أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

تيمور وليد كمال فؤاد جنبلاط.. دوالـيــك

الإثنين 12 تشرين الأول , 2009 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 8,293 زائر

تيمور وليد كمال فؤاد جنبلاط.. دوالـيــك
I ـ الانكسارات المتتالية... والباب الدمشقي
آخذاً بعين الاعتبار، أن تقليد التوريث، قاعدة لا يشذ عنها العرب القدماء والمحدثون، في الدين والفتوى، في المذهب والطائفة، في السياسة والاقتصاد، في الحكم والتحكم، فإن عبور تيمور جنبلاط الباكر، يضع أمام اللبنانيين، حتمية القبول بهذا المنطق التوليدي الطبيعي، ويلزمهم بقراءة الخصوصية الجنبلاطية ـ الدرزية ـ اللبنانية، بمقاربة تأبيد التجديد، بواسطة الجدد القادمين إلى الحياة السياسية، من فم الأعراف وحضانة القبول، وضرورة الترحيب بالقادم الجديد.
يحضر تيمور، في عز انكسار المشروع ـ الجنبلاطي ـ الدرزي الذي قاده وليد جنبلاط، واقتحم مخاطره، وغامر بخياراته، إلى حدود الشروع بالدم. يحضر بطريقة مشابهة عن حضور والده وليد. حيث جاء، في عز انكسار المشروع الجنبلاطي ـ الدرزي ـ الوطني، الذي قاده كمال جنبلاط، بهدف التغيير، في بنية النظام السياسي اللبناني، وتحطيم صورة انبنائه القديم، ومحاولة الاستقلال الجدي عن مؤثرات النظام السوري آنذاك، الذي اختار أن يكون في الطرف، الذي وقف فيه وليد جنبلاط، طوال أربعة أعوام ونيف، هي عمر ما بعد اغتيال الرئيس الحريري.
لم يلتق الأب كمال مع دمشق، فكان الدم.
لم يلتق الإبن وليد، دائماً، وعلى طول، مع دمشق، فكان الإثم. وليس من الواقعي التساؤل، ان كان تيمور، سيقف ذات يوم، او ذات حقبة، ضد دمشق...
II ـ الغابة اللبنانية: ذئابها والنعاج
دخول تيمور إلى السياسة، من بوابة التمهيد الوالدي، والتسهيل الحزبي، والمطواعية الطائفية، لن يواجه بمشكلة داخلية، لقد تم كيُّ الوعي العربي بالتمام. ولم يعد لافتاً أن يشذ الزعماء عن توريث أولادهم، وأصهرتهم وأقاربهم، ولو كانوا في مستوى متدنٍٍّ من الجدارة. المشكلة التي سيواجهها تيمور، هي المشكلة التي قال عنها جده ذات مرة: «لبنان غابة».
دخل وليد جنبلاط الغابة، فكان أحياناً نعجة شاردة مهزومة في منعرجاتها، وأحياناً كان عدة النعاج، فمارس «الهوبسية» بجدارة الذئاب المنتصرة. أليس الانسان، لدى هوبس، ذئباً لأخيه الإنسان»؟ فكيف إذا كانت ذئاب الطوائف تجعر طلباً للثأر، والفتك؟
دخل وليد، وأُلبس عباءة الهزيمة. الدم يسربلها. الحزن أفقها، الدموع تملأ فراغ الروح. كانت ثقيلة على كتفيه، ثقل الجريمة التي ستوضع بين يديه، ليفتي فيها، وبالسياسة. الزعيم أمامه مسجى، مقتولاً، مغدوراً، وذئاب الطائفة تذبح المسيحيين انتقاماً، وبعض الضحايا من أصدقائه ومرابعي طفولته.
دم من خلفه... دم من قدامه... دم في الأفق الممتد من مقر الظلامية الطائفية.
ارتدى العباءة. حذف الجريمة (مؤقتاً). بادر إلى وقف الدم. ولم يغتسل من إثم المقتلة. عندما تكرّرت.
كانت دمشق، الخصم العاتي، المقيم في المعسكر الآخر، على مقربة من بيار الجميل وكميل شمعون وشربل قسيس وسليمان فرنجية. تنتظر عودة «الابن» عن «ضلالة أبيه». وهكذا كان.
بكل جرأة، قال للانكسار، حان وقت الانتقال. وانتقل بسرعة، إلى تلبية متطلبات المرحلة الجديدة: دمشق عاصمة القرار. السادات ذهب إلى القدس. ابو عمار في بيروت، فسهل عليه الخيار. الشاب الذي قدم من الجامعة، وعالم الثقافة، والكتاب الجميل، ومراتع الرجولة الوافرة, بات عليه أن يقيم صلات القربى، مع من لا يودُّه ومن يتقرب منه، ومن يتطلب منه ان يكون نسخة عن والده. لم يفعل.
اختار الاقتراب من ياسر عرفات، عندما يجب ومن دمشق عندما يلزم، ومن الحركة الوطنية... بما يناسب، او، بما يشبه إقامته في تجمع قوى 14 آذار.
III ـ كل شيء ... وأنا كذلك انقلب
زائغ النظرة في ما حوله. كل شيء حوله ويتبدل. حروب هنا وهناك، حلفاء يتحاربون. حلفاء يتحالفون. حلفاء ينفضون. الكل في كل اتجاه، وهو كذلك يتغيّر وينقلب. فالقانون اللبناني الثابت هو التغير الدائم.
لم ينج من تجربة. كل الصعوبات والمشكلات أمّت داره. حتى دخل عليه شيمون بيريز في المختارة، فعافها، وحزم سياسته ودخل بيروت المحاصرة، براً وبحراً وجواً. يقول وليد: «تلك أجمل مرحلة من مراحل عمره» وكان صادقاً. هناك، في بيروت، العدو واضح. وقتاله واضح. والحل... خروج المقاومة من بيروت، فانكسر وليد جنبلاط. جبله قيد الاحتلال. بيروت قيد الأسر، وبعبدا على وشك أن يسقط عليها. رجل جاء في دبابة إسرائيلية، ليكون رئيساً للجمهورية.
ماذا بقي لوليد جنبلاط، غير المنافي العربية والفرنسية. الغابة اللبنانية، صارت ملكاً لذئاب من لون واحد. دمشق خرجت من بيروت منكسرة. المقاومة رحلت مهزومة. الحركة الوطنية ببعض أحزابها، تشرع بنادقها القليلة... من الويمبي إلى الحازمية، إلى عاليه، إلى صيدلية بسترس، إلى عائشة بكار... إلى أن طلع الصوت الإسرائيلي: «لا تطلقوا النار... سننسحب».
واستقر الكتائب بعد مقتل بشير الجميل في قصر بعبدا، هناك الوراثة من نوع آخر. خصوم يرثون بعضهم بعضاً.
ما الذي لم يخضه وليد جنبلاط في حقبة قيادة التناقضات المستحيلة؟ كان ضد اتفاق 17 أيار. ساهم في إسقاطه. قبل ذلك، فرح فرحاً عظيماً بالشرتوني، قاتل بشير الجميل. كانت دمشق، مكان إقامته وتخطيطه وتفكيره، إلى ان سنحت الفرصة، للانقضاض عليها في بيروت، في معركة العلمين. وانكسر وليد مرة أخرى، وعادت دمشق الى بيروت.
IV ـ دمشق الآسرة والأسيرة... وفلسطين
دمشق آسرة وأسيرة معاً، تماماً، تشبه كمال جنبلاط وبعده وليد. لا انفكاك بينهما، صداقة وعداوة. لا مفر للواحد منهما من الآخر. إنهما بالمثنى دائماً... ولا يجتمعان إلا لماماً.
والسيرة الجنبلاطية تستمرّ في تأرجحها المأساوي والملهاتي معاً، في خضم السياسات اللبنانية، إلى أن بات حليفاً عصبياً للمقاومة الإسلامية. المقاومة الوطنية تحولت الى رميم. جدثٌ وطني فقط لا غير. ودامت حكاية الود، مع المقاومة، الى ان حلّ الحليف اميل لحود، في مقام رئاسة الجمهورية.
وكان ما كان... من عداوة وفتنة وفرقة، وسقوط لبنان في الهاوية... وهو ما زال يداوي سقوطه بسقوط أعظم منه.
ما هذه الدوّامة! دوامة لم توفر زعيماً. مَن لم يُقتل؟ رؤساء جمهورية، رؤساء وزراء، قادة أحزاب، قادة ميليشيات، قادة مقاومة، كتّاب، صحافيون، مواطنون عاديون، شياطين أبالسة وقديسون. مَن لم يُقتل في لبنان؟
وكان القتل ضيفاً يراود المختارة وكليمنصو. أخطأ الطريق ومنع من الوصول ـ وها هو اليوم وليد جنبلاط، يودع الستين من عمره، بتسليم أول مفاتيح الزعامة لتيمور.
فأي مستقبل لهذا الشاب... في هذه الغابة الدموية؟
V ـ إلى أين يا تيمور؟
إلى أين أنت ماضٍ؟ العرب بلا أين. إنهم مقيمون في الشتات المرصوص، فلسطين، قتل فيها ابو عمار، ومن بعده، قتلوا غولدستون. لبنان، في قعر الهاوية. لا يَحكم (ياء فتحة) ولا يُحكم (ياء ضمة) ولا حول ولا قوة تستطيع أن تنجيه من نفسه. أبوابه مفتوحة على ثمانية عشر جحيماً، ومنها الجحيم الدرزي ـ السني ـ الشيعي ـ الماروني...
الى أين أنت ذاهب؟ هل سألت والدك؟ ما الذي تورثني؟ الى أين أنا يا أبي! ألا يحق لك أن تكون مطلاً على شرفة الوطن، بدلاً من أن تكون مرسوماً وموشوماً للتضحية... وبلا ثمن.
ليتك تقول يا تيمور: أبعد عني هذه الكأس. استقل من مستقبلك السياسي. ما أنت ذاهب إليه، بعد انتظار والدك، وبعد مضي جدك، زمن يتوّج الوريث قاتلاً او مقتولاً، زعيماً او شهيداً، وطنياً او خائناً؟!
ليتك تفعل... لكن طائفتك لن ترضى. وحزب جدك لن يرضى، والطوائف الأخرى سترفض، لأن أحداً قد يرفض مثلك، فيتنحى.
ماذا لو؟؟؟ ـ لا شيء يبشر بغير ما كتب لبنانياً، سيمضي تيمور، كوالده، كجده، كمن سبقه من الطوائف الأخرى.
إنها الوراثة الملعونة. لا ينجو منها الوارث ولا ينجو البلد.

Script executed in 0.18115305900574