لكنّ ليل المدينة يمحو أيّ أثر للحياة فيها، إلى حدٍّ يجعل سكانها لا يتردّدون في القول إنها تعود ليلاً إلى حياتها أيام سنوات الاحتلال القاسية. المحالّ التجارية تقفل باكراً، سكون يعمّ طرقاتها العامة والفرعية لولا بعض الشبّان الذين يسهرون بالقرب من منازلهم.
من خلال هذا الواقع يمكن الاستنتاج أن عدد سكّان المدينة لا يزيد كثيراً عما كان عليه وقت الاحتلال. وهذا ما تؤكدّه الناشطة الاجتماعية ريما شرارة. تقول: «لم يرتفع عدد سكان المدينة بعد التحرير، وأبناؤها المغتربون والنازحون يأتون في الأعياد والمناسبات فقط، وهذا لا يؤثر في ما اعتاده الأبناء المقيمون منذ الاحتلال من إقفال لمحالّهم ومؤسساتهم باكراً، والتزام السهر داخل البيوت والحارات». كما تضيف سبباً آخر إلى سكون المدينة مساءً هو «هدم السوق القديم ونقله مؤقتاً الى منطقة البركة، لذلك تنتظر المدينة انتهاء العمل من إعادة بناء السوق لتعود الحياة أفضل ممّا كانت عليه سابقاً».
توافقها الرأي وفاء شرارة: «اعتاد الأهالي حياتهم السابقة، يقفلون محالّهم باكراً ويعمدون إلى السهر في منازلهم، ربما بسبب غياب المطاعم والأماكن العامة التي قد تخرجهم من هذا السكون».
يمكن فعلاً التساؤل عن غياب هذه المرافق، وخصوصاً أن حركة البناء في المدينة جارية على قدم وساق. هذه المدينة المزدحمة ترتفع فيها الأبنية العمودية لضيق المساحة الجغرافية، نسبةً إلى عدد سكّانها المقيمين والمهاجرين، الذي يبنون جميعهم المنازل والمحالّ التجارية، بطريقة مثيرة للدهشة أحياناً، لكون سكانها المقيمين فيها لا يتجاوز عددهم 3800 نسمة من أصل ما يزيد على 40 ألف نسمة غادروها إلى دول العالم المختلفة، ولا سيّما الولايات المتحدة الأميركية وأوستراليا وكندا، إضافةً إلى نحو 20% أقاموا في أماكن مختلفة من لبنان، ولا سيّما منطقتي صور والضاحية الجنوبية لبيروت. وتدلّ هذه الحركة على رغبة أبنائها المهاجرين في العودة إليها، ويبشّر بمستقبل زاهر للمدينة، لو قدّر لها الاستقرار والأمان لسنوات طويلة قادمة. لكنّ هذه الحركة أسهمت أيضاً في ارتفاع أسعار العقارات إسهاماً كبيراً نسبة إلى أسعار العقارات في القرى والبلدات المجاورة. فقد أصبح سعر الدونم الواحد في مدخل المدينة 150 ألف دولار أميركي.
في بنت جبيل اليوم أكثر من عشر مدارس رسمية وخاصة، من بينها مدرسة بنت جبيل الفنيّة التي يزيد عدد طلّابها على ألف طالب وطالبة من قرى أقضية مرجعيون وبلداتها، وبنت جبيل وصور. وثانويتها الرسمية التي يزيد عدد طلابها على ستمئة طالب. وفيها أيضاً ستّة مصارف تشهد إقبالاً كثيفاً من زبائن المنطقة، وتودَع فيها أموال المغتربين الكثيرين، الذين بدا على بعضهم الثراء من خلال قصورهم الفخمة، كما في بلدات يارون وشقرا وحاريص. أمّا المؤسسات التجارية، فحدّث ولا حرج، حيث تكثر مؤسسات تجارة مواد البناء والألبسة والميني ماركت والحلويات، وكذلك الملاحم والأفران. باستثناء المطاعم، إذ يوجد في المدينة مطعمان فقط، وتنعدم قاعات السينما والملاهي والحدائق العامّة.
امسحوا الحزن
ينتقد أبناء بنت جبيل وجوارها عدم مبادرة متمولي المدينة إلى إقامة مشاريع ترفيهية تستقطب المواطنين إلى السهر. فتقترح ميرفت بزي على أبناء مدينتها «مسح الحزن عن بنت جبيل. فليقيموا الحدائق العامة عن أرواح الشهداء، الذين أحبّوا الحياة، ولم يكونوا يريدون أن تنشر صورهم فقط، فهذا سيزيد من حركة الأهالي ونشاطهم داخل مدينتهم». يوافقها الرأي سامر زين الدين (صفد البطيخ) الذي ينتقد أبناء المدينة لأنهم «لا يفتحون المطاعم والمقاهي التي تشجّع الأهالي على ارتيادها صباحاً ومساءً، بل يفضلون تجارة مواد البناء واللحوم وغيرها».
لذلك يلاقي مشروع بناء فندق صغير، لزائري المدينة ومغتربيها ترحيباً كبيراً، لأنه قد يستقبل من لا يملكون لهم منازل فيها، كما يوجد فندق آخر لا يزال قيد البناء.