أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

لبنانيّو الغابون تحاصرهم الاضطرابات: المتاجر نُهبت والخسائر بملايين الدولارات

السبت 05 أيلول , 2009 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,274 زائر

لبنانيّو الغابون تحاصرهم الاضطرابات: المتاجر نُهبت والخسائر بملايين الدولارات


لبنانيو الغابون في حالة هلع. أصبحوا رهائن في منازلهم. متاجرهم عرضة للنهب. حكومة بيروت لا حول لها ولا قوة، كذلك حال السفارة اللبنانية في ليبرفيل، التي لجأت أمس إلى نظيرتها الفرنسية طلباً لعون لم يوقف الاعتداءات. حتى التعزيزات العسكرية التي أرسلتها السلطات الغابونية لم تفلح في إعادة الهدوء إلى مناطق سكن اللبنانيين، المتهمين بالوقوف خلف الرئيس المنتخب علي بونغو، والسيطرة على التجارة في البلاد، واستغلال ثرواتها.
مسلسل الرعب هذا بدأ أول من أمس، مع إعلان نتائج انتخابات الرئاسة، التي فاز بها ابن الرئيس السابق عمر بونغو. اندلعت سلسلة من الاضطرابات وأعمال العنف في عدد من المناطق، أبرزها منطقة «بور جانتي»، حيث الأسواق التجارية تحت سيطرة الجالية اللبنانية، التي أُحرق عدد من متاجرها، فيما نُهب البعض الآخر، ما أوقع خسائر قُدّرت بملايين الدولارات.
وفي محاولة لمعرفة أوضاع الجالية اللبنانية في منطقة «بورجانتي»، التي تعدّ العاصمة الاقتصادية للغابون، أجرت «الأخبار» سلسلة من الاتصالات مع عدد من سكانها اللبنانيين، الذين يقدّر عددهم بالمئات، وكانوا قد مدّدوا زيارات عائلاتهم للبنان لما بعد عملية الاقتراع تحسباً للأسوأ.
وأكد اللبناني نعيم أبو زياد، الذي يملك متجراً للمواد الغذائية، أن عمليات النهب والسرقة تواصلت أمس، لليوم الثاني على التوالي. وأوضح شريف أحمد طالب أن اللبنانيين، الذين تربطهم علاقة جيدة بالسلطة، أجبرتهم موجة الاعتداءات هذه على الاختباء في منازلهم لحين انتهاء الأزمة، وذلك بسبب الخوف من أن تتطور أعمال العنف، وأن يتعرضوا للأذى الجسدي، وخصوصاً أن مصطفى ديلاني تعرّض للاعتداء والسرقة بعد دخول مجموعة من الغابونيّين إلى منزله.
وروى ديلاني، لـ«الأخبار»، ما حصل معه ومع عائلته المؤلّفة من زوجته وبناته الثلاث خلال وجودهم في منزلهم. وقال إنه بعدما تعرض متجر الأدوات الكهربائية الذي يملكه للنهب، دخل منزله مجهولون وسرقوا ما خفّ حمله وغلا ثمنه. وأوضح أن نحو 20 شخصاً اقتحموا منزله وقيّدوه وأفراد أسرته قبل أن يسرقوا مبالغ مالية ومصاغاً، ويحطّموا أثاث المنزل. وأشار إلى أن أحد الأشخاص قال له «أنتم اللبنانيين أسهمتم في إنجاح علي بونغو، ونريد أن نقتلكم».
وجاء كلام ديلاني، الذي تحدث عن أسباب انتخابية تقف وراء استهداف اللبنانيين، ليتطابق مع ما أفاد به «الأخبار» التاجر أمين صفا، الذي احتضن منزله أمس اجتماعاً عقده عدد من التجار اللبنانيين للتداول والتنسيق بشأن الأزمة، تخلّله اتصال هاتفي أجراه صفا بعدد من اللبنانيين المقربين من عائلة الرئيس الجديد، بينهم رئيس الجالية اللبنانية في ليبرفيل الحاج عماد جابر، أسفرت بعد طول انتظار عن إرسال فرقة من العسكر الغابوني إلى المناطق الأكثر تضرراً في محاولة لوقف أعمال النهب.
وأكد صفا أن من أسباب كثافة عمليات النهب، التي غالباً ما تشهدها الدول الأفريقية عند إعلان النتائج الانتخابية، ما أظهرته نتائج تصويت اللبنانيّين الذين يحملون الجنسية الغابونبة. وأشار إلى أن هؤلاء، الذين حدّدت لهم المفوضية الانتخابية الوطنية المستقلة المشرفة على الانتخابات في الغابون بالتعاون مع المفوضية القنصلية الانتخابية في بيروت مركزَي اقتراع في مدينة النبطية، صوّتوا بمعظمهم لمصلحة علي بونغو، ما فاقم من حدة الاحتقان لدى أنصار المعارضة، التي تعد «بورجانتي» معقلهم.
كما تحدث صفا عن تعرض عدد من السيارات التي يملكها اللبنانيون للسرقة. وقدّر عدد المحالّ التي تعرضت للنهب بـ 23، إضافةً إلى تعرّض عدد من المستودعات التي يملكها اللبنانيون، وفي أماكن بعيدة نسبياً عن الاضطرابات، للسرقة. وأبدى صفا تخوّفه من أن تشمل الاعتداءات، إذا تجدّدت، المنازل، وخصوصاً بعد فراغ أنصار المعارضة من نهب المحال التجارية.
وأشار صفا إلى عجز الجيش الغابوني عن ضبط الأوضاع على الرغم من فرضه حظراً للتجوال أول من أمس، بسبب عدم التزام أنصار المعارضة، ومواصلتهم عمليات السرقة. وأوضح أن الجيش الغابوني والجيش الفرنسي يركّزان وجودهما في وسط المدينة، فيما المناطق المكتظّة ذات الكثافة السكانية، حيث المحال التجارية، غير محميّة. وتحدث صفا عن خطوات احترازية قام بها العديد من التجار عبر تأخير عودة عائلاتهم، التي تقضي إجازة الصيف في بيروت، إلى ما بعد إجراء الانتخابات وظهور نتائجها.
من جهته، رأى وسيم نور الدين، الذي يملك وشقيقه نديم مؤسّستين تجاريتين (واحدة للمفروشات، والثانية للمواد الغذائية) تعرضتا للنهب، أن الجيش في الغابون يتأخر في فرض الأمن لعدم وجود رغبة لديه في الاحتكاك بالشعب، وتحديداً بأنصار المعارضة، الذين يقودون موجة الاحتجاجات. وأوضح أن «الجيش يريد أن يسمح للمحتجين بأن ينفّسوا عن غضبهم في الشارع، الأمر الذي جاء على حساب المؤسسات التجارية، التي يمتلك معظمها أفراد من الجالية اللبنانية».
وعدّد نور الدين، لـ «الأخبار»، أسماء بعضٍ ممّن تعرضت محالهم للحرق، ومنهم محمد الماروني، من منطقة أرنون الذي يملك محلاً للأدوات المنزلية والكهربائية، وشادي نحلة الذي وصفه بأنه من كبار التجار في الجزيرة، إضافةً إلى كلٍّ من فضل جابر، الذي يملك محلاً لقطع السيارات، والأخوَين حسن ومحمد باقر، اللذين يملكان محالّ للأدوات التجميلية، مشيراً إلى أن خسائرهم تعد الأكبر بين باقي اللبنانيين.
ولم يخلُ حديث نور الدين من مطالبة السلطات اللبنانية ووزارة الخارجية بإيلاء اهتمام أكبر لأوضاع اللبنانيّين في أفريقيا، وخصوصاً أنهم يسهمون في إعالة الآلاف من أفراد عائلاتهم الموجودين في لبنان. وأشار إلى أن الخسائر التي أصيبت بها متاجرهم ستنعكس على أوضاع العاملين اللبنانيين في هذه المؤسسات، موضحاً أن العديدين منهم سيضطرون إلى العودة إلى لبنان لعدم وجود عمل لديهم بعد الآن وفقدانهم لمورد رزقهم.
أما عن الإجراءات التي اتخذتها السفارة اللبنانية لحماية الجالية، فأوضح صفا أنه مع بدء شرارة الاضطرابات أول من أمس، بالتزامن مع بدء صدور النتائج، جرى التواصل مع السفيرة اللبنانية، ميشلين باز، التي أجرت سلسلة من الاتصالات مع المسؤولين في كلٍّ من وزارة الداخلية والخارجية الغابونيتين، والجيش الفرنسي، لتأمين الحماية للبنانيين. وجرى أمس التوصل إلى اتفاق مع السفارة الفرنسية يقضي بقيام اللبنانيين، في حال ارتفاع وتيرة الاضطرابات وتطوّرها بطريقة دراماتيكية تهدّد سلامتهم، باللجوء إلى ثكنة الجيش الفرنسي في المنطقة، على أن يتولى حمايتهم وإجلاءهم، فيما تحدث البعض عن تحديد أحد الفنادق القريبة من الشاطئ في «بور جانتي» ليكون موقع التجمّع للبنانيين.
وفي السياق، طمأن وزير الخارجية اللبناني، فوزي صلوخ، الذي تابع التطورات مع باز، إلى أوضاع اللبنانيين. وأوضح، لـ «الأخبار»، أن السفارة اللبنانية تجري اتصالاتها لتأمين حماية اللبنانيين. وعن وجود إمكان لإجلاء اللبنانيين، استبعد صلوخ اللجوء إلى هذا الخيار في الوقت الراهن، مشيراً إلى تحسّن الأوضاع بالتزامن مع انتشار الجيش الغابوني، والتزام اللبنانيين منازلهم.
بدوره، علق المدير العام لوزارة المغتربين هيثم جمعة على أعمال الشغب في الغابون، نافياً أن يكون الموضوع موجّهاً ضد اللبنانيين «بل هي حالة اعتراض على الانتخابات التي حصلت».
وقال جمعة، لـ«الاخبار»، إن الأمور تتجه نحو التهدئة في مدينة «بورجانتي»، حيث توجد نحو 160 عائلة لبنانية من أصل نحو 6 آلاف لبناني يعيشون في الغابون. ولفت إلى أن «اللبنانيين لم يكونوا مستهدفين بصفتهم لبنانيين، بل إن استهدافهم حصل من ضمن الفوضى» التي وقعت يوم أول من أمس، عقب التظاهرات الاحتجاجية التي نظّمتها المعارضة الغابونية. وأشار إلى أن «وزارة الخارجية اللبنانية أوعزت إلى السفيرة اللبنانية بإجراء اتصالات واسعة في الغابون، وقد عُقد اجتماع بين السفراء الأجانب ووزير الخارجية الغابوني، وجرى تنسيق الإجراءات الكفيلة بحماية الرعايا الأجانب. وبعد ذلك، تدخّلت قوة من الجيش الغابوني لحماية اللبنانيين». وأكد جمعة «استمرار الاتصالات اللبنانية، على أعلى المستويات، وخصوصاً من جانب وزارة الخارجية بالسلطات الغابونية، وبالتنسيق مع السفارة الفرنسية في الغابون، ومع الجالية اللبنانية هناك، من أجل اتخاذ إجراءات تحفظ سلامة اللبنانيين».
ورفض جمعة الربط بين الأحداث التي وقعت ومشاركة اللبنانيين الذين يحملون الجنسية الغابونية في الانتخابات الرئاسية، «إذ إن من اقترعوا في بيروت لم يتجاوز عددهم الـ150 ناخباً، مما يعني أن أصواتهم لم يكن لها أي تأثير في نتائج الانتخابات».
وكان رئيس الجامعة الثقافية في العالم، أحمد ناصر، قد طمأن في بيان له إلى «أن أبناء الجالية اللبنانية في الغابون بخير»، موضحاً أنه تبلّغ ذلك من سفيرة لبنان، ومن نائب رئيس الجامعة رئيس المجلس الوطني القنصل قاسم حجيج، وأن الاتصالات مستمرة لتأمين سلامة اللبنانيين.



فوز علي بونغو والقبضة الفرنسيّة

 

باريس ــ بسّام الطيارة
تغوص الدبلوماسية الفرنسية في محاولات لطمأنة المواطنين الفرنسيّين على أحوال الجالية في الغابون، التي تشهد أعمال عنف لا يبدو أنها ستخمد قريباً مع تصديق المحكمة الدستورية رسمياً على نتائج الانتخابات، ودعوة حزب المرشح المعارض بيار مامبوندو، الذي حل ثالثاً في الانتخابات الرئاسية، إلى «المقاومة».
وقال الناطق باسم اتحاد الشعب الغابوني، توماس ابينغا، أمام مئات المناصرين والصحافيّين، «في مواجهة القمع، يلجأ اتحاد الشعب الغابوني إلى الشرعة العالمية لحقوق الإنسان التي تشرّع في ظروف مماثلة اللجوء إلى المقاومة». وأضاف «معاً سننتصر».
وأعرب ابينغا عن قلق «ناشطي اتحاد الشعب الغابوني على حياة قائدهم»، مشيراً إلى أنه ليس لديه «أي معلومات عن بيار مامبوندو» منذ تفريق اعتصام من جانب قوات النخبة أول من أمس أمام اللجنة الانتخابية، على الرغم من قول أحد مستشاريه حينها إنه «آمن في مكان سريّ».
في هذا الوقت، أعلن وزير الداخلية والدفاع الغابوني، جان فرانسوا، أن حظر التجوال الذي فُرض أول من أمس في بورجانتي، سيبقى سارياً «حتى إشعار آخر».
أما فرنسا، فقد وضعت قواتها في مستعمرتها السابقة في حالة تأهّب مع وصول تعزيرات عسكرية إلى «بورجانتي» بعد تعرّضها لأعمال نهب مكثفة شملت «كل متجر في الشارع الرئيسي»، إضافةً إلى أحد مراكز الشرطة، وفقاً لما قاله المسؤول عن القوات المسلحة الغابونية، دياني مادزتو.
وفي السياق، أعلن وزير الخارجية الفرنسي، برنار كوشنير، أنه «توجد خطط حاضرة» لحماية الجالية الفرنسية البالغ عددها عشرة آلاف، التي توفّر دوراً مركزياً في حياة الجمهورية الأفريقية عبر إدارتها لقسم كبير من الاقتصاد الغابوني، إذا تدهور الوضع، وتوسّعت أعمال العنف.
ويعترف دبلوماسي فرنسي بأن احتمالات اتساع أعمال الشغب، التي وضعت فرنسا في «عين إعصار حملة الاحتجاج على انتخاب علي بونغو»، في تزايد مستمر، وأن التوقعات تميل نحو «خطوط حمراء». وكانت فرنسا قد أعلنت نشر ١٥٠ جندياً حول المنشآت التي أُحرقت، وخصوصاً مكاتب الشركة النفطية العملاقة «توتال» التي ترمز إلى «الهيمنة الاقتصادية الفرنسية» على موارد الغابون، كما يقول أكثر من «معارض غابوني» من اللاجئين السياسيين في فرنسا.
والواقع أن فرنسا هي الشريك الاقتصادي الأول للغابون، وتبلغ قيمة المبادلات بين باريس ومستعمرتها القديمة ٩٦٦ مليون يورو. ويشارك الفرنسيون في مختلف قطاعات الاقتصاد الغابوني، إن على مستوى الشركات، حيث يوجد ١٥٠ فرعاً لشركات فرنسية كبرى، أو على مستوى فردي أيضاً، إذ يوجد عدد لا يستهان به من «المهاجرين البيض» كما يشير إليهم الغابونيون.
وسألت «الأخبار» الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية، إيريك شوفاليه، عما إذا كان بين الضحايا لبنانيون أو مزدوجو الجنسية، وقد أكد عدم علمه بوجود ضحايا لبنانيين، ونفى وجود ضحايا فرنسيين. وعلمت «الأخبار» من مصادر المعارضة الغابونية أن التهم التي توجّه إلى فرنسا بالتدخل في الغابون دعماً لعلي بونغو «تستهدف خصوصاً روبير بورجي»، وهو محامٍ ورجل أعمال من أصل لبناني مقرّب جداً من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والرئيس الغابوني الراحل عمر بونغو. وتتهم المعارضة بورجي بأنه توجّه قبل الانتخابات إلى ليبرفيل برفقة شخصين، يدعى الأول غي نزوبا، والثاني ليمبوما ليباندو، لدعم بونغو الابن، الذي لم تكن استفتاءات الرأي تعطيه أكثر من ٤ في المئة قبل وصول هذه البعثة، بحسب قول المعارضة.
وتحدثت أكثر من وسيلة إعلامية عن دور أدّاه بورجي لـ «تسهيل تخلي علي بونغو عن جنسيته الفرنسية بسرعة قياسية» بسبب عدم سماح الدستور الغابوني لرئيس البلاد بحمل جنسية بلد آخر. كما أن العنف الذي يرافق اتهامات باريس بالتدخل في الانتخابات يعود إلى «تداخل مصالح فرنسية كثيرة» مع «عشيرة بونغو»، التي تسيطر على قطاعات واسعة من اقتصاد البلاد عبر «اليد الحديدية»، وهو الاسم الذي يُطلق على شقيقة الرئيس المنتخب «باسكالين» كما يقول مصرفي في باريس.
ووفقاً لأحد المطلعين على ملف العلاقات الفرنسية الغابونية، فإن «باريس كانت تتوقع حدوث شغب عند إعلان النتائج»، لذا فإن الكي دورسيه نصح على موقعه الإلكتروني المسافرين إلى الغابون بضرورة «الانتباه وتتبّع الأخبار».
واتخذت المجموعة النفطية الفرنسية «توتال» إجراءات أمنية لحماية موظفيها في الغابون من دون الكشف عنها، وفقاً لما أعلنه رئيس المجموعة ومديرها العام كريستوف دو مارجوري، الذي أوضح «لقد اتخذنا إجراءات أمنية لكننا لن نغادر». وأضاف «حتى عائلات (الموظفين الأجانب) أيضاً لن تغادر».
من جهةٍ ثانية، دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيليب كراولي، أمس «جميع الأحزاب إلى احترام العملية الديموقراطية». ودعا المواطنين الغابونيين إلى الرد بهدوء على نتائج الانتخابات. ورداً على سؤال عما إذا كانت واشنطن تعترف بنتائج الانتخابات، أجاب كراولي «لا أعتقد أننا كوّنّا حكمنا، ولا نظن أن العملية اكتملت».

Script executed in 0.19475412368774