فاديا جمعة:
من الحالات النادرة في لبنان أن يعمد الصياد إلى تصوير فريسته ويوثق عبورها ولا يضعها في مرمى بندقيته ويدعها تمر بسلام، وهذه ثقافة سائدة في كثير من دول كرست السياحة البيئية، وحولت ظاهرة هجرتها الموسيمة إلى مناسبة للفرح واستحضار الحياة في أجمل مظاهرها، وهل ثمة ما هو أروع من عبور الطيور معلنة قدوم الربيع محملا بشذا الطيوب ونسائم طرية وأزهار تهذي بالفرح والجمال؟
الناشط إبراهيم طحيني
ما أثار اهتمامنا في "إليسار نيوز" ما قاله الناشط إبراهيم طحيني ابن بلدة عيتا الشعب ومدير موقع "نهار عيتا" الالكتروني: "في بلدة عيتا الشعب ثمة وعي بيئي يتنامى يوما بعد يوم، لجهة الحفاظ على الحياة البرية وحمايتها، وقد وثق العديد من المواطنين بعدسات هواتفهم وكاميراتهم بعض الحيوانات البرية والطيور وهي تعبر البلدة وتتجول في أحراجها وأحيائها السكنية، وآخرها ما وثقته عدسة الصياد محمد جميل في شريط فيديو مدته ثوان قليلة، أظهر سربا من طيور الحجل يعبر أمامه بسلام قبل أن يتوارى في البرية".
عدسة صياد
ولفت طحيني إلى أن محمد جميل كصياد يعنيه بشكل خاص طير الحجل كطريدة، لكنه التزم عدم الصيد خارج الموسم، ولا سيما في فترة تكاثر الطيور، وقد سر لتوثيق هذا المشهد الرائع وأراد أن يشاركنا به من خلال موقعنا (نهار عيتا)".
من الطيور المقيمة
تعتبر طيور الحجل من الطيور المقيمة في لبنان، خصوصا في المناطق الجردية، وهذا النوع يتميز بحجمه المتوسط ويكون الذكر أضخم من الأنثى، كما أن ألوانه زاهية ويحيط بعينيه خط أسود بارز، صدره مخطط باللون الرمادي، ومنطقة البطن لونها برتقالي، الرجلان والمنقار حمراوان، أما ريشه فرمادي وبني، والأنثى من هذا النوع تضع في عش مبني على الأرض ما يقارب العشرين بيضة، ومنعا للالتباس، في لبنان نوع آخر من الحجل يعرف بـ (الحجل الصخري) وهو نادر جدا، يشبه إلى حد كبير الحجل البلدي، لكنه ليس من طيور لبنان الأصلية، وقد استقدم من الخارج عام 1994.
عيتاني
وفي هذا السياق، قال لـ "إليسار نيوز" رئيس لجنة التوعية والتوجيه في "مركز الشرق الاوسط للصيد المستدام"، رئيس "التحالف اللبناني لحماية الطيور" الناشط فؤاد عيتاني: "يشكل الحجل إرثا وطنيا في لبنان، ولكن أعداده بدأت بالانخفاض بسبب الصيد الجائر، من استعمال الشبك والشرك وملاحقتها وصيدها بسيارات الدفع الرباعي، كما أنه من أسباب نفوق الحجل بأعداد كبيرة، تسميم برك المياه ضد الثعالب واستخدام الحبوب المسمَّمة من قبل المزارعين بعد تفاقم انتشار القوارض، التي سببها استهداف الإنسان للمفترس الطبيعي لها من طائر البوم والطيور المهاجرة".
وأضاف: "مشكلة ثانية واجهت الحجل اللبناني هي استقدام طائر الحجل الصخري الذي يختلف جينيا مع الحجل اللبناني، فما حدث أن النوعين تزاوجا وقد نتج عن ذلك إضعاف البنية الجينية للحجل اللبناني، الأمر الذي دفع وزارة البيئة الى اصدار قرار يقضي بمنع استقدام أنواع غريبة عن البيئة اللبنانية وإطلاقها في الطبيعة".
وأشار عيتناني إلى أن "صيد الحجل يعتبر جزءا من تراث لبنان، خصوصا وأن صيده صعب ويتطلب مرونة ولياقة بدنية للسير في الجرود الصخرية العالية ومهارة في الصيد، نظرا لطيرانه السريع وتحركه بخفة، ما جعل من صيده موضع تفاخر واعتداد بين الصيادين"، ولفت إلى أن "ما نراه اليوم لم يعد صيدا، مع استخدام الشبك والشرك والتحايل على الطيور ومطاردتها بسيارات الدفع الرباعي".
جمعية حماية الطيور في لبنان
وأشار عيتاني إلى أن "جمعية حماية الطيور في لبنان تتألف من مجموعة أشخاص من خلفيات مختلفة لكن حب المحافظة على الطيور جمعهم، وبصفتي رئيس الجمعية، وعلى سبيل المثال أعتبر نفسي صيادا مسؤولا أصطاد الطيور ضمن الموسم وبالكميات التي حددها القانون"، وقال: "نحن كجمعية لسنا ضد الصيد شرط ان يكون الصيد حسب القانون، فنحن نطالب ونناشد دوما الجهات الأمنية المختصة تطبيق القانون وملاحقة المخالفين الذين يشوهون صورة الصياد المسؤول في لبنان".
وعلق عيتاني بعد مشاهدته ما وثقه الصياد محمد جميل بأن "الصياد المسؤول هو الشخص الذي حمل الكاميرا بوجه الحجل خارج موسم الصيد، ما يعني أنه صياد مسؤول، يعي تماما ان الصيد في الربيع ممنوع قانونيا وأخلاقيا".
"كرج الحجل"
تبقى الإشارة إلى أن ما يميز هذه الطيور المقيمة طريقة مشيها، وغالبا ما تغنى الشعراء بـ "كرج الحجل"، أي مشيته على إيقاع خاص.
(اليسار نيوز)