أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

المفتي أحمد طالب: رفع سن الحضانة ضرورة ومقدور عليه، دون تعارض مع الأصول الشرعية

الثلاثاء 29 أيار , 2018 03:45 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 81,136 زائر

المفتي أحمد طالب: رفع سن الحضانة ضرورة ومقدور عليه، دون تعارض مع الأصول الشرعية

ليس لقاء عادي مع سماحة المفتي أحمد طالب، حيث تناولت مَحاورُه الدِّينَ و تطبيقَ الأحكام الشرعية و أهميةَ الخطاب الديني .. كما التطرق إلى الفرق الكبير بين قداسة النصّ ، حمّال الأوجه ، و بين تفسير النصّ الذي يحتمل الخطأ و الصواب ، باعتباره فعلًا بشريًا لا يتسم بالقداسة .

لذلك وفي ظلّ ما نشهده اليوم من حالاتٍ غير مسبوقة في تفكك البنية الأسرية لمجتمعنا ، حيث تتجاوز حالاتُ الطّلاق أرقامًا قياسيّةً لم يعهدْها مجتمعُنا من قبل . هذا التردّي الأليم يُنذر بعواقبَ كارثيةٍ على صعيد البُنيتين الاجتماعية و الثقافية للوطن لجهة الثّقافةَ الموروثةَ ، خاصةً الثقافةَ الذكوريةَ في المجتمعاتِ الشرقيّة ، و ما يتبعُها من تشرذماتٍ بُنيويةٍ تفكّكيةٍ في عالمنا المعاصر.
 
لذلك تجدر ُ الإشارة الى أهميةِ تفعيلِ آليّات الحقوقِ و الواجبات العادلةِ بين الطرفين.
 
أمّا في ما يتعلق بالجانب الإنساني( موضوع حضانة الطفل ) عند حصول الطلاق تكون النتائجُ كارثيةً في أغلبها (حتى لا أقول جميعها) غير منصفة و غير عادلة ، فمن حقِّ الطّفل أن يتمتّعَ بالرعاية العائلية ، وأن يعيشَ في إطار التوزان بعلاقته مع أبويه .
 
من هُنا لا بدّ من طرحِ السؤال الأهم : هل من مساعٍ جدية لدى المحاكم الجعفرية ( الشيعية ) لرفع سنِّ الحضانة ، على غرار الطائفة السنيّة التي رفعتْ سنَّ الحضانةِ إلى عمر 12 سنة للجنسين معًا ، مع الإشارة أنَّ سنَّ الحضانةِ إنما هو نتيجة اجتهادات فقهية ليس إلا ؟؟
 
كما أنّ الثقافةَ الدينيةَ تلعب دور ًا كبيرًا في تفادي الكثير من المشاكل العالقة ، وهنا أودُّ أن أشير إلى الأهمية المعرفية حول ( دفتر الشروط )
 
الموجود لدى الطائفة الشيعية قبل الشروع في الزواج وهو ينص على إمكانية( وضع شروط عند عقد القران تلزم الطرف الآخر أي الزوج بتنفيذها في حالات عدم التوافق ) . الّا أنّ هذه الثقافةَ ضئيلةٌ جدًا في مجتمعنا ، مع أنّها مسؤوليةُ أصحابِ الفضيلة و السماحة ..
 
كلُّ هذه المواضيع و كلّ ما له صلة في هذا الحوار الخاص مع فضيلة المفتي الجعفري الشيخ أحمد طالب ، الذي اعتادت المنابر على جرأته المعهودة التي قلَّ نظيرُها في عالمِ المحاسبة على الكلمة ، فهو يشكِّل علامةً فارقةً بين النهجين المتنور و التقليدي ، هذا نصُّه ........
 
بدايةً مع السّؤال عن حالاتِ الطّلاق غير المسبوقة في مجتمعنا . تحدَّث فضيلة المفتي أحمد طالب :
 
نعم بالفعل ، إنّ نسبةَ الطّلاق ترتفع وذلك يعود لعدة أسباب منها :
 
- عدمُ وجودِ ثقافة الزواج وثقافة بناء الاسرة بين الزوجين لأننا في أكثر الأحيان نعتبر أنّ معيارَ الأهليّة هو المالُ و الجمال ، و نغفل حقيقةً أساسيّة وهي أنّ الأهليةَ الفكريةَ و الاجتماعية و ثقافةَ الحياة هي العواملُ الأساسيّة التي تُسهم في إنجاح الحياة الزوجية ..
 
- كثيرٌ من الأزواج لا يتقنون فنَّ التّخاطب ، و لا توجد بينهما لغةٌ مشتركة و لا يُحسنون تنظيمَ حياتهم وأوقاتهم فنراهم يتنازعون على أبسط الأمور ، فلا يعرفون كيف يتحاورون . هذا فضلًا عن استمرار الرّجل في ممارسة ذهنيته الذكورية رغم المتغير الذي فرض نفسه على شخصية المرأة ..
 
- شعورُ المرأة بعدم الحاجة للزوج الذي يُطيح بحقوقها المشروعة و اعتبارها حالةً أدنى منه . وهذا بفعل اقتحامها ميادينَ المعرفةِ و تفوقِّها في العلم والعمل الذي مدَّها بأدوات الشعور بالإستقلالية ومنحَها القدرةَ على تأمين الإكتفاء الذاتي لها .
 
كلُّ هذه الأمور وغيرها ، وسّعت من مساحة الطلاق لا سيما إذا أضفنا عاملَ التكنولوجيا الحديثة و التواصل الاجتماعي ودوره في تدنِّي البعد الأخلاقي في المجتمع !
 
و عن الثقافة الموروثة و آلية تفعيل الحقوق و الواجبات بين الطرفين أجاب فضيلته :
 
أعتقد أن الأمور لم تعدْ بهذه الصورة فنجاح المرأة في هذا الزمن أصبح أمرًا بيِّنًا و لم يعد خافيًا على أحد .
 
المشكلة ليست في نجاح المرأة و الرجل أو فشلهما
 
وإنما في الثقافة الذكورية لدى المجتمعات الشرقية واعطائها الطابع الديني ليُضفوا عليها شرعيةً وقداسة . أنا أدعو لفصل ما هو عادات و تقاليد عن الدين ومنطقه العادل و المنصف . و أدعو المرأةَ لتساعدَ على تحصيل حقوقها التي كفلها لها الدِّين من خلال تقديم نموذجٍ للأمومة الصالحة متميزٍ و أن تستفيدَ من سماحة التشريع في جعلها أمًا مثالية وزوجةً صالحة ..
 
ثم تابع فضيلة المفتي :
 
الطفرةُ المعرفية السريعة نتيجة التطور المذهل في آليات المعرفة الحديثة أنتج فجوةً كبيرةً بين الثقافات المتقاربة و جعلها متباعدةً إلى حدّ الانقطاع بينها ، رغم عدم طول المسافة الزمنية بينها و لذلك أصبحت الثقافاتُ الموروثةُ بما تحمله من عاداتٍ و أعراف وتقاليد تشكِّل حساسيةً للجيل الذي نقلته الطفرة المعرفيةُ سريعًا إلى مكان آخر و زمانٍ آخر و لغةٍ أخرى بحيث أصبح الماضي القريب بعيدًا ولم يعُدِ الزمن هو المقياسَ بل حجم المعرفة والاطلاع .. وهذه ضريبةٌ و استحقاقٌ لا مفر منه و لذلك
 
علينا أن نواكبَ هذا التطور السريع ونحاول جاهدين أن نبقي العُلقة و لو المتواضعة بين الماضي والحاضر وأن لا تصلَ الأمور الى حد الانقطاع بينهما ، وذلك من خلال تدوير الزوايا وتغيير الخطاب و الأسلوب وابتداع وسائل مرنة لتقديم الماضي بطريقة معاصرة والاعتراف بالحاضر كواقع علينا التفاعل معه وعدم الكفر به وتقبله ، مع العمل على تهذيبه وتنقيته بما لا يساهم في إلغاء الشخصية التي تُبقي على كثيرٍ من الأعراف الممدوحة والأدبيات والقيم التي تحافظ على الرابط بين الحداثة والأصالة ..
 
ثم أسهب فضيلة المفتي طالب ، في الحديث عن حقّ الحضانة ورفع سن الحضانة ودفتر الشروط قبل عقد القران :
 
للأسف إنّ موضوعَ الحضانة بحاجةٍ الى قراءةٍ جديدة ضمن إطار النصوص الشرعية وضوابطه و الاجتهادات الجريئة التي تأخذ بعين الاعتبار المقاصدَ الإنسانية للتشريعات بما يعني أننا نحتاجُ إلى وجود ما يمكن أن نسميه بالأولويات الانسانية التي تأخذ بعين الاعتبار أن الرواياتِ التي تحدّثت عن سن الحضانة أشارت إلى أعمارٍ مختلفة و لم تكن روايات مجمعةً على سنٍّ محددة ، مما يعطينا فسحة اجتهاديةً تبرر لنا أن لا يكون هناك قانونٌ ثابت و محدد يسري على الجميع ، بل أن يكون لكل مشكلةٍ حكمُها الخاص بها تأخذ بعين الاعتبار أهلية الأم أو الأب و القدرة النفسية و المادية لكلٍّ منهما بمعنى أن نقدم بمقتضى العدل والرحمة مصلحة الطفل .
 
الطفل وهو نقطة الضعف حتى لا يقع ضحية ردات الفعل المتبادلة بين الزوجين و يكون العصا التي تتكسر و هُما يجلدان بعضهما بها ......
 
وإلّا فكيف يمكن أن يأتي أب مسافر ليأخذ الطفل من حضن أمه و يضعه في بعض المؤسسات الرعائية لمجرد أن الحضانة أصبحت للأب بعد مرور السنتين . وخصوصًا أنّ لدينا من المراجع العظام ، من يُفتي بحضانة الصبي و البنت للأم حتى سنّ السابعة ..
 
علينا أن نسعى دائمًا لرفع سنّ الحضانة و هو أمرٌ مقدورٌ عليه ضمن الأصول الشرعية و الاجتهادية
 
و أخشى أن يكون الاصرارُ عليه نوعًا من ردّة الفعل من قبل بعض المعنيين على فتاوى لا يلتقون مع اصحابها لحسابات شخصية أو سياسية .
 
المشكلة أننا نحاول نشر هذه الثقافة في مجتمعنا وتحفيز الأهل على اشتراط بعض الشروط التي من شأنها منع الظلم و الحدّ من المشاكل بين الطرفين في المستقبل ، و هذا لمصلحة الطرفين و ليس لمصلحة الزوجة على حساب الزوج أو العكس .
 
دائما توضيح بعض الامور وذكرها ضمن عقد الزواج يخفف مشاكلَ كثيرةً على الطرفين عند وقوع الخلاف ويمنع أيَّ طرفٍ من أن يستبدَّ أو يظلم بسبب الالتزام الواضح من قبله و ما تم التوافق عليه وسُجِّل ضمن العقد .
 
لا زلنا بعيدين عن هذه الثقافة وفي غالب الأحيان نجد الممانعة من قبل أهل الفتاة وليس الشاب خشية أن يفقدوا العريس اللقطة لو اشترطوا عليه اي شرط !!
 
وفي الختام توجه فضيلته بكلمة بمناسبة شهر رمضان المبارك :
 
شهر رمضان هو شهر إعادة قراءة الذات من جديد ، علينا أن ندخل إلى هذا الشهر الفضيل ونحن نحمل ارادة التغيير بأنفسنا لنستطيع أن نحققها و أن نعيد حساباتنا مع الله من جديد في جردة حساب سنوية لنعرف هل كنّا من أهل الربح او الخسارة ..
 
ويمكننا أن نعوِّض أيَّ نقصٍ من خلال الفرصة التي منحنا إياها الله في هذا الشهر الفضيل من خلال عروضات الكرم والمنّ والرحمة التي وعدنا بها
 
فلنستغلْ هذا الموسم العبادي وننقّي قلوبنا من الحقد والحسد والضغينة و لنصفحْ كما نحب أن يصفحَ الله عنا ، و لنحدثْ التغييرَ في سلوكنا و أخلاقنا و بذلك نجسد الصوم الحقيقي.
وفاء بيضون - بنت جبيل.أورغ

Script executed in 0.1932361125946