أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

رحلة بين شلالات العاصي في قارب «الرافث»

السبت 01 آب , 2009 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 32,694 زائر

رحلة بين شلالات العاصي في قارب «الرافث»
راحت الكلمات تخرج من أفواههــم بطيـئة تحمل عناء السفر من بيروت إلى الهرمل. يستمــرون في تــجاذب أطراف الحديث الذي راح يخفت رويــدا رويــدا ليــخلي المكـان لحفــيف الأوراق وخرير المياه المتدفقة.
بدت الاستراحة قصيرة عندما وضع حد لها صوت «قائد زورق الرافت» وهو يتقدم بثقة نحوهم، ملقياً التحية ويتابع قائلا: «بعد قليل سنكون وسط المياه، على الجميع التقيد بالتعليمات». شرع نور يقدم الإرشادات المطلوبة ويتحدث بشغف واعتزاز عن قدراته العالية في إجادة رياضة الكانوي ـ كاياك والرافت، خصوصا ان نهر العاصي الذي تعرف مياهه نور منذ طفولته قد بات النهر الأول في لبنان على صعيد ممارسة هذه الرياضة. يوضح نور أن ميزات عدة جعلت العاصي رائدا في هذا المجال ومنها غزارة مياهه على مدار السنة ونظافته العالية وتعدد الشلالات و«مساقط» المياه التي تميز مجراه. ويعود نور إلى تقديم الإرشادات المطلوبة بدءا من لحظة الجلوس في الزورق المطاطي بعد ارتداء سترة الإنقاذ وخوذة الحماية مرورا بطريقة الجلوس في الزورق وانتهاء بأسلوب التجذيف الذي يجب أن يكون في أعلى مستوى ممكن من التعاون والتنسيق بين أعضاء الفريق.
تنتهي حصة الإرشادات ويتوجه الجميع واحدا تلو الآخر إلى داخل الزورق الذي يتهادى بكثير من الغنج والدلال على وجه المياه منتظرا ركابه الخمسة الذين يتقدمهم القائد نور يأخذون أماكنهم والمجاذيف بأيديهم، يجلس اثنان لكل جهة وفي المقدمة كان نور يطلق الصرخة التي ستبقى تترد طيلة الرحلة وتدعو الركاب الأربعة إلى التجذيف الدائم والمنسق إلى الأمام.
تتــزاحم في لحــظة داخــل كــل واحد من ركــاب الــزورق أحاسيس المغامرة والخــوف من المجهول التي كــان يزرعــها القائد نور في نفوس أعضاء الفريق، إنها أحــد أهم أصــول اللــعبة وشــرط متعة الرحلة بالرغــم من انه يدرك تماما أن جميع عنــاصر الأمــان متــوافرة.
كانت صرخة go بالإنكليزية كافية كي ينطلق الزورق متهاديا على وجه المياه ليسيطر جو الرهبة والصمت على ركاب الزورق حيث يبدأون ضرب مياه النهر بمجاذيفهم ويسترق الجميع السمع لرقرقة المياه وأصوات الطيور المتنوعة التي اتخذت من أشجار الصفصاف مأوى دائما لها. انه عالم آخر ينتقل إليه هواة سياحة «الرافت» في مياه العاصي حدوده زرقة المياه والسماء وما بينهما اخضرار الصفصاف ورفوف البط والأسماك التي تقفز فوق سطح المياه بين الحين والآخر ترحيبا بزوار النهر.
كثيرة هي لحظات الإثارة والمغامرة المترافقة مع أقصى درجات السعادة والمتعة التي يعيشها ركاب الزورق المطاطي الصغير، خصوصا عند اقترابهم وتجاوزهم مرة تلو الأخرى الشلالات التي يتميز بها مجرى نهر العاصي. إنها مشاعر التضامن الغريزي في مواجهة الخطر الذي يجعل الجميع أشبه بشخص واحد يجذفون معا لتفادي الاصطدام بجذع شجرة أو جسر حديدي أو الحؤول دون انقلاب الزورق لحــظة اجتــياز أحد الشلالات. وهي مغامرة اكتشاف المجهول في عالم جديد مليء بالمخاطرة المحسوبة والمحصنة بوجود القائد نور الذي يعشق النهر ويخاطبه بكل أدب واحترام.
يبدو الزبد الأبيض وقد غطى مجرى النهر، ينبه نور ركاب الزورق إلى أن المحطة الأخيرة في الرحلة هي الأكثر خطورة وإثارة خلال الساعتين التي تستغرقهما ويطلق الصرخة go لترتفع وتيرة التجذيف وتزداد سرعة الزورق فيجد الجميع أنفسهم في أعلى شلالات الدردارة وفي اقل من ثوان معدودة يشعر ركاب الزورق بأنهم يخترقون المياه لدقــائق ليــستقروا مرة أخرى على سطح البحيرة الصغيرة عند مسقط الشــلال يقــهقه الجمــيع يتعانقون ويرددون عبارة واحة: «إنــنا بمـنتهى الجــوع نريد تناول الغداء».

Script executed in 0.18041205406189