رغم أن منصات التواصل الإجتماعي والفيديو تخفف كثيرا من صدمة التغيير الذي حصل لبنت جبيل منذ نهاية السبعينات وحتى اليوم.فإن المعضلة التي واجهتها في زيارتي الأخيرة ، كانت المُطابقة لصورة بنت جبيل القديمة في المخيلة ،بشوارعها وساحاتها والهضاب المحيطة بها ،وما هو قائم حاليا.المسافات بين أحيائها اصبحت قصيرة جدا،شوارعها نظيفة ، طرقات مؤدية لمعظم البيوت ،المياه تصل يوما واحدا ولمدة ساعات فقط في الأسبوع ، الكهرباء مؤمنة على مدار الساعة، أحياء سكنية جديدة كرست أسماء لمناطق لا يعرفها إلا الصيادون سابقا ، قرميد أحمر يضاهي بلدات جبل لبنان ولمنع نش الأسطح، ربما، بسبب الغش. الجو حار جدا أحيانا ووجود مكيف لابد منه فاشعة الشمس نتيجة للتغير المناخي تهطل بغزارة هنا، شجر الليمون الحامض منتشر في العديد من الجنينات ، لم نشهد ذلك سابقا. محلات تجارية عديدة تفيض عن حاجة الإستعمال ، معظمها مقفل بإنتظار " تحسن الوضع " الذي لا يأتي.الساحة القديمة والبيوت في قلب البلدة تبدو فارغة من السكان. لا حياة للحي والحارة كما عهدناها ، خدمات محلاتها ومطاعمها والسرفيس مؤمنة وبحرفية، جوامعها كثيرة تفيض عن حاجة المؤمنين،ولافتة جامعتها، وللأسف، تلوذ ببناء مدرسة تكميلية. مكتبتها العامة للمطالعة نشيطة وحاضرة لإستقبال المهتمين. يبدو أن وجود بعض الإدارات الرسمية ،كون بنت جبيل مركز للقضاء، ساهم في بث بعض الحياة في أرجائها ، وإلا فمعظم " القرى " التابعة لها قد أصبح مركز جذب إقتصادي حتى لسكانها، وفي أحيان كثيرة تشهد تلك القرى تخصصا إقتصاديا لا يتوفر لها. الأفق في الهضاب المحيطة تغير بسبب تمدد العمران وهو كناية عن فيلات جميلة تتبارى في الهندسة وفنون العمارة وبالمساحة ،ولكن تشكو من إغتراب أوغياب معظم أصحابها، فما الدافع إذا لإستثمار مبلغ طائل مقابل إستفادة ضئيلة؟ لايمكن تفسير ذلك بأموال قطر بعد 2006 فقط . يبدو أن عقل المغترب يعمل إعتمادا على أحلامة غداة سفره، العديد من المغتربين صرفوا تحويشة العمر لبناء بيت أحلامهم ، وإذ يعرضونه للبيع حاليا فلأنهم حققوا هدفا أو أشبعوا نزوة. بيوت تفترض سكن كل أفراد العائلة،على الأقل صيفا، وما يحصل هو العكس، فمعظم الأبناء غير مستعيدين لأكثر من زيارة بروتوكولية كرمى لرجاء الأم والأب ، بالنسبة لهم لاشيءللعمل و التسلية والترفيه في بنت جبيل ، الإغراء صيفا هو بحر صور والسياحة في الجبل وبيروت وصيدا وغيرها من الأماكن التي يتطلب تغطيتها أسبوع على الأكثر.هذا الوضع يجب أن يتجاوز الهمس بين أبناء البلدة إلى النقاش العام. كثير من الفيلل معروض للبيع ( عالسكيت ) وبخسارة ، فأبناء المهاجرين هم أبناء المجتمع العربي الأميركي ومقاربتهم بالدعوة للمجيء ألى هنا على الأقل للزيارة تتطلب سياسة منفتحة وواضحة ، ولرسم تلك السياسة يجب التنسيق بين البلدية في بنت جبيل ونادي بنت جبيل الثقافي الإجتماعي في ديربورن لتنظيم زيارات شبابية( 40/50 شاب وصبية) في الصيف، تذاكر السفر على نفقة النادي والإقامة على البلدية .وبما أن التطوع هو جزء من ثقافة هذا الجيل وكون التطوع في خدمة أي مجتمع إنساني هو من متطلبات دخول أي جامعة ، فإن إستثمار قدرات هذا الجيل سيفضي لنتائج إيجابية وسيزيد من إرتباطه ببنت جبيل.رئيس بلدية بنت جبيل المهندس الحاج عفيف بزي أبدى كل إيجابية للتعامل مع هذا الإقتراح و على امل بأن يقوم النادي بتبنيه.
أتقدم بالإمتنان وجزيل الشكر لكل من غمر إقامتي في بنت جبيل وخارجها بالود والإحترام و الحب والتقدير والتكريم على أمل أن توفر لي الحياة فرصة مجاراتهم بالمثل ،كما كنت أتمنى لقاء وزيارة العديد من الأصدقاء والمعارف والعناوين على مختلف الصعد ولكن الواقع يفرض نفسه " فالنظرية جافة يا صديقي وشجرة الحياة في إخضرار غزير" .
عون جابر 6 /30 /2019