هي الحاجة نمرة شعيتو المتزوجة من مختار الطيري السابق الحاج علي فقيه. كانت الحاجة نمرة فاقدة البصر، ترى الكون بعين واحدة، ربت خمسة أبناء من بينهم الشهيدة سمية. ابتلاها الله بنظرها وبفقد ابنتها.. لايعرف عن الراحلة نمرة شعيتو سوى انه كان بيتها أثناء فترة الإحتلال ملاذاً للمقاومين والشهداء، أمثال الشهيدين صلاح غندور وخالد بزي وغيرهم ممن كانوا يقاتلون الاحتلال حيث كانت تستقبلهم في بيتها ابان فترة احتلال الطيري و"ترقيهم" وتحصنهم بكلام الله.. تعرضت وابنتها حسنة وزوجها الحاج علي لمضايقات لا تحتمل من الاسرائيليين والعملاء أثناء فترة الاحتلال، ولم يتركوا الطيري رغم المضايقات. تعرض زوجها الحاج علي للأسر المتكرر والتعذيب. رحلت بالامس الحاجة نمرة وكانت نعم المرأة الجنوبية المكافحة في سبيل الله و لقمة العيش، ساعدت زوجها على تربية اولادها وجمع قوت يومهم، كانت تربي البقر، وتضع الحليب و اللبن في وعاء فضي على رأسها وتذهب سيراً إلى بنت جبيل وعين إبل للاسترزاق!.. في سنوات عمرها الأخيرة، فقدت الحاجة نمرة النظر بعينها الثانية، فصار قلبها يتلمس من حولها فتعرف أبناءها من خطواتهم.. غفت "ام المقاومين" الى الابد وتركت خلفها سيرة الامراة الجنوبية المضحية والمناضلة بكل ما اوتيت من ايمان...
موقع بنت جبيل.اورغ
و بهذه الكلمات رثت نريمان فقيه جدتها المرحومة:
أَحقاً رحلْتِ، أم شُبِّهَ لنا؟! يا أمَّ الكتابِ ولوحَنا المحفوظ، وسورةَ الناس! أَحقاً رحلْتِ، أم غافلْتِنا لتزوري أهلَ القبورِ وابنَتَكِ الشهيدة، وتعتكفي بين أضرُحِ الشهداء؟! يا صرحَ المقاومة، أَحقاً رحلْتِ، أم تتنزَّهينَ في جنائنِ الرَّحمنِ تقطفينَ من نخيلِها وأعنابِها، لتُحضِّري الطعامَ لأبنائكِ المقاومين، وتُطعمي صلاحاً راحةَ الشهادة؟! أَحقاً رحلْتِ، أم أنَّكِ في صومعةِ صافي على حصيرةِ الجهاد، ترقينَ قاسماً قبلَ الوعدِ الصادق؟! يا شفيعَتَنا وقدِّيسَتَنا، يا بوحَ التبغِ وصدقاتِ الحليب. يا صُرَّةَ المسكِ المُخبَّأةَ في صدرِ التاريخ، تُوزِّعُ لأحفادِها نقودَ النصرِ ليشتروا الأوطان! يا غوثَنا في دعاءِ الجوشن، نراكِ بينَ حروفِ الدعاءِ ترتفعين، وترفعينَنا معَك! يا سُبحةَ عاملَ وفواتحَ اللهِ التي لا تَنفَذ! أنتِ حقُّ ما قيلَ عنهُمُ في كتابِ الله: "تتجافى جنوبُهُم عَنِ المضاجعِ يدعون ربَّهُم خوفاً وطمعاً وممَّا رزقناهُم يُنفقون!". يا مواعيدَ صلاتِنا الدقيقةَ وعينَنا المفقوءةَ التي ترى الأنامَ من خُرمِ الصبر، يا كينونةَ الطهرِ وأديمَ الحياة، يا عتابا الدار! كأنِّي بكِ عندما أَقرأَكِ سيدُّنا عزرائيلَ السلام، قلت: "عليكَ السلامُ يا ملكَ الموت، يا أهلَ بيتي افتحوا هذه الأبواب، فإنَّ لي اليومَ زوّاراً لا أدري من أيِّ هذه الأبوابُ يدخلون عليَّ! والتينِ والزيتونِ ونَفَسِكِ الأملسِ الأخير، ما أنتِ بِراحلة، بل أنتِ بِرحلتِكِ نحوَ سعادتِكِ الأبدية، شُيِّعْتِ كما الشهداءِ على أكفِّ المقاومين... للكبارِ ... للأسماءِ المشتقةِ من النور.. للأحبةِ الذين يذهبون واحداً تلوَ الأخر، كمن يُسلِّمُ البندقيةَ من يدٍ إلى يد! لامرأةٍ جنوبيةٍ على ناصيةِ صبرِها قِبلَةٌ.. للتاريخِ إن سَهِيَ، فهي أمُّ المقاومين، أطعمَتْ صلاح غندور راحةَ الحلقوم! ولدمعِ الحقولِ ورقوةِ يدِها المهزوزةِ على جبلِ همَّتِنا لألَّا يَميد! للكفنِ المُرفلِ بالآيات.. لكلِّ ما سيحتويكِ يا جدةَ النورِ والصلوات، هنيئاً لكم بها!