حتى الأمس القريب كان الدب السوري البني مدرجا على قائمة الحيوانات المنقرضة في لبنان، وبحسب رئيس مجلس إدارة “المجلس الوطني للبحوث العلمية” البروفسور جورج طعمة، وفي محاضرة ألقاها قبل سنوات عدة، فقد سجل آخر ظهور للدب السوري في منطقة بشري في جنوب لبنان في عشرينيات القرن الماضي، فضلا عن أن ثمة مرويات كثيرة عن الدب في مناطق نائية من لبنان، ويحكى أن رجالا قديرون كانوا يتعاركون مع الدببة في منتصف القرن التاسع عشر، وكان هذا الأمر مدعاة للتفخر أن فلانا تغلب على الدب، وثمة الكثير من هذه المرويات ما يزال يرددها أبناء الجبال ويستذكرونها نقلا عن آبائهم وأجدادهم، ما يؤكد أن وجوده كان شائعا قبل أن تنحسر وتتراجع أعداده ويختفي نهائيا من البرية اللبنانية.
لكن في أواخر العام 2016 شهد لبنان مفاجأة غير متوقعة، عندما جرى توثيق ظهور الدب البني السوري في جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان، وتحديداً في جرود بلدة نحلة – قضاء بعلبك، ما اعتبر يومها حدثاً تاريخياً فريدا ومميزاً تمييز، ونشر greenarea.me وقتذاك صورا وشريط فيديو يظهر أنثى الدب برفقة ديسم (صغير الدب) يجولان في الأراضي اللبنانية المغطاة بالثلوج، وقد كان هذا الحدث محط اهتمام الخبراء، وأشار المصور المتخصص في توثيق الحياة البرية، فؤاد عيتاني، الى ان الفيديو تم تسجيله من قبل مجموعة من الشباب ليلة 29 كانون الأول (ديسمبر) 2016 بعد ان تم رصد الدب بمنظار ليلي.
وبالتوازي، نشرت قبل العام 2016 أخبار لم يجر التأكد من صحتها من قبل مصدر علمي رسمي، عن ظهور الدب البني السوري في منطقة جرود القلمون السورية في العام 2015. أما في العام 2004 فانتشر خبر ظهور الدب السوري في قرية سنير جنوب شرق سوريا، كما نشر خبر عن مشاهدة قطيع من الدببة في المنطقة نفسها في العام 2011.
والجديد في هذا المجال، ما تم رصده وتوثيقه قبل أيام عدة في العراق، وتصدر بعض الصفحات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ويبدو أن الحرب في سوريا والعراق لم توفر ليس البشر والحجر فحسب، وإنما طاولت الحياة البرية أيضا، لكن لم يكن ثمة أحد ليتصور أن يقع دب ضحية الحرب المستمرة، وللأسف لم يحسن الجنود التعاطي مع هذا الكائن النادر، فالحرب تفرض أحيانا معادلات صعبة، تقضي على كل أشكال الحياة، بشرا وكائنات وأشجارا وغيرها.
ففي حادثة غريبة، ووفقا لما توافر من معلومات لـ "Greenarea"، تفاجأت قوات حرس الحدود العراقية في مدينة القائم بالدب البني السوري يعبر الحدود قادما من سوريا، جراء اشتداد المعارك في تلك المنطقة بين قسد (قوات سوريا الديموقراطية) وتنظيم “داعش” الإرهابي، وبادروا إلى قتله دون معرفة الدوافع، وكان يعتقد سابقا أن الدب السوري قد انقرض من هذه المنطقة.
ولا بد من الإشارة إلى أن الدب البني السوري الذي تعرض للقتل على الحدود السورية – العراقية مهدد بالانقراض، ويعد من السلالات النادرة جدا في العالم، وبحسب خبراء، فإن الدب كان بحالة سبات خلال هذه الفترة، وعلى ما يبدو أنه فاق من سباته وآثر الهروب جراء العمليات الإرهابية في سوريا، وهو حيوان مسالم جدا، ولكن، وبحسب المصدر “لعدم معرفة المقاتلين بهذه المعلومات تم قتله”.
إن هذا الحادث لا بد وأن يكون موضع متابعة من جهات دولية معنية بالحياة البري والتنوع الحيوي، ولا سيما منها “الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة” IUCN، فضلا عن أن ما تم رصده وتوثيقه في لبنان وسوريا للدب البني السوري، بات يتطلب أن تتبنى الحكومات في هذه الدول خطة عمل لحمايته من الإنقراض، خصوصا وأن حادثة قتل الدب في العراق تقدم بينة تقطع الشك باليقين من أن هذا الكائن تمكن من أن ينأى عما يتهدده من مخاطر طوال أكثر من خمسين عاما، إلا أن الحرب كانت أقوى من قدرته على التكيف بعيدا من البشر...
(فاديا جمعة - Greenarea)