بواحد وسبعين مقعدا، فلم يكن لا مرغوبا ولا متوقعا لأنه يبعده عن «السرايا» ويحوله إلى واحد من 128 في «مجلس الستين» إلا إذا استجاب الله أدعيته.. كلما أدى العمرة في مكة المكرمة...
أما الآخرون، مثل الصفدي وميشال المر، فقد غادروا «وسطيتهم»، وبالغوا في خطابهم الانتخابي إلى حد التماهي مع خطاب «المتطرفين» في 14 آذار... في انتظار ما تفرزه الانتخابات، في «مناطقهم»!
أظهرت الحصيلة الانتخابية في «الشوارع» الشيعية والدرزية والسنية أنها ما زالت مقفلة بالمفاتيح نفسها. هذا هو الثابت، أما المتحول، فهو الشارع المسيحي. زعماء «الشارع الماروني» لم يتسن لهم أن يقودوا الأكثريات الأرثوذكسية والكاثوليكية والأرمنية. زعماء الموارنة، تقاسموا النفوذ. ميشال عون زعيما في كسروان وجبيل وبعبدا.. وجزين. سليمان فرنجية في زغرتا. سمير جعجع في بشري والكورة والبترون. نالت الكتائب الفتات في طرابلس وعاليه وزحلة وبيروت الأولى والمتن!
الأكثريات غير المارونية بدت مستعجلة لإعادة التموضع والتحلق حول رئاسة الجمهورية. الموقع الماروني صار عنصر جذب على الرغم من إحباط صاحبه من سقوط مرشحيه. يتنافس «الهنشاك» و«الطاشناق» على تسليم أوراق الاعتماد لرئاسة الجمهورية. هذه حال الفائزين من غير الحزبيين في زحلة وبيروت الأولى... بالرغم من استشراس جعجع على «التحشــيد».
هذا داخليا. أما خارجيا، فقد بدا الفرنسيون والبريطانيون، في أكثر من مناسبة، مهتمين بـ «الخيار الوسطي» أو «الرئاسي». كانوا يسألون ويدققون وأكثر ما كان عصيا عليهم، كما على الأميركيين، موقف الرئيس بري وهل يجرؤ على «خيانة» حلفائه وتحديدا «حزب الله»، وما هو موقف السوريين والإيرانيين منه في مثل هذه الحالة؟
المضمون الفعلي للســؤال «الدولي» وتحديدا الأميركي، أن خيار الوسطية، لا قيمة له من دون وجود رافعة شيعية، الرافعة الدرزية موجودة (جنبلاط)، المسيحية متوفرة (كل النواب المستقلين ونواب الأرمن). الرافعة السنية يوفرها ميقاتي. ماذا عن الرافعة الشــيعية؟
كل من كان يراجع السوريين قبيل الانتخابات بهذا الموضوع، كان يتلقى جوابا قاسيا منهم «الوسطية هي الوجه الآخر للرابع عشر من آذار». كان الاعتقاد السائد في دمشق، في ضوء التفويض الممنوح للحلفاء المعارضين بإدارة الملف الانتخابي، أن الأكثرية «في جيبهم»!
أما وقد انتهت الانتخابات إلى ما انتهت إليه، فان الجميع يجري قراءات ويقدم خلاصات: جنبلاط يريد أن يقوم بواجبه إزاء زعيم الأكثرية، بتسميته وإيصاله على صهوة جواد أبيض إلى «السرايا».. وبعد ذلك لكل حادث حديث. نبيه بري، على طريقته، عندما يقارب المصلحة الوطنية، بقاموس خبرته، وليس انفعالات حلفائه، يعتقد أنه لا بد من خلطة ما في ضوء تحرره من «خيار فوز المعارضة».
هذه هي قيمة «الكيمياء السحرية» بين كليمنصو وعين التينة. الرجلان يريدان صياغة علاقة تبادلية، تخرجهما من معسكري الثامن والرابع عشر من آذار، وفي الوقت نفسه، لا تحرج بري مع «السيد» أو دمشق. أيضا جنبلاط لن يحرج الحريري ولا السعودية. قام بواجباته وعينه على الوقائع التي أفرزتها أحداث 7 أيار في الجبل.
وكما تعامل السوري مع الوسطية، فإن السعودي قرر استيعاب «الوسطيين» في معسكره السني اللبناني، لذلك كانت التعليمات واضحة بان تضم اللوائح «الجماعة الإسلامية» و«السلفيين» ونجيب ميقاتي ومحمد الصفدي وتمام سلام والزميل نهاد المشنوق. ما عدا هؤلاء الذين صاروا جزءا لا يتجزأ من مكونات 14 آذار وتحت لافتة سعد الحريري، كان القرار واضحا بـ «إعدام» حلفاء دمشق السياسيين: عمر كرامي، جهاد الصمد، عبد الرحيم مراد، أسامة سعد وغيرهم.
لكن، هل ظل الموقف السوري والسعودي، على ما كان عليه قبل الانتخابات؟ أين الأميركيون من الوسطية اليوم؟
العائدون من واشنطن يتحدثون عن أولوية الاستقرار في لبنان. لا بد من إعادة الاعتبار إلى موقع الرئاسة الأولى. الترجمة بأن تكون لها حصة الأسد مسيحيا. صحيح أن هذا الموقع اهتز مع إميل لحود وتقدمت مواقع أخرى عليه في الطائفة وخارجها، لكن أحد شروط الاستقرار خاصة في الشارع المسيحي أن يعاد لهذا الموقع وهجه ودوره.
في دمشق، لا أحد ينسب حتى الآن مقاربة نهائية لما بعد الانتخابات. الأكيد أن أمرا واقعا صار موجودا ولا بد من التعامل معه. هناك صياغات كثيرة مطروحة. البعض يرى لبنانيا أن أكثر ما يناسب السوريين هو فرط الكتلتين، أي 8 و14 آذار، لذلك لا غنى عن بري وجنبلاط ولا يعني ذلك بالضرورة أن تتحلق الكتلة الوسطية حول رئاسة الجمهورية، ذلك أن وزن هذين الرجلين قد يفيض عن «القصر» وقدرته على تحمل «مشقتهما». المسألة تبدو هنا رمزية.
في الرياض، هدأت الخواطر. فقد هُزمت إيران في لبنان. هذا هو الهدف المركزي، وكل ما يلي ذلك من تموضعات، قابل لغض النظر، خاصة اذا كان من شأنه أن يهدئ خواطر دمشق.
أخذ سعد الحريري موافقة المملكة. الموافقة وصلت الى القاهرة قبل أن يصل اليها الحريري. رئيس الحكومة الجديد يعود ليلا الى بيروت. هناك مشروع للقاء سريع مع بري يسبق انتخاب الأخير على رأس السلطة التشريعية. مشاورات التأليف الحكومي ستكون صعبة للغاية. ثمة من يتحدث عن اسابيع أو شهور. بري سيزور القصر الجمهوري بعيد انتخابه للتشاور مع الرئيس ميشال سليمان في اجراء استشارات في اسرع وقت وربما في اليوم التالي أي الجمعة على ان يكلف رئيس الحكومة الجديد (سعد الحريري) مساء اليوم نفسه.
تمنيات بري أن ينجز التأليف الحكومي «في اسرع وقت لأن وضع البلد لا يحتمل أي تأخير وخاصة من الناحية الاقتصادية والمعيشية».
المؤسف جدا أن التعب الذي سيبذل على ثلث ضامن من هنا وثلث ضامن أو أكثرية غير لاغية وثلث غير معطل من هناك، وغير ذلك من الصيغ الحكومية، سيذهب كله هباء... ذلك أن التوازنات التي ستلي تشكيل الحكومة لا تشبه ما قبلها. راقبوا جيدا تموضع بري وجنبلاط. الوسطية قد تتحول الى مخرج للجميع بعدما استنفدت الساحات على مدى أربع سنوات.
لا بد من ساحة جديدة. الأرض موجودة. اللاعبون موجودون. متى تطلق الصفارة؟

Script executed in 0.19204998016357