فلم اجده، فتشت في كتب الحارة الناجية ودفتر مختارها القديم، فلم اجد غير الاسماء المنسية، والذكرى، تعبر كل نهار الى العدم .. فتشت عن جدرانه عن بقايا من لونه، عن اي شييء، عن باب خشبي، فلم اجد.. بيتنا العتيق الذي لم اجد منه الا اوراق طفولتي المنسية، التي ضاعت وتناثرت شظاياها مع الذكريات، بيتنا الذي فيه تقاسمنا الضحكات وتبادلنا همسات الاشواق المعطرة تحت ظلال دالية الدار.. اين انت ؟!
"شبابيك" غرفتي الضائعة بين الحطام، تسألني، عن اختفاء الليالي البدرية، وسقف بيتنا الخشبي المتدلية منه اعمدة الصنوبر، يسألني عن خربشات الصبا واجمل قصص الحياة التي لازالت عالقة في حناياه ..
هي الساحة.. فيها حيكنا اجمل تطريزات "الكنادر" ولوناها بالوان السعادة ومرح الطفولة، ومن حولنا هدير لايهدأ.. كل شيئ قد ذهب، وبيتنا العتيق ذهب الا من ذاكرتي ومخيلتي .. اشتاق له في كل يوم، اشتاق لتلك الحجارة ..اشتاق للزواريب ومزاريب السطوح، ومساطيح التين، لرائحة المرقوق العابقة من منزل جارتنا ام علي، وليالي السهر خلف البوابات العتيقة..
بيتنا، أسألك الوداع والحزن لا يفارقني، يا من لا اجدك الا بين اضلعي.. سلاماً اليك يا ممر الاجداد وململم الاحبة ومربي الاوفياء.. اعذرنا و ان عدنا بعد فوات الآوان، فثعالب الليل منعتنا الوصول اليك وفئران الحقد الصهيونية نهشت حجارتك ولم تبق لك باقية.. اسألك يا بيتنا، يا وجع الرحيل ودموع العودة، هل من احجار منك تلم شملنا؟!