أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

في ذكرى رحيل شاعر "السنديان والزنزلخت" اسعد السبعلي.. الساحر القروي الذي ادهش اللبنانيين ولم يعرفوه! - فيديو و صور

الأربعاء 31 تموز , 2019 10:41 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 28,725 زائر

في ذكرى رحيل شاعر "السنديان والزنزلخت" اسعد السبعلي..  الساحر القروي الذي ادهش اللبنانيين ولم يعرفوه! - فيديو و صور

بدأ "شاعر الضيعة" اسعد السبعلي  الكتابة في السادسة عشرة من عمره، وكانت بذوره جديدة، و بده مفتاح واضطلع على مجمل التجارب الشعرية كشاهد دون أن يتأثر بالكبار من حوله، كان كبيرا في ذاته، فلفت نظر الكبار اليه، شحرور الوادي في سبعل، رشيد نخلة في بيروت، ونعيمه في الشخروب، وبدأت بينهم صداقة طويلة امتدت لتشمل الكثير من شعراء الزجل والفصحى على السواء، أمثال ايليا أبو ماضي، سعيد عقل، أسعد سابا، آميل مبارك، طانيوس الحملاوي وغيرهم…

رفع مستوى الأغنية، بقيت معه شعرا، وصارت مدرسة، طل الصباح ياختي نجوم الليل نجمتان من الشعر زيدتا على السما.. شغل الشعر، الاذاعات، والناس، وصارت قصائده تصلى بعد الأبانا وقبلها عند الصباح وفي المساء، الراعية تقودها القطيع الى الحقول، والأم تسوق بها الأطفال الى النوم، ويومها كان في الشمال طائرة واحدة.. من الورق تنقل المغتربين الى الوطن والوطن الى المغتربين اسمها مكتوب السبعلي ومسبحة واحدة هي مسبحة الراهب ليوسف يونس.

أنشأ سنة 1937 مجلة شعر عنوانها السبعلي، عمل مستشارا في عصبة الشعر اللبناني وربطته علاقة صداقة برئيسها سميو وجارو ورفيقو أسعد سابا، لم تتوقف حتى بعد موت الأخير وأطلق عليهم الكثيرون لقب الأسعدين لكن أسعد السبعلي كان أكثر حظا وأغزر نتاجا وملك الصورة الشعرية دون منازع بين مجايليه..!!

والسبعلي المجنزر في التراب الجبلي، مغطس أيضا في مياه نهر أبو علي نزل هو والقمر من الضيعة الى المدينة، عن سطوح سبعل وقرميد مزيارة الى أوضة الجميزي فجلست الضيعة كلها في غرفة، والشعر كله على شباك وصارت الجميزة ملتقى الشعراء والقبضايات، الياس الحلبي، أحمد الصافي النجفي، أمين نخلة وطانيوس شاهين، وبين أعمدة الجميز وسنديانة سبعل نصب السبعلى مرجوحة مريحة لكثير من الشعراء الشباب وهز لهم حتى صاروا كبارا وطاروا.. مخربين الأعشاش وراءهم..!

عا سفرتـي يمّـي ندمت كتيـر
ليالــي الهنــا يا ربّ رجّعهـــا 
علــوّاه لـو فيّـي لعنـدك طيــر
وإيـدك من البوسـات شبّعهـــا
بعدك بعيني الكون صار زغير
وروحي فراق الأهـل وَجّعهـا 

بيصير قولـك هالحلـم بيصيـر
وبرجع جبـال الأرز اطلعهـا 
وجـرّ العتابا تحـت فيّــة شيـر
وسيكارتـي بالحقـل شرّعهــا 
وقبـل ما تطـلّ الشمـس بكّيـر
حملـة حطب عالبيـت إنتعهـا 
وهالسنديانه الحد سطح البيـر
هالكـل تاريخ الجبــل معهــا
ورندح لستي تحتها ، عالزيـر
ويهــلّ عـالمغزال مدمعهـــا 

كتب السبعلي لوديع الصافي نحو 85 أغنية، ولنصري شمس الدين 34 أغنية، ولصباح ونجاح سلام وسعاد الهاشم ومروان محفوظ وجوزيف عازار ووداد وهيام يونس وهناء الصافي وفنانين آخرين.

وفي بيروت المهدمة على رؤوس الحكماء والشعراء عاش السبعلي جارا للمتنبي نصف قرن تقريبا وكانا جميلين معا، كوردة في يد وردة وسيف في يد سيف، حتى هجرتهما الحرب واحدا الى الصحراء والاخر الى الضيعة ورغم عنادهما واعتزازهما بما أنعم الله عليهما من شعر ونبؤات لم يختلفا يوما على لغة أو لهجة فالقصيدة الرائعة برأيهما فوق اللغة، شمس متى تشرق لا تطلب اذنا من غيمة أو توقيعا من شتاء..!!

وكان السبعلى بخجل يوشوش المتنبى من وقت لآخر ببعض قصائد الفخر والهجاء والأبيات السرية الممنوعة من الصرف كالتي اشتهر بها آميل لحود، آميل مبارك، الياس الحويك، الدكتور شرابية وجان جلخ، وهي لو جمعت أسمح لنا بجمعها لزادت وجها جديدا على السبعلي لكن صديقه المتنبي يأبى عليه أن يوقع شعرا من هذا النوع لأن الجبال لا تنحني مهما قبلت أقدامها المياه والسواقي..!!

قال له المطران بولس عقل عندما حاول أن يحمل عنه حقيبته اتركها يا بني انت بالكاد تحمل عقلك.. وكان يقدمه لزائريه: شوفو.. معي القيصر وكنوزو واشتهر المطران عقل بالذكاء الحاد والنكتة الحاضرة، قال فيه شاعر مجهول عرفنا أنه طانيوس عمانايل: إن ضاع لبنان فلي فيه علامات.. في الرأس عقل وفي الوجنات شامات.

وكان البطريرك المعوشي يودعه الى اسفل درج بكركي قائلا: ليك يا أسعد، لهونيك أسلافي كانو يودعو المفوضين الساميين وأنا شوف وين بدي ودعك. ومبارحه استقبلو البطريرك صفير وضحكتو ملو الدير كانت وعّت كل البطاركه..!!

كتب أمين نخلة هذا الكلام على ديوان والده أمير الشعراء رشيد نخلة وأهداه للسبعلي:
إلى الابن الروحي لصاحب هذا الديوان، بل الى ابنه الذي يجلس في كرسيه المتروك، إلى الأستاذ اسعد السبعلي أمير القول حفظه الله..!!

وصاحب المفكرة الريفية يفكر كثيرا قبل أن يقول كلمته وإذا قالها نحتها نحتا وإذا مشى عاد إليها.
هذا هو اسعد السبعلي، الذي رغم عجقة الأدوية على طاولته الختيارة ما زال منتصبا كصنوبرة الجيران، عنيدا كبيوت الصخر ومغارة الجن، واعيا وأرسخ شاعرية من الأول، قرأ لنا جديدا أهم من قديمه، وقديما ما زال جديدا.

وأعطانا رأيا في الشعر والشعراء قاطعا، وثقا من صحته مشيرا إلى موسوعات عالمية يرتاح اسمه فيها بجانب بترارك و طاغور وعالميين..

كل مكتوب فيه رائحة السبعلي يرد مهاجرا الى الضيعة، كل كلمة فيه تصنع عجيبة وراء البحار.. تقنع قديسا بالظهور.

إنه الساحر، القروي اللاقط للصورة والروح، إنه ملقط الجمر ملقط العاطفة لا يحترق بنار ولا تذوب أصابعه إلا في ماء القصيدة.

المصدر: صفحات 

 

Script executed in 0.18845915794373