بلغت من العمر ذروة حبٍّ وعطاء، ورحلت سيدةٌ ثمانينية راقية التكلّم والتبسّم. هي أم شادي التي لطالما سكبت في طيات حديثها تعابير أنس وثقافة. هي أم شادي التي علمت مقدار أجيال لغة الضاد.
نسيء الظن إن قلنا أنها مجرد معلمة، درّست اللغة العربية لتلميذات صرن اليوم جدات! فهي سكنة الشيخ علي شرارة، مربية فاضلة ثارت في بنت جبيل لأجل العلم. ويحكي كبار السن عن صولاتها وجولاتها في ساحات المدينة، حيث كانت تسيّر الطلاب في مظاهرات إحتجاجية للمطالبة بإنشاء مدرسة ولتحسين التعليم في ظل الأوضاع الصعبة التي كانت تعيشها بنت جبيل. وكانت تقود الطالبات للإحتجاج، حيث كانت تجلسهن أمام مخفر المدينة سابقاً، لتصل صورتهم إلى المعنيين، في رسالة مفادها "لا مقاعد ولا جدران...نريد مدرسة. وأثمرت ضغوطاتها وكان لها ما أرادت. ولليوم لها الفضل في إنشاء إحدى مدارس بنت جبيل.
المدرسة والمديرة، كانت تقدّر بدورها بمعلميها الذين تحترمهم...وتتفاخر بالشاعرة العراقية الراحلة نازك الملائكة التي عرفتها في الماضي. وفي سردها لدورها في التعليم، قالت مرة أن هناك جملة "سحرية"هي الأساس التربوي قبل المشوار من الألف إلى الياء، وهي "أريد أن أتعلم". وقالت أنها لقنت الطالبات الجملة، معتبرة أن الإرادة هي الأصل.
حتى آخر سنين عمرها، بقيت تزخر بأحاديث مراحل التعليم، وتزخرفها بمناقب اللغة العربية وإن لعثم العمر حروفها.
في آخر أيامها أخذ التعب من جسمها النحيل حيزاً، ورحلت جارة الأنس. لن تربّت على أغصان الزرع المحيط بدارها، لن تقول الجارة أم شادي مجدداً "قطتكم الحلوة تجلس في بيتي، وتحبني"! لن تسلم على المارة بحلو حديثها...رحلت في العيد، تاركة النور للمعلمين الذين يحاربون الجهل والأمية. وبنت جبيل ستتلو للأجيال القادمة سيرة المرأة القوية التي هزت بيمينها مقاعد الدراسة لتتوهج علماً وأدباً.
داليا بوصي - بنت جبيل.أورغ
تصوير : احسان بزي
هام لأهلنا في ميشيغن: للتواصل مع مندوب موقع بنت جبيل الجديد في ديربورن وديربورن هايتس وضواحيهما الرجاء الاتصال بالاعلامي عباس شهاب 3136996923 - [email protected]
