الانتهاكات تتوالى والفضائح تخرج للعلن. ولا يبدو أن السلطات السعودية عازمة بالفعل على تعديل مسارها في التعامل مع قضايا الحقوق والحريات، رغم الموجة العالية التي تواجهها بعد تورطها في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وآخر ما كُشف عن التجاوزات السعودية، قيام ضباط سعوديين بالتحرش الجنسي وتعذيب ناشطات سعوديات معتقلات.
ولم تعلق السلطات السعودية، كعادتها، على ثلاثة تقارير صدرت خلال الـ72 ساعة الماضية، من ثلاث جهات صحفية وحقوقية دولية مختلفة، هي وول ستريت جورنال ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش. وتعرضت التقارير الثلاثة لقضية المعتقلين السعوديين، وتعرضهم للتعذيب، وخاصة المعتقلات اللواتي تعرضن للتحرش والتعذيب في السجون، ما دفع بعضهن إلى محاولة الانتحار للخلاص من العذاب. علمًا بأن أغلب هؤلاء المعتقلات، موقوفات دون اتهمة أو محاكمة.
التقارير الثلاثة
كشفت وول ستريت جورنال في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، ووفقًا لمصادر مقربة من العائلة الحاكمة السعودية، أنه "تم تعذيب ما لا يقل عن ثماني ناشطات من أصل 18 ناشطة اعتقلن هذا العام، تعرضت نحو أربع ناشطات منهن للصدمات الكهربائية والجلد، على يد ضباط أمن سعوديين ملثمين. علمًا بأن أغلبهن ناشطات سعوديات في مجال حقوق المرأة".
وأشارت الصحيفة إلى أن تعذيب الناشطات كان في إطار حملة حكومية للقضاء على الانتقادات الموجهة لولي العهد محمد بن سلمان، وبدأت تلك الحملة قبل مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
كما نشرت منظمة العفو الدولية، ما قالت إنها شهادات تفيد بأن العديد من النشطاء السعوديين، ومن بينهم عدد من النساء، معتقلين ومعتقلات في السعودية؛ تعرضوا وتعرضن للتحرش الجنسي والتعذيب وغيره من أشكال سوء المعاملة أثناء الاستجواب، منذ أيار/مايو، داخل سجن ذهبان غرب السعودية.
ومن جانبها أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش، ما ورد في التقريرين السابقين، وفي تقرير مطول صدر أمس، قال إن "المحققين السعوديين عذّبوا ما لا يقل عن ثلاثة من الناشطات السعوديات المحتجزات منذ بداية أيار/مايو 2018". وقال التقرير إن التعذيب تضمن الصعق بالصدمات الكهربائية والجلد على الفخذين، والعناق والتقبيل القسري.
تعليقات حقوقية
وفي حال ثبت صحة تلك التقارير، وهو الأمر المرجح، كونها متواترة، فإن هناك العشرات من السعوديين، أو على الأقل 18 ناشطة، يخشى عليهن من سيناريو مشابه لقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بسبب التعذيب الذي قد ينهي على حياة أحدهم أو إحداهن في أي وقت.
أو قد يقع سيناريو أسوأ، بالدفع ببعضهن للانتحار، للخلاص من التعذيب المستمر الذي بدأت تظهر آثاره على بعضهن، فوفقًا لما ورد في تقرير هيومن رايتس ووتش فقد "ظهرت علامات التعذيب، علامات حمراء وخدوش على الوجه والرقبة، إضافة إلى صعوبة في المشي، وارتعاش غير إرادي في اليدين ومحاولة بعض السيدات الانتحار عدة مرات".
وقالت لين معلوف، المسؤولة في منظمة العفو الدولية: "بعد أسابيع قليلة فقط من قتل جمال خاشقجي الصادم، فإن هذه الأنباء المروعة التي تفيد بوقوع التعذيب والتحرش الجنسي وغير ذلك من ضروب المعاملة السيئة، إذا تم التحقق منها، ستكشف عن ارتكاب المزيد من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان على أيدي السلطات السعودية".
وانتقد مايكل بَيْج، نائب مدير الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، ما سماه بـ"الدعم غير المحدود" الذي تحصل عليه السعودية من الولايات المتحدة وبريطانيا، بدلًا من الانتقادات الدولية للتعذيب الوحشي للناشطات السعوديات المطالبات بحقوقهن الأساسية.
كما طالبت كل من هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، بالإفراج الفوري وغير المشروط، عن المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين في السعودية، وكذلك إجراء تحقيق موسع وسريع ومتكامل فيما ورد من شهادات حول التعذيب الذي يتعرض له المحتجزون في سجون السعودية، ومحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات حال ثبوتها، وكذلك السماح للنساء المحتجزات بالاتصال بالمحامين وأسرهن دون قيود، وأن تقدم الجهات السعودية الأدلة على سلامة المعتقلات.
في حين أعلن العديد من المغردين ومن الحسابات المعارضة للنظام السعودية، تنديدهم بالتحرش بالمعتقلات، وذلك عبر هاشتاغ "#التحرش_بالمعتقلات_جريمة"، فيما طالبت منظمة مراسلون بلا حدود، المجتمع الدولي بالضغط لوقف الانتهاكات داخل السجون السعودية.
النساء في السعودية خط "أخضر"!
ووفقًا للمصادر الواردة في التقارير الثلاثة، فإن "محققين سعوديين ملثمين، عمدوا على تعذيب النساء -المعروفين بنشاطهم السلمي- خلال المراحل الأولى من الاستجواب، ولا يمكن الكشف عن هوية هؤلاء الناشطات خوفًا من تعرضهن للانتقام".
وكانت الحملة الأمنية التي استهدفت النساء في السعودية، ضمن حملات متعددة استهدفت إصلاحيين ومعارضين، وكانت قد سبقتها حملات متعددة لسنوات ضد منتقدي العائلة الحاكمة، والمطالبين بتحسين الحقوق والحريات داخل المملكة.
غير أن حملة قمع الناشطات منذ أيار/مايو الماضي، انطلقت قبل أسابيع من السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة في 24 حزيران/يونيو الماضي، القرار الذي انتظرته السعوديات لعشرات السنوات، حتى شنت الجهات الأمنية التابعة لولي العهد محمد بن سلمان، تحديدًا جهاز أمن الدولة الجديد، حملة اعتقالات استهدفت النشطاء الإصلاحيين والناشطات النسويات الداعمين والداعمات لقيادة المرأة للسيارة، وكانت من أبرزهن عزيزة محمد اليوسف، الأكاديمية والناشطة الحقوقية السعودية، وكانت من أبرز المطالبات بالسماح للمرأة بقيادة السيارة.
كما اعتقلت إحدى أشهر الناشطات النسويات السعوديات وهي لجين الهذلول، وهي ناشطة حقوقية، اعتقلت في 2014 لمحاولتها العبور من بوابة الحدود البرية الإماراتية السعودية وهي تقود سيارتها، وكذلك إيمان فهد النفجان المدونة السعودية، ومن أبرز الداعمات لقيادة المرأة للسيارة.
وتبعت حملة الاعتقالات الأولى، حملات اعتقال أخرى لسيدات أخريات، من بينهن حصة آل شيخ، وعائشة المانع، ومديحة العجروش، وولاء آل شبر، وأغلبهن ناشطات كن يطالبن بالسماح للمرأة بقيادة السيارة.
ولم يتوقف الأم عند الاعتقال فحسب، ولكن أقدمت الصحف السعودية، والمجموعات الإلكترونية التابعة للحكومة السعودية، على التشهير بالمتعقلات واتهامهن بالخيانة عبر وسم "#عملاء_السفارات".
واليوم، وإضافة إلى الحديث عن التعذيب والانتهاكات للمعارضين والمعارضات والمنتقدين والمنتقدات للسلطات السعودية، تضاف جريمة التحرش الجنسي بالنساء المعتقلات، والتي تعتبر من أكثر الأعمال سقوطًا في عرف المجتمعات العربية المحافظة التقليدية، فعلى ما يبدو، باتت النساء في سعودية ابن سلمان، خطًا أخضر، بعد أن كنّ خطًا أحمر.
وكالات