أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

4 لبنانيّين يتنفّسون بفضل شجرة... ماذا لو اختفت؟

السبت 29 آب , 2009 07:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,043 زائر

4 لبنانيّين يتنفّسون بفضل شجرة... ماذا لو اختفت؟

إنها يدُ الإنسان التي ابتكرت معادلة بيئيّة جديدة تضع البشر في وجــــه الــشــجــر وتــجــعــل أحدهما توأمً ا للآخر. إن اختفى الشجر فلن يبقى مــن يخبر بــوجــودٍ بشريّ على هذه الأرض.

يــبــدو أنّ الأرض عــــادت لــتــردّ اعتبارها ولتنتقم لبناتها الخضراﺀ ممّن شوّه سمعتها ولطخها بغبار الحرائق وحوّلها بمرامله وكساراته وامتداده العمراني العشوائي الى قطعةٍ قاحلة تستجدي النضرة. وإذا كانت "اللغة" الخضراﺀ لا تتعدّى كونها شعرً ا ونصائح بيئيّة قد لا يحسب لها اللبنانيون حسابً ا، فإنّ الأرقام أكبر من أن يتمّ غض الطرف عنها.

هي شجرة واحــدة كفيلة بجعل عائلة من 4 أفراد يتنفسون على مدار السنة. وهو لبناني له 13 شجرة، في حال أكمل بهذه "الهمّة" التخريبية أو الإهمالية فستنقلب المعادلة لتجعل لكلّ 13 لبنانيا شجرة واحدة.

انطلاقاً من مبدأ أن حياة البشر من حياة الشجر قــرّرت جمعية الثروة الحرجية والتنمية AFDC خوض غمار حملةٍ بيئيّة جديدة تحمل لواﺀ الدفاع عمّا بقي من أشجار لبنان.

"مفتعل او غير مفتعل... إذا اختفى الشجر اختفى البشر.".

. 9 كلماتٍ تحمل فــي طيّاتها فكرة واضحة المعالم والخطوط العريضة، وتؤكد أنّ اختفاﺀ البشر من اختفاﺀ الشجر ســواﺀ كان الحريق مفتعلاً ام غير مفتعل. بوجوهٍ شابّة وبأخرى تملؤها التجاعيد، نجحت الحملة في اقتناص بعض لحظات الخوف الإنساني على صحّته وعلى حياته لتحريك العين التي ترى وجهً ا يتصاعد الدخان من خلفه والقلب الذي يشفق على إعدام بطيﺀ لشجرة تؤمن الأوكسيجين لأربعة لبنانيّين سنويا.

لأن العالم برمّته وضمنه لبنان مهدّدٌ بالزوال بسبب تسارع وتيرة الاحتباس الحراري، قررت الجمعيّة اللعب على وتر هذا الملف متخذة مــنــه عــنــوانــاً جــوهــريــا لحملتها السنويّة. وفــي هــذا الإطـــار تؤكد منسّقة برامج المناصرة والحملة الوطنيّة لإعـــادة تأهيل المواقع الحرجية في جمعيّة AFDC كارين الزغبي أنّ "مــا يميّز لبنان الــذي يقول فيه الجميع" لبنان الأخضر "أنــه متنفسٌ للمساحات الخضراﺀ للمنطقة برمّتها خصوصً ا العربيّة منها. فموقعه الجغرافي يضع في عهدته عددً ا كبيرً ا من الغابات التي يفوق حجمها مــا هــو مــوجــودٌ في سورية والأردن. بدأ الناس يشعرون اليوم أن هناك مشكلة حقيقيّة بحيث ان الفصول تطول حتى بات معدّل الشتاﺀ 80 يومً ا من أصل 365.

ولعلّ هذا التغيّر المفاجئ له عوامل مختلفة. ولكنّ الغابات اللبنانيّة تشكل في المقابل رادعً ا فاعلاً في وجه التغيّر المناخي بحيث تمنح كلّ شجرة الهواﺀ الى عائلةٍ مؤلفةٍ من 4 أفراد لمدّة سنةٍ كاملة".

   عــن أســبــاب انــحــســار مساحات الــغــابــات وانــدثــار الأشــجــار تشير الـــزغـــبـــي الــــى مــجــمــوعــة عــوامــل على رأســهــا "الامــتــداد العمراني والــكــســارات والــمــرامــل والــحــرائــق المتكرّرة. وكلّ هذه الأسباب تترك تأثيرًا مباشرً ا على علاقة الإنسان بالطبيعة والحيوانات أي بالمنظومة الإيــكــولــوجــيّــة، خــصــوصً ــا أن هذه الغابات لا تحتضن أصنافاً حيوانيّة ونباتيّة فحسب، بل تضمّ أنواعً ا نبا تيّة يعتا ش منها ا لكثير ون كالصنوبر. وعليه يتشعّب تأثير اختفاﺀ الأشــجــار ليشمل الصعيد البيئي والاقتصادي والثقافي".

إذا كان اسم البلد يُعتبر هويّة رسميّة يحملها المواطن ويطوف بها دول العالم ليعرّف عن نفسه، فإنّ الغابات تشكل هويّة أخرى للبنان مهدّدة بالزوال مع انحناﺀ كلّ شجرة او احتراقها او اقتلاعها، لتترك الوطن الذي تغنّت فيه الأمم تحت رحمة الـــ "كــان" حين تشير اليه الأصابع الهازئة لتقول "كان لبنان أخضر". وفي هذا المضمار تقول الزغبي: "أيّ ضرر يلحق بالغابات من شأنه أن يقلب التوازنات البيئّة رأسًا على عقب خصوصً ا أنّ الشجر يساعد على تخزين المياه الجوفيّة والحفاظ على التربة ومنع انجرافها ناهيك عن حماية المنظومة الحيوانيّة والغطاﺀ النباتي".

لم تقصّر الجمعيّة في اللعب بصريا على إيقاع عنصر "" الاختفاﺀ، وهذا ما تشرحه الزغبي عن تفاصيل الحملة "التي تولتها ابتكاريا اللجنة التابعة للجمعيّة بعدما اختارت الاحتباس الحراري كشعار أساسيّ لها. أمّا التركيبة اللغوية في جملة" إذا اختفى الشجر اختفى البشر "فتمخّضت عن نقاشاتٍ وتــداولاتٍ عــدّة خاضتها الجمعيّة مع" غراي وورلــد وايــد "التي قدّمت الحملة مجاناً". كما كلّ عــام، أتت الحملة بالشراكة مع وزارتي البيئة والداخلية وبــالــتــعــاون مــع منظمة "الــفــاو" العالميّة والــتــآزر الإيطالي وتحت إشــراف رئاسة مجلس الـــوزراﺀ. أمّا لعبة الصوت في الإعلانات المرئيّة والمسموعة فتقوم على فكرة حوار بين رجلين يصرخ أولهما: "حريقة حريقة" فيجيب الثاني: "ويــن"؟ .

وعندما يردّ الأولّ بخوف: "بالغابة" يقابله الآخـــر بــبــرودة: "بسيطة" فيأتي الجواب حاسمً ا على لسان من بادر بالصراخ أولاً ليحمل الجملة الأهــمّ في الحملة: "شو ما بتعرف إنو إذا اختفى الشجر اختفى البشر، يعني منفطس".

على حلبة الصراع للحفاظ على مــا تبقى مــن بيئة، تعمل AFDC اليوم على إنجاز خطة كبيرة تبتغي زيادة المساحات الخضراﺀ من 13% الى 20% من خلال مشروع يمتدّ على 15 عامً ا بعدما ينطلق في 6 تشرين الأول المقبل تحت عنوان منذ ولادة لبنان وحتى الساعة، لم يغِب ذاك العناق والتعاطف بين تــراب الأرض وكــلّ شجرة ائتمنته عــلــى جـــذورهـــا. لــم يــضــعــف ذاك الشغف الأخضر البريﺀ رغم انهزام "الأخضر" وتقهقره من 35 % الى 13 % في أقلّ من نصف قرن. علاقة لم يهزّها في السابق دخول الشريك الــبــشــري الــثــالــث. أمّـــا الــيــوم فــذاك المثلث "الحياتي" مهدّدٌ بالتفكك...

فحذار المعادلة الغالية التي تقول: "متى اختفت هي اختفينا نحن"، إذ حينها لن تعود سطوة "العاقل" قــادرة على فعل شــيﺀ لإنــقــاذه من اختفاﺀ "اللاعقل" الذي كان يمدّه بأوكسيجين الحياة.


إذا اختفى الشجر تختفي 3000 نوع من النباتات البرية والطبية و350 نوعً ا من الحيوانات. إذا اختفى الشجر يختفي المطر ومعه مخزون لبنان من المياه الأساسية لنحيا. إذا اختفى الشجر اختفى البشر.

 

Script executed in 0.21404695510864