أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

تسلق «سلّماً بشرياً»، قفز فوق حائط السجن، واختفى في الأحراج مخلّفاً قطعة قماش مدمّاة .. وسبعة من رفاقه

الأربعاء 19 آب , 2009 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,705 زائر

تسلق «سلّماً بشرياً»، قفز فوق حائط السجن، واختفى في الأحراج مخلّفاً قطعة قماش مدمّاة .. وسبعة من رفاقه
وقد قامت القوى الأمنية طوال يوم امس بعملية تمشيط واسعة، في المنطقة المحيطة بالسجن، بمعاونة سلاح الجو في الجيش اللبناني، لا سيما الطوافات التي تساعد في المراقبة والاستكشاف، وتم إقفال كل المداخل المؤدية إلى السجن، في حين لوحظ انتشار أمني مكثف في الأحراج والوديان المحيطة بالسجن.
وشارك في عملية البحث مغاوير الجيش، وفهود قوى الأمن الداخلي، واستخدمت الكلاب البوليسية، كما تمت الاستعانة بسرية الخيالة للمرة الأولى.
وتبين أن المشاركين الثمانية في عملية الفرار تسلقوا الحائط على أكتاف بعضهم البعض، ما سمح لسليمان بالقفز والفرار، في حين ألقي القبض على السبعة الآخرين وتم عزلهم. وفي معلومات خاصة بالـ«السفير» أنه قد عثر في المكان الذي سلكه الفار، أثناء هروبه، على قطعة من القميص الذي كان يرتديه وعليها بقعة دم، يعتقد أنها بسبب الأسلاك الشائكة التي علقت بالقميص أثناء عملية الهروب.
وحاجي سليمان مطلوب للقضاء في أكثر من ملف يتعلق بالتنظيم، وما تفرع عنه من شبكات، سواء لدى القضاء العسكري أو القضاء العدلي. وكان المحقق العدلي في أحداث مخيم نهر البارد، القاضي غسان عويدات، قد استجوبه أكثر من مرة في هذا الملف.
ورجحت مصادر أمنية أن تكون بنية حاجي سليمان النحيلة قد ساعدته على الهرب. ويجري التحقيق لمعرفة ما إذا كان أي من العناصر الأمنية متورطا في تسهيل الفرار الذي كان مفترضا أن يكون جماعياً.
وذكرت « المركزية»، أن «المجموعة المؤلفة من ثمانية عناصر، بزعامة أبو سليم طه وهو المسؤول الإعلامي في «فتح الإسلام»، كانت محتجزة في زنزانة واحدة في المبنى «دال» في السجن، وقد عمد أفرادها إلى نشر حديد نافذة الزنزانة، واستحدثوا حبلاً من الأغطية، بعدما حلقوا ذقونهم لتمويه هروبهم. فتسلقوا الحائط على أكتاف بعضهم البعض ما سمح للمدعو طه احمد حاجي سليمان، بالقفز والفرار، فيما ألقي القبض على السبعة الآخرين وتم عزلهم. وأفادت المعلومات أن من بين الموقوفين أبو سليم طه، وأحد المتهمين بتفجير عين علق ويدعى ياسر الشقيري».
أضافت أن «المعلومات التي تسربت من التحقيق الأولي أوضحت أن العملية كانت تهدف إلى تأمين فرار أبو سليم طه، وأن ما كشفها هو سقوط أحد الفارين عن علو خمسة أمتار بعدما انقطع به حبل الأغطية، فتنبه الحراس إلى ما يجري وبدأوا بملاحقتهم، وقد أصيب بعضهم بكسور في الظهر جراء السقوط».
أما «وكالة فرانس برس» فأشارت إلى أن «السجناء الثمانية استخدموا منشاراً لنشر قضبان زنزاناتهم وخرجوا إلى باحة السجن، وشكلوا سلّماً بشرياً بأجسادهم إذ صعد الواحد على كتف الآخر، وكان أولهم حاجي سليمان الذي تمكن من القفز فوق جدار الباحة».
وفور وقوع عملية الفرار، عممت مديرية التوجيه في قيادة الجيش صورة الموقوف الفار، داعية المواطنين إلى إبلاغ أقرب مركز عسكري في حال مشاهدته، أو لدى الحصول على أي معلومات عن مكان وجوده.
واستناب قاضي التحقيق العسكري المناوب القاضي مارون زخور، قائد الدرك العميد أنطوان شكور إجراء التحقيقات في قضية فرار حاجي سليمان من سجن روميه ومحاولة آخرين الفرار وإحباط المحاولة.
إجراءات أمنية في البداوي
واتخذت القوى الأمنية الفلسطينية في مخيم البداوي («السفير») إجراءات أمنية احترازية عند مداخل المخيم على خلفية الفرار، حيث كثفت من تدابيرها الأمنية تحسباً لاحتمال لجوء الفار إلى المخيم. وشهدت مداخل المخيم أمس إجراءات أمنية أكثر من روتينية تمثلت بالتدقيق في السيارات والأشخاص الداخلين إلى المخيم.
وقال مسؤول حركة «فتح الانتفاضة» في الشمال خليل ديب: «إن هذه الإجراءات تأتي انسجاماً مع موقف الفصائل الرافض لأن تتحول المخيمات إلى بؤر للفارين والمطلوبين للعدالة اللبنانية».
نقل وفصل ضباط
وفي إطار متابعة عملية محاولة الفرار أصدر وزير الداخلية والبلديات زياد بارود قراراً اتخذ بموجبه تدابير فورية بتوقيف ضباط وعناصر، ونقل وفصل كافة الضباط والعناصر في كافة السجون.
جاء في نص قرار الوزير أنه «يتضح من التقرير الأولي للمفتشية العامة وجود ثغرات إجرائية قد تكون ساهمت في حصول عملية الفرار». وقرر توقيف كل من: آمر سجن مبنى الموقوفين في السجن المركزي، ضابط الدوام في سرية السجون المركزية، المراقبين العامين كافة في مبنى سجن الموقوفين، حرس الطابق الثالث في مبنى سجن الموقوفين، وذلك لحين استكمال التحقيق الذي تتولاه المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي، وترتيب المسؤوليات والعقوبات في ضوء نتائج التحقيق المذكور.
وطلب بارود إلى قيادة وحدتي الدرك وشرطة بيروت في قوى الأمن الداخلي، كل في ما خصه، إجراء مسح شامل على كافة السجون واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة فوراً وتعزيزها لتأمين حمايتها من الداخل والخارج. وطلب من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي المباشرة فوراً بفصل كافة الضباط العاملين حالياً في كافة السجون (أي إجراء مناقلات) على أن يتم هذا الفصل في مهلة 15 يوماً على الأكثر من تاريخه. كما طلب من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي المباشرة فوراً بفصل أو نقل كافة العناصر من كافة السجون على أن يتم هذا الفصل أو النقل خلال مهلة شهرين على الأكثر من تاريخه.
بارود
وانتقد بارود المزايدات الإعلامية، وأوضح في مداخلة تلفزيونية أن موضوع السجون مزمن وأن هناك فرقا كبيرا بين الاستيعاب الفعلي والاستيعاب الهندسي للسجون، داعياً إلى وضع حد للمزايدات، مؤكداً أنه ينفذ مسؤولياته كاملة ومن يملك أي اعتراض من النواب حول طريقة عمله فليطرح الثقة به.
وفي اتصال مع «وكالة فرانس برس» قال بارود: «أنا لا أقول أن هناك تقصيراً أو تواطؤاً في عملية الفرار من الداخل، التحقيق هو الذي سيكشف ذلك، أنا أتحدث عن ثغرات لا بد من التعامل معها». ورجّح أن يكون السجين الفار «قد تلقى مساعدة من الخارج، أي أن أحداً ما كان في انتظاره لنقله سريعاً إلى خارج المنطقة»، مشيراً إلى أن السجون في لبنان غير مجهزة بالمعدات اللازمة لكشف المعادن، ولا بالعديد الكافي من عناصر الأمن ولا بالتجهيزات الضرورية في السجون.
وتفقد بارود امس سجن روميه، واطلع على التطورات، وجال، يرافقه المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي وقائد الدرك العميد انطوان شكور، في الأحراج المحيطة بالسجن والمقابلة لأوتوستراد المتن السريع، حيث البحث جار عن السجين الفار.
وفي نهاية الجولة، عقد بارود مؤتمراً صحافياً قال خلاله: «سلامة أمن السجن تحتاج إلى تعزيز، فهو عندما شيد كان نموذجياً. أما اليوم فلم يعد كذلك، ونحتاج إلى إعطائه الأولوية. وإذا أردنا فعلاً التعاطي مع موضوع السجون بجدية، لا يمكننا الاستمرار من دون بناء سجون جديدة، ولا يمكن الاستمرار في السجون الحالية من دون أن تعمل صمامات الأمان فيها بصورة أفضل، فلا بوابات اوتوماتيكية، ولا تتوفر الحواجز والكاميرات اللازمة، وكل ذلك يحتاج الى تمويل. لكن هذا أمر أساسي، ويجب أن يكون أولوية».
وتابع: «تناولت هذا الموضوع أمس مع دولة الرئيس (فؤاد السنيورة)، وأعلمني أن مجلس الإنماء والاعمار في صدد تلزيم المبنى الجديد في سجن روميه في أواسط أيلول المقبل، وهذا أمر جيد وايجابي. لكن أعود واكرر أن موضوع السجون ليس مسألة بناء جديد، بل هو أيضاً تأمين كل ما يلزم لقوى الأمن الداخلي المكلفة بهذا الموضوع. إن موضوع السجون هو قيد الانتقال إلى وزارة العدل، بالتنسيق الكامل مع وزارة العدل، وأؤكد التنسيق القائم بين وزير العدل وبيني تحديداً.
وقال: «في هذا الوقت هناك مرحلة انتقالية علينا أن نؤمن كل ما يلزم لتتم بأقل خسائر ممكنة وأفضل ظروف ممكنة. وعلينا أن نعمل على تعزيز قوى الأمن الداخلي بالعديد وبكل الوسائل التي تمكنها من القيام بواجباتها بطريقة أفضل».
وحول المعلومات التي تم الحصول عليها من التحقيقات قال: «هذه معلومات أدعها للتحقيق الذي بدأ على مسارين، الأول تتولاه المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي، والثاني يتولاه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية».
وقال إن «العنوان الأبرز هو انتقال السجون الى إدارة وزارة العدل، وعندما رفعت التقرير الى مجلس الوزراء كان الهدف منه أن نكون كلنا شركاء في هذه العملية، فإذا لم يعط المال الكافي لموضوع السجون لا يمكننا ان نتقدم وأن يتم تعزيز وتطويع قوى الامن الداخلي». أضاف: «أعتقد ان الحكومة اللبنانية تعي اهمية هذا الموضوع، وعلينا التعاطي مع السجناء على انهم اشخاص جديرون بالحماية، لكن على الجميع ان يعلم، بمن فيهم السجناء تحديداً، أن الفرار من السجن والشغب هما أعمال غير مقبولة، وسنتعاطى معهما بكل حزم، وهذه هي الرسالة التي أوجهها اليوم».
نجار
بدوره أعلن وزير العدل ابراهيم نجار في مداخلة تلفزيونية، رداً على اتهام الوزارة بالتقصير، أن هناك تنسيقاً كاملاً بين وزارتي العدل والداخلية في هذا الموضوع. وقال: «بحسب الاتفاقات والقوانين المرعية، نحتاج إلى خمس سنوات لانتقال مسؤولية السجون من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل وباشرنا في هذا الموضوع وطلبنا من النيابات العامة الإسراع في التحقيقات وإصدار الأحكام». ورأى أن لا علاقة لما حصل أمس بمسؤولية وزارة العدل أو المحاكم، «فهذا موضوع يتناوله التفتيش الذي يجب أن يجري مع المسؤولين عن سلامة السجون ومراقبة السجناء».
وكان مدير عام قوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، قد أعلن أن القوى الأمنية أحبطت محاولة فرار مجموعة «فتح الإسلام» من سجن رومية، وأن هناك عنصراً ما زالت تبحث عنه، مشيراً في حديث تلفزيوني إلى «اننا سنفتح تحقيقاً قضائياً ومسلكياً بالحادث».
وأثنى رئيس المجلس العام الماروني، الوزير السابق وديع الخازن، في تصريح له على «روح المسؤولية العالية التي انتفض لها وزير الداخلية زياد بارود إثر حادثة فرار معتقل من سجن رومية».
وكانت وزارة الداخلية والبلديات قد وزعت نص التقرير الذي كان الوزير بارود قد رفعه إلى مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 27/1/2009، بعد أعمال الشغب التي شهدها سجن القبة في طرابلس. وذكّرت الوزارة بما كان خلص إليه التقرير المذكور من أن «عدم اتخاذ التدابير الفورية وعدم الإيحاء بجدية التعاطي مع الموضوع وإعطائه الأولوية، قد يؤديان إلى تكرار أعمال الشغب التي قد لا تتمكن القوى الأمنية من تجنب سقوط ضحايا بنتيجتها».
وأكدت الوزارة أن «القيام بأعمال شغب لا يدخل ضمن حقوق السجناء وحقوق الإنسان التي تسعى الوزارة إلى إعطائها الأولوية على الرغم من الإمكانات المتواضعة».
وإذ أشارت وزارة الداخلية إلى «تنسيق كامل مع وزارة العدل»، ذكرت بأن «وزير الداخلية كان قد طلب من المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي في 20/11/2008 إجراء تحقيق شامل حول معلومات وشكاوى في سجن رومية، وقد أحيلت نتائج التحقيق إلى النائب العام التمييزي الذي كلف المحامي العام القاضي مختار سعد إجراء تحقيق عدلي في الموضوع».
ولفتت الوزارة إلى أن «ثمانية مساجين كانوا قد حاولوا الفرار من الطابق الثالث في مبنى الموقوفين فجر اليوم (أمس)، وتمكنت القوى الأمنية من إحباط المحاولة بالنسبة لسبعة منهم، فيما تمكن سجين واحد من الفرار خارج حرم السجن حيث يجري تعقبه من قبل قوى الجيش والأمن الداخلي».
وتابعت: «في هذا الصدد كلف وزير الداخلية المفتشية العامة لقوى الأمن الداخلي بالانتقال إلى سجن رومية صباحاً وإجراء تحقيق دقيق يبين مكامن الخلل ويرتب مسؤولية التقصير. وقد أنجزت المفتشية تحقيقها الأولي الذي سيتخذ الوزير التدابير المناسبة في ضوئه، بموازاة التحقيق العدلي الذي يتولاه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية».

Script executed in 0.21018815040588