حسين سعد
كان حكمت الامين، ابن كفرمان، شخصية استثنائية، انطوت منذ نشأته الأولى على مزايا قيادية، وعلى تميز في نظرته إلى الحزب الشيوعي اللبناني الذي انتمى اليه.
أيقونة للعطاء
ومسيرة طبيب القلب - استشهد في مقتبل عطائه مع مجموعة من رفاقه، بينهم المسؤول الأمني للحزب الشيوعي في الجنوب قاسم بدران قبل ثلاثين عاما، بغارة للعدو الإسرائيلي على مقر اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني في بلدة الرميلة الساحلية الشوفية في 26 كانون الأول 1989 - توزعت على محطات كان لكل منها بصمة رائدة. خصوصاً في مستشفى النجدة الشعبية اللبنانية على رابية من روابي كفرمان التي عشقها واستشهد بعيداً من ارضها، ودفن في ثراها.
للشيوعيين واليساريين وفقراء عاين قلوبهم المتألمة، كانت مسيرته المهنية التي امتدت من العام 1973 حتى استشهاده، أيقونة في وجدانهم تتوهج مع كل ذكرى. وخصوصا اليوم في الذكرى الثلاثين لاستشهاده، المتزامنة مع انتفاضة 17 تشرين في كفرمان والتي استلهمت ثوريته وانسانية وإقدامه مع رفاقه.
طبيب الفقراء
لم يكن حكمت الامين، حسب عارفيه، ابن عائلة فقيرة، لينحاز إلى الفقراء انحيازاً كاملاً، كردة فعل ثأرية على فقره. فهو ولد في عائلة متوسطة الحال في 29 كانون الثاني من العام 1944. وكانت العائلة حينذاك تعيش في دولة الكويت لكسب رزقها. أما الفتى حكمت، فمكث في دار جده لوالدته في كفرمان، وتعلم في مدرستها، وكبر ودرس التوجيهية في مصر، قبل ان يشد الرحال إلى الاتحاد السوفياتي لدراسة الطب العام. ومنه إلى سويسرا للتخصص في أمراض القلب والشرايين، ليعود بعدها إلى بلدته كفرمان برفقة رفيقة دربه السويسرية أنطوانيت. وفي كفر رمان بدأ ممارسة مهنة الطب بين أهله في ذروة الاجتياحات والاعتداءات الإسرائيلية، لا سيما اجتياح 1982 الذي امتد جنوباً إلى العام 1985.
حزبي رحب ومبادر
خاله محمد علي نور الدين، الذي يصغره بسنوات ثلاث وتقلب في مواقع قيادية في الحزب الشيوعي، واكب إلى حد كبير مجمل المحطات في حياة الشاب والطبيب والشهيد الأمين، وجميعها تستوطن ذاكرته.
لا تحكم شهادة نور الدين عن حكمت الأمين الخلفية العائلية القرابة بينهما فحسب. فهو يتحدث عن مزايا القائد كعلامة تميز بدأت منذ كان الأمين فتى يافعا، وطالبا مجتهدا ومتفوقا وزاهداً. ويمتاز بإرادة التواصل مع ابناء جيله ويشدهم إلى الأفكار الثورية التي كان ينهل منها، مع مئات من أبناء قريته والجوار في عز المد اليساري.
وكان الأمين أيضا، بحسب نور الدين، يتميز بنظرته إلى لحزب الذي كان ينتمي اليه. لم يكن تقليدياُ وشوفينياً في حزبيته. وحمل هذا التميز إلى موسكو. وكان الحزب حينذاك يعتبر انفتاحه ورحابته حالة "تمرد". ولكنها في الواقع اختلاف في طريقة أو أسلوب العمل الحزبي.
جهاده الصحي الأكبر
عندما أنهى دراسة الطب في سويسرا، عاد إلى المنزل الذي كان نشأ فيه في كنف جدته وجده. لم يمض يومان على عودته، حتى ألتحق الطبيب الجديد بعمل استثنائي: جعل المستوصف في منزل جديه مركز استشفاء للمرضى، ولم يرض أن يعودوا إلى بيوتهم، بعدما تغيب الطبيب المداوم.
لم يتأفف يوما في مهماته المهنية والحزبية. فهو شخص مبادر، ما جعله حالة خاصة وفريدة من نوعها. وكان يردد على الدوام: ما أفعله واجب، وليس عملاً فوق العادة. ولولا الحزب الذي منحني فرصة دراسة الطب، لكنت في أفضل الأحوال معلماً في مدرسة، عدم إمكان دراسة الطب على نفقتي الخاصة.
الجهاد الأكبر كان عند حكمت الامين ورفاقه في النجدة الشعبية التي أنشأ الحزب في المنطقة مستشفى باسمها في منطقة النبطية عام 1980 التي تكن تتوافر فيها مستشفيات، حتى حكومية. وصارت المستشفى تحمل اسمه بعد استشهاده. فهو كان مدماكها الأساسي، بتمويل سعى فيه من دولة الكويت، التي زارها لهذه الغاية مع أطباء آخرين من النجدة الشعبية، ووضع حجر أساس المستشفى وزير الصحة آنذاك، عبد الرحمن اللبان.
ملهم 17 تشرين
يرى عضو اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي الدكتور فياض النميري أن انتفاضة 17 تشرين التي ينضوي فيها أبناء كفرمان والنبطية وغيرهما، ما هي إلا نسخة عن قناعات حكمت الامين وثورته. فروحه مع رفاقه القدامى ترفد هذه الانتفاضة التي جاءت كفعل تراكم نضالي لأجيال من الحزب الشيوعي والأحزاب الوطنية. فالطبيب الأمين كان مميزاً في نضاله الاجتماعي والشعبي الذي بدأ مع انتفاضة مزارعي التبغ ضد الريجي.
وأهمية انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 تتميز في أنها دفعت الحزب للانخراط أكثر في المطالب والنضالات الشعبية الشاملة في المناطق والمدن. وقد برز فيها دور الشيوعين، خصوصا في الجنوب و فرمان والنبطية.
وتحت عنوان "فتى الرمان "، ولمناسبة مرور ثلاثة عقود على استشهاد الأمين، تطلق جمعية النجدة الشعبية والمجلس الثقافي للبنان الجنوبي ونادي التحرر في كفرمان وجمعية بيت المصور في لبنان، ميدالية "طبيب الفقراء"، وطابع بريدي من تصميم الزميل كامل جابر. وذلك في احتفالية تقام عند الثالثة من بعد ظهر الأحد 29 الجاري في نادي التحرر.