كتبت النهار اللبنانية:
هل تستحق الحياة فرصة ثانية؟ هل هذا اليأس والحزن والوجع والوحدة والخيبة مجرد مشاعر موقتة ستمضي بطريقها قريباً؟ هل حقاً كنا لنكون أسعد لو لم نخَف البوح بما في داخلنا؟ لو هربنا الى واقع أفضل وحياة أخرى؟ أسئلة كثيرة تدور في رأسها ورأسي، كنتُ أستمع الى قصتها وكأني أشاهدها امام عينيّ الآن، كيف يمكن لكلماتها ان تنقلني الى عالمها الحزين وترفعني الى تلك النقطة التي تسمح لي بأن أرى كل شيء بوضوح. تلك الفتاة عانت كثيراً وجعلتني أرى عن قرب ما خلفته هذه الحياة عليها من ندوب وخسارات ما زالت تتحمل بعضها حتى اليوم.
عندما قررت المغنية الشهيرة داليدا ان تغادر الحياة تركت وراءها رسالة فيها عبارة واحدة فقط "سامحوني الحياة لم تعدْ تُحتمل". لن أدخل في تفاصيل قصة داليدا والأسباب التي دفعتها الى إنهاء حياتها، لكن "أمل" 23 عاماً، شعرت هي ايضاً ان الحياة لم تعد تحتمل، وقررت أن تضع حداً لكل هذا العذاب والعنف برمي نفسها من الطابق الخامس. هي اليوم لديها رسالة أخرى تودّ ان تقولها لنا، رسالتها الأولى لم تصل، فقررت ان تكتب رسالة أخرى لتقولها الى كل شخص متعب ومرهق ويائس، الى كل من يفكر للحظة بالانتحار، أقول لكم "اسمعوا قصتي أولاً".
من حياة سيئة إلى أسوأ
تروي امل حياتها بفصولها الأولى قبل ان تكبر وتكتب لها الحياة فصولاً قاسية، كادت تنهي حياة لولا "القدرة الإلهية". تقول "كنتُ أسكن مع والدتي وشقيقتيّ بعد أن تزوج والدي على أمي، وبقينا نعيش معها فقط. ومنذ ذلك الحين نحن لا نعرف عنه شيئاً، هو لم يسأل عنا يوماً. كنتُ أرى أمي قدوتي في الحياة، لكن الموت خطفها منا باكراً، ولم أكن قد تجاوزت التاسعة عشرة من عمري. بعد وفاتها، ذهبنا إلى العيش في منزل جدي، حيث كانت معاملتهم سيئة "ما كانوا منيح معنا أبداً".
لم يكن سهلا على أمل ان تتخذ هذا القرار، لكن الضغوط والمعاملة السيئة جعلتها تحسم قرارها في القبول بأول عريس يتقدم اليها، علّها ترتاح من كل هذا. وفعلاً تقدم لها رجل يكبرها بـ23 عاماً، فلسطيني يحمل الجنسية الأميركية. بالطبع لم تفكر مرتين، كانت هذه الشابة الصغيرة تريد الهرب من بيئتها، فوافقت عليه حيث استمرت الخطوبة 3 اشهر قبل ان يتزوجا.
ضرب وتعنيف وأشياء بالحرام
هل يملك شخص أن يتغيّر بين ليلة وضحاها؟ نعم، هذا ما قد رأته بأمّ العين "أمل"، فبعد ان تعرفت إلى ذلك الرجل الذي خطبها لـ3 أشهر هي اليوم تكتشف رجلاً آخر. توضح ما جرى معها "بعد عقد القران تحوّل الى شخص آخر، بدأ يعاملني بطريقة سيئة ويعيّرني بمستواي الفقير مقارنة بعائلته الميسورة. كان يقول لي: "الحق عليّ لأنّي نزِلت لهيك مستوى".
تحملت هذه الشابة كل هذه الإساءات للخروج من هذه البيئة التي كانت تعيش فيها، كانت تتأمل ان تعيش حياة جديدة، لكنها لم تكن تعلم انها كانت مقبلة على حياة أكثر تعاسة بكثير. "أصبح يعنّفني كثيرا ويفرض عليّ أموراً "حرام"، يطلب مني ان أحتسي الكحول وأُلبي رغباته الجنسية. رفضتُ ذلك، فبدأ يشكوني لوالدته وقال لها: "بدّي رجّعها ع بيتها ما بقى بدّي إياها".
"لم أتحمّل ما سمعته، كيف يمكن لرجل اخطأ بحقك ويريد اشياء بالحرام ان يفعل هذا. لم أكن اريد سوى حياة جديدة وبناء عائلة، ما كنت لأقبل بالعيش بالحرام". بعد سماع محادثته مع والدته، اتصلت امل بشقيقتها لاصطحابها، لكنها كانت منشغلة ولم ترد على اتصالها. في تلك اللحظة، وجدت امل نفسها وحيدة من دون أب او أم، لم يكن لدي أحد لأذهب اليه "ما كان إلي حدا".
حياتي كانت جحيماً
تسترجع تلك اللحظات ما قبل الانتحار "تركتُ زوجي ووالدته يتحدثان ودخلتُ الى غرفتي ورميتُ نفسي من الطابق الخامس من شرفتي. لم يعدّ عقلي يستوعب شيئاً، وبالرغم من معرفتي ان الانتحار حرام، لكن في تلك اللحظة لم أفكر سوى بأمنية واحدة: "ان ارتاح من هذه الحياة". ما عدتُ أرى شيئاً سوى انه عليّ ان اموت. وبينما كنت ارمي بنفسي من الطابق الخامس ناديتُ امي، كنتُ مقتنعة اني سأذهب اليها".
لم يلحظ احد غيابها لساعتين، لم يعرف احد انها رمت بنفسها إلا بعد ابلاغ احد الجيران عن وقوع فتاة من الشرفة. وصلت سيارة الإسعاف وتمّ نقلها الى المستشفى. وفق امل: "رافقها زوجها الى هناك، لكنه في اليوم الثالث سافر مع والدته ولم أعد أعرف عنه شيئاً. كان جسمي محطماً بالكامل، كسور في الحوض والساقين والرقبة والظهر "ما ظل فيني شي".
تصف تلك المرحلة بحياتها "بالجحيم، لم يدم زواجي أكثر من 8 أيام لكنها كانت بمثابة دهر، كنت اموت "100 موتة بالنهار". 2018/8/29 تاريخ مُعلّق، ما زلتُ على إسمه وغير مطلّقة. لم يسأل زوجي عني، اتصل بي ليطلب الطلاق ووافقت عليه دون شروط ولكنه اختفى بعد ذلك. وفوجئت منذ فترة بمعاودة اتصاله ليطلب مني العودة اليه لأنه يحبني، إلا انني رفضت ذلك، ومنذ ذلك الحين لم أعرف عنه شيئاً. انا لا اطلب اليوم سوى الطلاق، حياتي معلقة".
لن أعيش بالحرام
لدى امل رسالة تود ايصالها الى كل شخص، هي قررت مشاركة قصتها لتوجه نصيحة الى كل من يمر بوقت عصيب او افكار انتحارية "صحيح اني لم أفكر بحل آخر، لكني اخطأت. فأنا "ما أذيت حدا إلا حالي"، أنا التي لم تعد تمشي جيداً وعلي تناول مجموعة أدوية، وفي النهاية لم يشعر احد بي سوى شقيقتيّ. لقد صرفنا المال الذي كان بحوزتنا ولم يعد لدينا شيء. كان من المفترض ان اخضع لجراحة في ساقي منذ سنتين، إلا انني عاجزة عن اجرائها لعدم امتلاكنا المال".
تضيف: "انا لم أطلب سوى ان اكون سعيدة وأكوّن عائلة كما نجحت امي في تكوين عائلتها. كنت أبحث عن العائلة بينما هو كان يبحث عن ملذاته ورغباته الجنسية التي أعتبرها "حرام"، كنتُ كلما أرفض الانصياع لرغباته أتعرض لضرب مبرح".
تختم حديثها قائلة: "أشكر الله أني لم أمت، لا احد يستحق ان أموت من أجله أو بسببه. قبل ليلة واحدة من محاولة الانتحار، غصبني على القيام بشيء، فقمتُ بدفعه عني وأقفلتُ باب الحمام عليّ. كانت والدته تقول لي: "شو بدو زوجك بتنفذي". وجاوبتها قائلة: "انا لا أعيش بالحرام".
"بعد الذي عشته، اقول لكل شخص مهما كانت حياتك تعيسة لا تلجأ الى الانتحار حتى تهرب من هذه الحياة ، حاول ان تبحث عن مخرج آخر، تكلم او إلجأ لأي شخص ولكن "ما في شي بيتساهل حتى تموت كرمالو"، كل الأشياء تصبح سخيفة وبسيطة مقارنة بثمن حياتك، قد تجد الأمور والمشاكل كبيرة في لحظتها، لكنك سرعان ما ستكتشف انها صغيرة وقابلة لألف حل".
(ليلي جرجس-النهار) https://www.annahar.com/article/858337