د. مالك بزي - بنت جبيل.اورغ
أسرُدُ حكايةً عن أحمد الحاج علي هادي بزي دونَ أن أتكرَّم بوضع وسامٍ على صدر ضريحه ، لأن للوسامِ ظروفه وحيثياته فهو لم ينل ولم يفُز بالأمسِ بشهادة البروفيه ولا سرتفيكا آخر العام ولا بشهادة ثانوية أو جامعيةٍ بهرم درجاتها ... ولم يفُز بنيابَةٍ استغرقت تدقيقاً طويلاً للوائح الشطب يختلطُ ببعض حِبرِها الأحياء والأموات ... ولم يفُز أحمد الحاج علي هادي بزي بجائزة الخط العربي الذي يُزيّنُ الساحات وواجهات المؤسسات والوان المكاتب ،،، والأحرف التي تُرَمِّزُ لوحات السيارات من أبيضِها حتى أزرقها،،، لثلاثةِ أرقامها المدفوعة الثمن ... ولم يفُزِ أيضاً الأحمدُ الهادي بقصرٍ من القصور التي تحجب نور الشمس ،،، ولا بلحسةٍ من قِصاعِ المذلَّة ... ألخ ،،، وليتمهل نابش أسطري هذه لأسرد بعضاً من أطراف الحكاية ... :
.... وروى الراوي أنه بفعلِ الأجتياح الإسرائيلي عام 1978 نال ما نال مدينة التصدي والصمود بنت جبيل ما نالها من طحنٍ لعظامِ البشرِ والحجرِ والشجرِ ... وجمعٍ للشهداء الأحياء من أبناء* المحروسة * في عراءِ ساحةِ البركة ... إلى آخر سيرة الأجتياح وفنون القتلِ و الإذلال ....
ورغم ذلك ومنذ اللحظة التي استطاع فيها " أحمد الحاج علي هادي أبوعلي " أنطلق قائداً رائداً ولأيامٍ مع بعض اترابه باحثاً عن جثامين من تعملقوا في ساحات الجهاد ليفوز مع هؤلاء الأتراب بالتعرف ومن ثم دفن الشهداء حسان الشيخ علي شرارة وطارق عسيلي وماهر ابراهيم فاعور ذلك الأشقر الوردي ، وخالد احمد المرعبي ،،، ومجهولين جمع أيقونات أقلامهم وثيابهم المُعفرةِ بألوانٍ من قوسِ قُزَحٍ تخجلُ لهُ الشمس ويستقيلُ له القمر ،،، يومها لم يتقاضى أحمد الهادي أجراً ولا ثناءً حتى بحجم أوسمة أطفال السرتفيكا،،، أو المتوسطة لانه كان في عالمه الأخر ينبش ببلدوزر الدمار بعزيمته مع أترابه بسكاكيين الأظافر ،،، فما كان منه إلاَّ أن قاد عملية البحث بين الركام وبمبادرة وعيٍ ثاقبٍ لجفون المستقبل عن ملفات الدوائر الرسمية الخالية إلاَّ من الدمار والحرائق .... وليجمع تلك الملفات محافظاً عليها كأولاده الصغار الذين أشبعهم أنفةً وعزًّةً ووطنية ...
وليسمحوا لي إن قدَّمتُ أسماء الملفات الرسمية على عناوينهم كما فعل هُوَ ...
_ ملفات المحكمة الشرعية ،،،
_ملفات المحكمة المدنية ،،،
_ محاضر الدرك ،،،
_سجلات دوائر النفوس
جميعها نقلها أحمد الحاج علي هادي الحكاية والأبتسامة العريضة واللبناني القادم من أطراف الوطن الجريح والمعذب والمغيب ،،، بسيارته المنهكة كوطنه ،،، والمنهكة من قامته الواثبة التي عبرت بأرشيف الوطن وأسماء اللبنانيين المتطفلين على حراسة حدوده ... يومها عبر إلى محافظة الجنوب في صيدا ليُسلّم الأمانة لمحافظ الجنوب وصديق والدي أبوطلال حليم فياض الذي بادر عارضاً مبلغاً مادياً كأجرٍ مقابل عمل ... ولم يدرك حينها حليم فياض الذكي بأن المبادر للملمة أشلاء الوطن كان أوسع من رتبة موظفٍ في شركة الكهرباء ،،، واستفاق حليم فياض من هفوته حين نهض أحمد الحاج علي بزي "أبو علي" كثائر فارسٍ رفض الموت قاعداً في لحظة موقف وكرامة ... رافضاً مؤنباً المحافظ على فعلته وعاد إلى داره رجلاً بحجم وطنٍ طالما اشتهاه فذاذ عنه على طريقته ...
ويقول الراوي بأن أبو علي هادي بُلِّغَ بتنويهٍ قادمٍ إليه كموظفٍ في شركة الكهرباء؟؟!! عبر بريد الإدارة ،،، وبعد سنين طويلة رحل أبو علي ولم يصل التنويه ،،، وها عشرات السنين انقضت دونه أيضاً ...
وأنا في خضم السرد لا أرسم نبياً ... بل حبيباً كبيراً ورأس عائلة مجاهدة ورائعة ... لها الفضلُ بعد والدها العزيز بعدم ضياع هويتنا وأحرف أنفاسنا وحجارة بيوتنا وحقوقنا وحقولنا ... ولها الفضلُ أيضاً لعدم تسكُعٍ كان سيطول طويلاً لنثبت بأننا الأب والأم لهذا الوطن .....
بورك ثراك بنت جبيل ... والسلام.