أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

المردة: «ستاتيكو سياسي» مع «القوات» ومصارحة مع السعودية وودّ مع الحريري

الأربعاء 01 تموز , 2009 08:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,372 زائر

المردة: «ستاتيكو سياسي» مع «القوات» ومصارحة مع السعودية وودّ مع الحريري

هكذا وللمرّة الأولى، التقى الشاب اليافع بالزعيم الشمالي الذي كان في العام 1978 لا يتجاوز الـ13 من العمر، حين وقعت مجزرة إهدن المتهم بتدبيرها والد نديم الجميل الذي لم يكن قد رأى النور بعد، ما يطمئن الى أن مشاكل الآباء لم تنتقل الى البنين بعد مرور 31 عاماً على الجريمة التي افتتحت «حروب المئة عام بين المسيحيين» على حدّ تعبير مؤلف كتاب «مجزرة إهدن» ريشار لابيفيير.
بهذه الروح الوفاقية التصالحية يقوم تيار المردة وقائده سليمان فرنجية بورشته النهضوية سياسياً وتنظيمياً، وتنسحب هذه الفلسفة على علاقاته بخصومه السياسيين وبرؤيته لمستقبله كتيار مسيحي وطني، يسعى الى توسيع رقعة انتشاره من معقله التاريخي شمالا الى مساحة الوطن. وقد يحمل قرار انتقال فرنجية الى منزل قريب من العاصمة يتواجد فيه أقلّه مرة أسبوعياً، رمزية تشير الى بداية خروج زعامة آل فرنجية من العباءة العائلية الزغرتاوية الى رحاب الوطن.
قراءة نقدية انتخابية
يأبى المسؤولون في تيار «المردة» طمر رؤوسهم في التراب كما تفعل النعامة، فهم يقرأون نتائج الانتخابات النيابية بواقعية شديدة معتبرين بأن المردة لم تخرج من الانتخابات النيابية بفوز ساحق ولا بخسارة كبرى.
«عرفنا قيمة الفوز في زغرتا بعدما تكشفت قيمة الأموال التي دفعت وكمية المغتربين الذين استقدموا وبلغ عددهم 3 آلاف مقترع والتهويل السياسي الذي مورس على الناس، لكنّ «المردة» استطاعت تحقيق الفوز، حتى أنها نالت 27 في المئة من اصوات القرى السنية، وهذا دليل على أن السنّة لم يقتنعوا بأن سليمان فرنجية هو ضدّهم»، كما يقول منسّق الشؤون السياسية في المردة يوسف سعادة.
إلا أن المعنيين يدركون بأن المردة خسرت في الكورة بسب أخطاء أبرزها وجود مرشحين محسوبين على المعارضة، في حين سحبت قوى 14 آذار جميع مرشحيها. وفي عكار ظفر مرشح المردة كريم الراسي بنسبة 65 في المئة من أصوات المسيحيين هناك، وفي طرابلس حقق مرشحها رفلي دياب تقدماً ملحوظاً مسيحياً على النائب الفائز روبير فاضل، وفي البترون دعمت المردة مرشحَي التيار الوطني الحر اللذين خسرا بدورهما.
تنظيمياً، ستعتمد المردة أكثر على الكادرات الشابة، وهي تهتمّ بقطاع الطلاب في المدارس والجامعات حيث سيكون لها خلاياها سواء شمالا أو في المناطق المسيحية كلّها، بالإضافة الى افتتاح «نواد خضراء» في مختلف الجامعات. مسؤول مكتب الشباب في المردة شادي دحداح يقول بأن «الاهتمام بالجيل الشاب هو في صلب اهتمامات رئيس «المردة» سليمان فرنجية، وهو يلقى بمتابعة دقيقة من زوجته ريما التي تواكب التوسع الشبابي في الشمال وخارجه عن كثب، في سعي لربط الشباب بنظرائهم في المناطق اللبنانية الأخرى تمهيداً لتوسيع رقعة التيار الشمالي».
يعدّد دحداح عدداً من الأنشطة الشبابية الهادفة في هذا الصيف، ومنها مخّيم في إهدن سيجمع في شهر آب المقبل زهاء ألفي شاب وشابة من مختلف المناطق اللبنانية حيث سيعيشون تجربة التواصل مع أطراف مختلفة عنهم سياسياً وطائفياً. وثمة «رالي بايبر» سنوي للسيارات الرباعية الدفع سيجول في إهدن حتى القرنة السوداء والهرمل وبشري والأرز، بهدف استكشاف المنطقة وتوفير فرص الاختلاط بين شباب من مناطق مختلفة، الى إحياء اليوم العالمي للشباب عبر «رالي بايبر» سيعبر هذه السنة الى الجنوب اللبناني، وتركّز المردة شبابياً أيضاً على تثقيف كوادرها عبر دورات تنظّم في المركز الرئيسي للتيار في بنشعي».
نقابياً، أنشأت «المردة» عام 2006 منسقية الشؤون النقابية ويقول المنسق غابي يمين بأنها تشمل قطاع المهن الحرّة والنقابات العمالية مشيراً الى ان عمل المردة النقابي انتقل من الهواية الى الاحتراف بسرعة، «إذ استحدثت هيئة خاصة ضمن المنسقية وتضم 14 عضوا يمثل كل واحد منهم هيئة نقابية حتى بات للمردة حضورها في القطاعات كلها وعلى امتداد لبنان». للتذكير بأن نقيب محامي الشمال أنطوان عيروت كان عضواً في هيئة مكتب المحامين في «المردة» التي نجحت أخيراً بأن توصل ممثلاً عنها في الهيئة التنفيذية لأساتذة التعليم الخاص هو شربل حامض.
كذلك تنشط «المردة» حضورها في مناطق جبيل كسروان والمتن وبعبدا، حيث لها 4 مكاتب، سيوسّع نطاق عملها بالتعاون مع التيار الوطني الحرّ، «نحن نعتبر بأننا والتيار الحرّ نكمّل مسيرة بعضنا وليس من تنافس البتة»، بحسب سعادة.
«للمردة» حضورها ايضاً في مدينة طرابلس حيث الأواصر الاجتماعية والسياسية قائمة عبر هيئة خاصة بالمردة، وثمة منتسبون من المدينة داخل التيار الشمالي، ويذكّر أنصار المردة بأنّ «سليمان بيك ولد في مدينة طرابلس حيث سكن أهله شتاء على غرار العديد من العائلات الزغرتاوية، ما جعل العلاقة بين المدينتين متينة وباتت الواحدة تشكل امتداداً للأخرى، لذا فإن العيش المشترك والانصهار الوطني هما طبيعيان، كما أن سليمان بيك تلقى علومه الابتدائية في طرابلس حتى اندلاع ما عرف «بحرب السنتين»».
تحسّن العلاقات السياسية
سياسياً، تشهد علاقات المردة تحسناً مع مختلف خصومها السياسيين. بعد الانتخابات النيابية عقد اجتماع واحد بين ممثل «المردة» يوسف سعادة وممثل «القوات اللبنانية» طوني الشدياق بحضور كاهنين أحدهما من زغرتا والآخر من إهدن، تحت مظلّة الرابطة المارونية. جاء هذا الاجتماع بعد سلسلة لقاءات سبقت الاستحقاق النيابي وهدفت الى تمريره بسلام ودون توترات أمنية. تخطت مدة الاجتماعات الساعتين أحياناً، وطرح فيها تاريخ الخلافات الطويل بين الطرفين المسيحيين منذ مجزرة إهدن الى اليوم، أما الهدف فلم يكن نكء جراح الماضي بل التوصل الى «ستاتيكو سياسي» يجنب أية إشكالات ثنائية في المناطق وخصوصاً تلك التي فيها تواجد مختلط وكثيف للطرفين، من دون أن يتوّج هذا الستاتيكو بقمة مصالحة بين رئيس المردة سليمان فرنجية ورئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، «فالخلاف شخصي وعميق بين الرجلين، لذا سيوضع جانباً، مع التركيز على ضرورة المصالحة السياسية على قاعدة تقبل الآخر، هكذا قد يصوّت نواب المردة لاقتراح يقدمه نواب القوات والعكس صحيح»، يقول يوسف سعادة، مشيراً لدى سؤاله عن «النمو القواتي شمالاً» الى أن ««للقوات» حضورها لكنها تبالغ في تضخيمه أكثر مما هو فعلياً، فقد أفادت القوات من عوامل دعم الكنيسة والتهويل والأموال التي صرفت ووضعت الفوز في الانتخابات في رصيدها الحزبي وهذا غير دقيق، ومع الوقت ستتكشف الأمور ويتبين بأن ثمة حياديين على الساحة المسيحية أدلوا بدلوهم لمصلحة قوى 14 آذار».
يتساءل بعض القواتيين بأن المصافحة تمّت بين فرنجية ورئيس حزب الكتائب أمين الجميل منذ مدة طويلة وبالأمس تصافح فرنجية مع نديم الجميل، فلم هذا التحجّر في اتجاه سمير جعجع بالذات؟
يقول سعادة: «المشكلة أن جعجع تبنى مجزرة إهدن شخصياً لأسباب نجهلها، وهو أكثر من أحاديثه الصحافية التي يقول فيها بأنه لو أعاد التاريخ نفسه لكرّر فعلته».
المردة والمملكة السعودية
على الصعيد السياسي الوطني فقد شكّل الاجتماع الذي تمّ الأسبوع الفائت بين النائب فرنجية والسفير السعودي الجديد علي عوّاض العسيري في لبنان علامة فارقة، إذ هي المرة الأولى التي يزور فيها سفير للمملكة العربية السعودية زغرتا منذ 4 اعوام، علماً بأن أصدقاء بادروا في عهد السفير السابق عبد العزيز خوجة الى طلب موعد للأخير من فرنجية، إلا أن الزعيم الزغرتاوي تريث لغاية الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي، ونظراً لعتبه الشديد على دعم المملكة لخصومه السياسيين مسيحياً، وهذا ما عبّر عنه فرنجية في اللقاء بالسفير الجديد مباشرة وطلب منه أن تعيد المملكة صوغ علاقات أكثر توازناً مع الأطراف السياسيين اللبنانيين.
كذلك يعبّر قريبون من «المردة» بأن اللقاء مع الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري والنائب فرنجية كان إيجابياً «أكثر مما يتوقع الطرفان»، وخصوصاً بعد أن بادر الحريري الى قبل يوم من الاستشارات الى سحب دعاوى جزائية ضد خصوم سياسيين له وفي طليعتهم سليمان فرنجيه الذي كان الحريري رفع ضده دعوى قدح وذمّ، وقد تلقفت المردة هذه المبادرة بإيجابية «علماً بأن الدعوى لم تكن تزعجنا»، كما يسارع الى القول أحد أعضاء التيار الشمالي.
في اللقاء بدا تفهّم متبادل بين الزعيمين الشابين. ترى «المردة» بأن الحكومة المقبلة ينبغي أن تراعي الخصوصيات اللبنانية في ظل الانقسام السياسي الحاد، ولذا يجب أن تبنى على شراكة فعلية تتحقق بالثلث الضامن ليكون دور فاعل للجميع في البلاد. تظهّر المردة جواً إيجابياً طغى في الساعات الماضية حيث من الممكن اللجوء الى صيغ عدة ضامنة ومقبولة من الجميع منها طرح: 16ـ10ـ4 بحيث يكون وزير قريب من المعارضة من حصة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، أو صيغة 15ـ 10ـ 5 مع وجود وزيرين احدهما قريب من المعارضة والآخر من الموالاة. ستمثل «المردة» حتما بوزير يحسب من حصة تكتل التغيير والإصلاح وقد يكون حزبياً أو من أقطابها بحسب شكل الحكومة العتيدة.
في العلاقة مع الكنيسة فإن الاتصال معدوم مع البطريرك نصر الله صفير وثمة عتب كبير من «المردة» على تصريح البطريرك السابق للانتخابات، علماً بأنها تعتبر بأنها جزء من الكنيسة وعلاقاتها جيدة مع رجال الدين فيها، ويسأل يوسف سعادة في هذا الخصوص: «إذا كان ثمة 19 نائباً مارونياً من أصل 34 يريدون تغيير وجه لبنان فإن الطائفة تعاني، لو صحّ هذا القول، من مشكلة عضوية توجب على البطريرك نقاشها على أوسع مستوى لأن هؤلاء النواب منتخبون من أكثر من نصف المسيحيين»، مشيراً: «نحن من قمنا بمعارك من أجل تحسين الحضور المسيحي عبر قانون الانتخابات وإعادة المسيحيين الى موقع القرار في الحكومة السابقة ونسعى الى الشراكة الحقيقية، فهل نُتَهم بتغيير صورة لبنان؟».

Script executed in 0.20333099365234