أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

مـاذا يقـول النـاس عـن موقـف وليـد جنبـلاط الأخيـر؟

الإثنين 10 آب , 2009 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,493 زائر

مـاذا يقـول النـاس عـن موقـف وليـد جنبـلاط الأخيـر؟
مذ أطلق النائب وليد جنبلاط الأحد الفائت عاصفته المدوية، والمشهد السياسي اللبناني مقلوب رأساً على عقب. بال السياسيين، محليين واقليميين ودوليين المعنيين بالشان اللبناني، شغل تماماً بالقرار الذي كان يلمح إليه في الفترة الأخيرة، إلى أن رماه فجأة كرة نار في حضن 14 آذار وكوب مياه باردة في عطش خصوم 14 آذار. الكلام العاصف لم ينته في فصول السياسة بعد.
في مكان آخر، كان حجم المفاجأة هو نفسه في شعب مسيس حتى اطراف أصابعه. شعب استقبل كلام البيك بذهول جعل سؤال «إلى أين؟» الشهير يتحول في الايام اللاحقة إلى محط كلام بين الناس، يقولونه ضاحكين وقد أعاد جنبلاط الحيوية إلى المشهد السياسي، كعادته كلما يصاب هذا المشهد بالرتابة والخمول.
«فاتن اللبنانيين»، كما سماه الكاتب حازم صاغية، فعلها من جديد. ولهؤلاء اللبنانيين، من الاطراف كلها، آراؤهم وتحليلاتهم، و«نظرياتهم»، وهي ربما أكثر وضوحاً وصدقاً مما يخرج عن ساستهم المحكومين بالف حساب وحساب.
هنا غيض من فيض هذه آراء...
يبعد شارع العمروسية، في منطقة الشويفات، بضعة أمتار عن منطقة «البركات»، في حي السلم. الشارع مكتظ، بعض الشيء، برواده وأهله. تماماً كحال البركات. في العمروسية، تتوزع المحال والمنازل بكثافة، هناك أيضاً. لكن تلك الأمتار، «تغلف» آراء مختلفة، حول قضية سجلت جدلاً واسعاً.
الحديث في هكذا موضوع، مع العاديين من الناس ينبغي أن يكون مقتضباً، ويشمل في بادئ الأمر سؤالاً موجزاً ﻜ«مؤيد؟» أو «غير مؤيد؟». الفرضية هذه تأتي بعيد تحديد الفئة الموجه اليها النقاش والسؤال. لكنها فكرة خاطئة. تتلاشى مع العبارات الاولى.
يسهب الرجل الثلاثيني في شرح وجهة نظره حول موقف جنبلاط الأخير، بيد أن الشرح مع هيثم شعبان لا يراد له أن يكون مختصراً، أو عابراً. يبدأ صاحب ملحمة «الملك»، التي تتربع في منتصف الشارع «العمروسي»، بسرد التغيرات الاقليمية، لافتاً الى التقارب السعودي ـ السوري من جهة، و«التوافق الدولي بتسليم القرار العسكري والأمني لسوريا».
يتنهد شعبان قليلاً، ثم يربط ما أسلف، مشيراً الى أنه بعد تسليم الأمن والعسكر لسوريا، فان السعودية من شأنها أن تهتم بالاقتصاد، وذلك وفقاً لخريطة اقليمية أعدت وأصبحت جاهزة. الكلام ما زال لشعبان: «وعليه، فان من لا يريد أن يلتحق بهذا المسار، فسيحكم عليه بأن يعزل من الحياة السياسية، وجنبلاط ضليع بالبقاء في التركيبة السياسية».
شعبان، غير منظم وغير مؤيد لأي تنظيم سياسي، يرى بأن جنبلاط يميز نفسه، وهو يريد أن يخلط الأوراق من جديد. يقول شعبان «العلماني» بحسب وصفه لنفسه إن «وليد بيك، برغم الانقلاب الذي أحدثه، فانه يميل الى 8 آذار».
لا يكتفي الرجل بالتوقف هنا. يكمل مستذكراً الحرب الأهلية التي دامت 15 عاماً. «وقتها، كان في البلد مشروعان. المشروع الأول كان مدعوماً من الاتحاد السوفياتي، أما الثاني فكانت تدعمه أميركا. انهار الاتحاد، واستفردت أميركا في حكم العالم. بعدها، عملت على اختراع الطائف وأعطت سوريا الحق بالوصاية على لبنان. الآن.. انتهى الطائف» يختم شعبان، ثم يضيف: «حالياً، هناك تقارب أميركي ـ روسي. وهذا أمر جيد للبنان، فهو منذ القدم، مرتبط بالأوضاع الاقليمية. ما أود الاشارة اليه، هو أن جنبلاط قد قرأ كل هذه المعطيات، وعلى ضوئها قرر الصواب وعين العقل».
على مقربة من ملحمة «الملك»، يقع محل لبيع النراجيل والفحم. في الداخل، يجلس رجل خلف منضدته. هو في عقده الرابع. لا يحبذ طارق نعيم، المحسوب ـ لكن غير منظم ـ على الحزب «التقدمي الاشتراكي»، بأن يتوسع في الحديث. نقول له إن جاره، غير المؤيد لأحد قد استفاض في شرح وجهة نظره. يحدق قليلاً ثم يردف: «طبيعي جداً أن يفعل هذا» وهو يقصد، من باب الاجابة، النائب جنبلاط. اذن، نفع الاستفزاز عبر الجار. حسناً، «وفقاً لمعرفتك بهذا الشارع، هل هناك أحد معارض لجنبلاط هنا؟» نسأله، فيجيب ضاحكاً «لا يوجد».
بعد الأخذ والرد، يدخل نعيم في الحديث: «يا أخي، اذا وجدت أحداً يمتلك جرأة جنبلاط، فهذا جيد. سأخبرك. ما فعله أبو تيمور هو الصواب، ذلك أنه قرر حل كل من 8 و14 آذار. خلص، انتهى عمرهما! الى متى سنبقى على هذه الحالة؟ كفى».
ماذا عن ردة فعل المنظمين، ألم ينزعجوا، فهم اعتادوا لمدة أربع سنوات أن يهتفوا ضد سوريا؟
يبدو السؤال، للوهلة الأولى، في غير مكانه. ذلك أن النقاش بدأ يذهب الى عقر «التنظيم»، بيد أن الرجل لا يمانع في الاجابة: «بالعكس. شعبية النائب جنبلاط قد ازدادت، لأن الناس واعية. بالاضافة الى أن المنظمين أقسموا الولاء لجنبلاط. لكن هذا لا يخفي أنه يوجد في الحزب بعض المنزعجين، الذين لا يعون عمق وتفكير الزعيم».
هنا الضاحية
تزداد أشعة الشمس اللاذعة. ما ان تستقر عقارب الساعة عند الثانية من بعد الظهر، حتى ينقطع التيار الكهربائي. اننا في الضاحية الجنوبية. تتوزع لافتات تحمل صوراً للرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس حكومة تصريف الاعمال فؤاد السنيورة. هي ليست مؤيدة طبعاً، بل هجومية وغير ممهورة باسم أحد، لكن صاحبها معروف. وراء هذه اللافتات، يقع صالون حلاقة.
يقول مثل شعبي: «اذا ربطت الحمار عند باب الحلاق.. يتعلم الحكي». يسخر صاحب الصالون، الذي فضل عدم نشر اسمه، من الفئة الجديدة التي انبثقت. وهو يعني «أولئك الذين كانوا يكرهون مواقف جنبلاط حتى العظم، وفجأة يصبح موقفه.. استراتيجيا وذكياً!». يهمس الشاب الثلاثني، وهو تقريباً محسوب على 14 آذار، بأن الناس لا تنفك تبرر للأشخاص الذين ينضمون الى صفهم، لو كان «دبليو بوش العظيم».
الحلاق يقول إن معظم أهالي الضاحية الجنوبية لم يتأثروا كثيراً بتغير جنبلاط الأخير. لكنه، أي الحلاق، ينقل بعضاً من الكلام الذي تتفوه به ألسنة زبائنه، وعليه، فان تعليقاتهم ستكون شامتة بالحلاق لأنه «اربعتش آذاري الهوى».
يقول مالك بشير، ابن الثامنة والعشرين ربيعاً، إن موقف جنبلاط «كان عاديا جداً لأنه كان متوقعاً. وللصراحة، كنا نتوقع أن تحصل الانعطافة من قبل». بيد أنه، لمالك صدمة أخرى. ما هي؟
«صدق أنني صدمت وصعقت، عندما عرفت أن سعد الحريري تفاجأ بموقف جنبلاط». يضيف بشير: «الخطير في أسلوب النائب جنبلاط، أنه يكرّس مفهوما قديماً هو أنه في السياسة لا يوجد مبادئ، بل مصالح.. فقط».
يتدخل أحد الزبائن مقاطعاً بشير: «انها السياسة، معروفة بأن عصبها المصالح. يا رجل، جنبلاط يريد مصلحة طائفته. وخذ هذه المعلومة. انه يسشتعر بأن حرباً اسرائيلية قادمة، فقرر لملمة الصفوف، تجنباً لأي حرب أهلية. يا أخي، الزلمي ذكي وحريص على أهل بلده»، يقول، مع هزة رأس معطوفة على سؤال «أليس كذلك يا فلان؟» وفلان هو صاحب الصالون، الذي يقطب حاجبيه ويجيب من غير أن يلتفت عن الرأس بين يدي مقصه: «ايه.. ايه، مظبوط».
.. وهنا طريق الجديدة
خلف جامع «الامام علي» في طريق الجديدة، تقع المحكمة السنية. يستقبل هذا الشارع مواطنين متعددي الهموم والمشاكل الحيايتة: منهم من يخرج فوراً من الجامع الى العمل، ومنهم من يخرج غاضباً، أو فرحاً من السياسة
كان أبو خالد من محبي النائب جنبلاط كثيراً. وهو يفتخر بأن المحبة كانت قديمة. أما الآن، فانه «لا يعنيني في شيء. هو زعيم سياسي، لا تربطنا به أي صلة». تربطنا؟ يشرح أنه محسوب على «تيار المستقبل»، و«فيه عندي تلات ولاد بالتيار، ألله يخليهن للشيخ سعد».
يستطرد أبو خالد، لافتاً الى أن جنبلاط أحزن الشيخ سعد كثيراً. لا مبررات لما فعله «البيك»، بنظر الأب. يقول «اذا شخص ماشي معك منيح، ليه بدك تلخبط معه؟» اليسار واليمين حجة واهية بنظر هذا الرجل الخمسيني. هو يتكلم بحرقة، عن شخص، فعلاً، كان يحبه و«ما تخيلنا يصير هيك. على كلن، نحنا ناطرين رد الشيخ سعد وقعدته معه (مع جنبلاط)».
..ماذا عن الاشرفية؟
تخف حرارة الشمس قليلاً. فالساعة قد تجاوزت الخامسة عصراً. يبدو شارع السيدة، في منطقة الأشرفية، هادئاً. ندخل الى المحل الأول، لبيع الألبسة الرجالية. «لا أتابع سياسة» يقول صاحب المحل. الى المحل المجاور، وهو محل «لانجري». الجواب نفسه.
بعد البحث، نستقر عند دكان صغير، في آخر الشارع. مقابل الدكان، ترفرف صورة للنائب نديم الجميل، وعلى مقربة منها تعلو صورة لرئيس اللجنة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع. صاحب الدكان رجل في عقده السادس، أو اكثر. لا يحبذ الرجل الحديث في موضوع جنبلاط، يكشر دون أن يرفع وجهه من دفتر الحسابات الماثل بين يديه.
هنيهات، وترتخي عضلات وجهه فيردف بهدوء: «لا توجد عند جنبلاط آراء ثابتة. تارةً يهاجم سوريا وتارة يعبر عن مشاعره الدفينة تجاه سوريا ومدى اشتياقه اليها». الرجل ممتعض: «ينبغي على الزعيم السياسي أن تكون مواقفه صلبة وثابتة.. أكتفي بهذه الجملة، شكراً»، ثم تعقب الـ: «شكراً».. «الله معك».
من شارع السيدة، الى ساحة ساسين.
يقف شاب نحيل على ناصية الطريق. انه ينتظر سيارة أجرة كي تقله الى مكان عمله في منطقة الدورة. يعمل بول، في احد المراكز التجارية الضخمة.
بحكم عمله، يعرف الشاب «العوني» آراء كثيرة حول موقف جنبلاط الأخير. يقول: في «المول حيث أعمل، باستطاعتك أن تجد جميع الانتماءات السياسية المتفاوتة، لكل منهم رأي خاص، ولا أنكر بأن قصة جنبلاط باتت حينها، حديث الساعة، لكن دون أي مشاكل، فقط نقاشات».
يلفت بول الى أنه سمع من صديقه، وهو مؤيد «حزب الله»، بأن النائب وليد جنبلاط قد اتفق مع الرئيس نبيه بري على «حل 8 و14 آذار، وعليه ترك جنبلاط 14 آذار، على أمل أن يحل ـ بطريقة غير مباشرة ـ بري 8 آذار». لا يدرك بول مدى صحة الخبرية. لكنه يراها مناسبة وجيدة. ينقل بول رأي أحد أصدقائه «القواتي»، والمتمثل بالسخط الكبير على «البيك» و«هم يهاجمونه حتى بفكرة اليسار، معتبرين أنها ذريعة، فكيف له أن يترك الفلاحين 20 عاماً، ثم يعود اليهم فجأة؟». رأي القواتي هو على ذمة العوني بالطبع.
لبول رأي خاص به. فهو قد فرح جداً بما حصل، نكايةً بـ«تيار المستقبل»، خصوصاً أن (الرئيس المكلف) سعد الحريري قد غادر لبنان في اجازة اثر الصدمة! ينتقل بول من الحديث التهكمي، الى الجدي: «للصراحة، جنبلاط حريص على طائفته، هذا شيء جيد. ونحن حريصون على تحالفنا مع «حزب الله»، وبالتالي، ستحدد الأيام علاقتنا بزعيم المختارة»، يقول الشاب العشريني، ثم يلفت الى أنه يريد اضافة جملة: «وداعاً للسماء الزرقاء.. وأهلاً بقوس قزح».

Script executed in 0.19217801094055