"حيث تستقر العصافير وترتاح على اطرافها وبين صخورها.. تتسلل كعادتها الحاجة " تفاحة سعيد " من بيتها الكوخي وبالتحديد داخل كرم تملؤه اشجار الزيتون المعمرة لا تكاد يقل عمر احداها عن 100 سنة، تتنقل الحاجة التسعينية بهدوء مع الوقت، وتسابق عجلة العمر بثيابها المجبولة بعرق التعب التي تروى عنها صوراً مليئه باتعابها والاوجاع.
الحاجة "تفاحة" امرأة بنت جبيلية مزارعة، لامست التسعين عاماً من عمرها، في ثنايا وجهها ترتسم معاناة تسعة عقود.. تقول انها امضت منها نحو 60 عاما في مهنتها بتربية الابقار والمواشي وزرع الارض..تحدثنا " تفاحة " عن جزء بسيط من حياتها تقول بلغة اهالي بنت جبيل " كان عندي 9 بقرات قبل الحرب بس هلأ معش في منن الا 4بضلني كل الوقت من الفجر إلى النجر طعميهن واسقيهن" .. تكمل الحاجة تفاحة حديثها وهي تحاول حلب احدى البقرات التي اصابتها نكسة قبل ايام فخسـرت عجلتها الصغيرة وبدا عليها الحزن والأسـى ومن حينها ترفض در الحليب.
لم يغب الطابع الديني والعقائدي عن " تفاحة " فهي تعتبر في بنت جبيل فاعلة خير وصاحبة صدقة، وآخر صدقاتها كان بناء ذلك المسجد الذي يقع على طريق الوادي على نفقتها الخاصة تقول انه " قربة الى الله تعالى " وكانت رفضت شراكة احد في بناء المسجد بعدما قدم اليها طلبات عديدة بتكملة بنائه او مده بالسجاد او حتى تقديم الماكينات الصوتية، لكنها رفضت ذلك لأنها تريد ان تفي بنذرها وتكملته للاخير.. والى جوار المسجد تقودنا " تفاحة" فتشير بيدها الى قبرها المغطى بكومة كبيرة من القش والحطب تقول " هنا السكن الابدي " فتؤكد انها حفرته بيدها بين المسجد وكرم الزيتون وهي أوصت دفنها فيه بعد موتها..
الحاجة " تفاحة " من النوع النادر في بنت جبيل فهي التي احبت تلك الارض ومكثت فيها لعقود طويلة كمثل اشجار الزيتون، تبقى ثابتة ضاربة الجذور في الأرض وفي التاريخ لا يؤثر فيها هبوب الريح ولا العواصف مع إصرار غريب على الحياة التي لا تتلون ايامها الا بأمثال " تفاحة الوادي " ...
باقي التفاصيل في التحقيق المصور
مسجد الوادي