كتب د. إبراهيم بيضون:
ليس خبراً عادياً ذلك الذي بلغنا لأيامٍ قليلة خلت وإن كنا نتوقع حدوثه يوماً بعد يوم...لقد رحل معلم الأجيال إنطلاقاً من بنت جبيل قادماً إليها من بيروت و كانت تضحية حينذاك أن يقطع المعلم تلك المسافة إليها و لا يبدي اعتراضاً أو تبرّماً، فقد مارس عمله حال وصوله واستقر في غرفة متواضعة، و انخرط سريعاً في البلدة و تعرف سريعاً مجتمعها حتى بات كأنه أحد أبنائها، متفانياً في مهنته حتى أنه ذات عام و تحديداً في العام ١٩٥٢ كان يدرّس حشداً من التلاميذ تقدّموا في نهاية السنة إلى الشهادة العليا في المدرسة، فرسب منهم أربعة و نجح الآخرون ممّن نيّفوا على الخمسين... و كانت علامة فارقة في تاريخ بنت جبيل التي حفظت للمعلم مكانته، و ظلّ موفور الإحترام، حاضراً في وعي البلدة حتى آخر أيامه.
الأستاذ شعبان و هذا لقبه أو اسمه المشتهر به، دخل وجدان بنت جبيل و ناسها، و حين غادر سيترك حزناً كالجرح فيه، فما رأيت معلماً مثله معطاء يتفانى في التضحية... و لعلّني أكثر من واكبه و اكتنه شخصيته القوية و الطّيبة في آن.
و لعلّني أيضاً أدين له بكثير من نجاحاتي، حيث عشت معه، يبتهج حين يراني و يتباهى بي مؤرخاً أو نالني تكريم ما.
عشت معه في بيتٍ يضمّنا جميعاً، و الجميع يشبهونه و لهم صفاته، و الحاجّة مريم (أم رشيد) ما زلتُ في قلبها و هي في قلبي تزرع الحب حيث مرّت و تاريخها من هذا المنظورمقتبس بعضه أو كثيره من تاريخ أبيها الحاج علي بيضون و زوجها الأستاذ شعبان. و أزعم أنني منهم واكبتهم سنين دائمة و أخرى متقطّعة، و حين يرحل الأستاذ شعبان و قد درج في التسعين، سنفتقد هذه القامة التي ستبقى حاضرة في ذاكرة بنت جبيل...
و ليس أخيراً ما أصعب غيابك و ما أشقّ رحيلك و أنت الحاضر دائماً.
د. إبراهيم بيضون