ففي حين كانت بورصة "التفاؤل" الحكومية تستعيد حيويتها مع حديث رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عن "انفراج قريب" وشعور رئيس المجلس النيابي نبيه بري بأنّ "مؤذن الحكومة" سيفك صيامه قريباً، عاد الوضع الأمني إلى الواجهة من بوّابة الجنوب اللبناني..
فخلال ساعات قليلة، شهد الجنوب اللبناني جولة جديدة من جولات "الحرب الأمنية" بين المقاومة الاسلامية ممثلة بـ"حزب الله" والجيش الاسرائيلي انتهت إلى تحقيق "إنجاز" بل "انتصار" جديد للبنان، شعباً وجيشاً ومقاومة، على كل المخططات التي تحاك ضدّ وطنهم.
ففي تطور نوعي ولافت شكلاً ومضموناً يضاف إلى الخروقات الاسرائيلية اليومية للسيادة اللبنانية وللقرار 1701 الذي يزعم الاسرائيليون أنهم "حماته"، تمّ الكشف عن جهازي تنصت إسرائيليين تمّ زرعهما بعد حرب تموز 2006 في احد الوديان بين بلدتي حولا وميس الجبل بهدف التجسس والمراقبة، ما دفع بالجيش الاسرائيلي إلى تفجيرهما عن بُعد، لئلا يقعا في يد المقاومة والجيش.
القصة بدأت قبل منتصف ليل السبت-الأحد حين دوّى انفجار في منطقة خلة العنق الواقعة في وادي الجمل القريب من بلدتي حولا وميس الجبل، الذي تفصله عن موقع "العبّاد" العسكري الإسرائيلي مسافة لا تزيد على ألفي متر. بقي الانفجار "غامضاً" لساعات في وقت استنفرت الأجهزة الأمنية اللبنانية وقوات اليونيفيل التي ضربت طوقاً مشدداًَ حول المنطقة، ليتبيّن أن الانفجار ناجم عن جهاز تجسس إسرائيلي، وأن القوات الإسرائيلية فجرته عن بعد، عقب اكتشاف وجوده من الجانب اللبناني. ساعات قليلة حتى يكتشف الجيش اللبناني وجود جهاز ثان، ومجدداً، عادت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية إلى سماء المنطقة قبل أن ينفجر الجهاز.
وإذا كان اكتشاف هذه الأجهزة يشكل اعتداء وخرقا إضافيا للقرار 1701 ينضم إلى لائحة طويلة من آلاف الخروقات الإسرائيلية، جوا وبرا وبحرا، للسيادة اللبنانية، فإنّ اللافت ربط "حزب الله" للانجاز النوعي الجديد الذي حققه بالضربات الموجعة التي سبق أن منيت بها شبكات التجسس الاسرائيلية المنتشرة على أرض الوطن، وذلك عبر قوله في بيان له أنّ "هذا الفشل الجديد للعدو يأتي بعد فشله في حماية جواسيسه على الأرض الذين كُشف عدد كبير من شبكاتهم في الأشهر القليلة الماضية".
وفي حين لم تعلن المقاومة في بيانها الذي اصدرته قرابة الواحدة والنصف من فجر اليوم كيفية وضع يدها على هذه التقنية المتطورة من الجانب الاسرائيلي، فإن تطوراً أمنياً "نوعياً" آخر شهده الجنوب خلال الساعات الثماني والأربعين الأخير تمثل بإطلاق الجيش اللبناني لنيران مضاداته الأرضية باتجاه طائرات استطلاع إسرائيلية حلّقت على علوّ منخفض فوق الوادي الذي وقع فيه الانفجاران علماً أنّ صحيفة "السفير" ذكرت أن قيادة الجيش أبلغت قائد القوات الدولية العاملة في الجنوب الجنرال كلاوديو غراتسيانو أن الجيش اتخذ قرارا بإطلاق النار على أي طائرة إسرائيلية تخترق السيادة اللبنانية.
أما في الجانب الاسرائيلي، فلم يصدر أي تعليق رسمي فيما قال الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي إن الاتهامات اللبنانية لإسرائيل بزرع أجهزة تنصت لا تستحق الرد. واعتبر أنّ حزب الله يحاول "مرة جديدة تحويل انتباه المجتمع الدولي عن انتهاكاته المستمرة للقرار الدولي 1701".
إنجاز نوعي للمقاومة يدّل على سعي اسرائيل للنيل منها والتجسس عليها
إذاً، إنجاز لبناني جديد تحقق في سياق الحرب الأمنية مع إسرائيل عبر الكشف عن أجهزة تنصت زرعتها إسرائيل في الجنوب اللبناني. الانجاز نوعي، هذا ما يؤكده عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب وليد سكرية لـ"التقرير اليومي" من "النشرة". ويوضح سكرية أنّ هذا التطور النوعي يدلّ على السعي الاسرائيلي الدؤوب للنيل من المقاومة والتجسس عليها. وإذ يضع النائب الخبير في الشؤون العسكرية هذا التطور في سياق الحرب الاستخباراتية المفتوحة بين لبنان وإسرائيل، يشير إلى أنّ الاستعلام والحصول على المعلومات مسألة أساسية في هذه الحرب.
وانطلاقاً من الحدث الجنوبي، يخلص سكرية إلى أنّ إسرائيل زرعت على أرض الجنوب في هذا المكان وربما في أماكن أخرى أجهزة قد تكون مختلفة في النوعية ولكنها تلتقط ما يدور حولها وبالتالي يصبح وجود هذه الأجهزة على أرض الجنوب كـ"وجود عيون لاسرائيل في هذه المنطقة".
عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" يذكّر بأن هذا الأسلوب التجسسي ليس جديداً على إسرائيل التي اتبعته منذ ما قبل اجتياح الـ1982 حين كانت تكشف تسلل المقاومة الفلسطينية على الأرض لتعالجه مسبقاً قبل وصول المقاومة.
كيفية وضع اليد على التقنية التجسسية "سر" يحق للمقاومة أن تحفظه
غياب أي تفصيل عن كيفية وضع اليد على التقنية التجسسية الجديدة في البيان الصادر عن "حزب الله" فجراً ليس أمراً غريباً برأي النائب وليد سكرية فهذا الأمر يبقى من الأسرار التي يحق للمقاومة أن تحافظ عليها. ويوضح أنّ المقاومة تبذل مجهوداً كبيراً لكشف كل ما تفعله إسرائيل وبالتالي فإنها تعتبر أنّ من واجبها أن تكافح أي عملية تجسسية تحصل وذلك لكي تمنع الاسرائيلي من الاستفادة من أي معلومات تؤمن له السبيل للقيام بعدوان ضدّها.
ويذكّر عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" في هذا السياق أنّ هناك صراعاً مخابراتياً بين إسرائيل والمقاومة في محاولة الحصول على المعلومات ويشير إلى احتمال وجود أنوع مختلفة من أجهزة التنصت "التي قد تكون في باطن الأرض وربما تكون مموّهة ومزروعة مع الصخور وغيرها من الاحتمالات".
إسرائيل لن تعترف بعدوانها وعلى لبنان أن يتقدم بشكوى ضدها
"إسرائيل لن تعترف بجريمتها وعدوانها ضدّ لبنان".. بهذه العبارات المقتضبة، يعلّق عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب وليد سكرية على التعليقات الاسرائيلية على الانجاز النوعي الذي حقّقه لبنان ومحاولة الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي التصويب نحو "حزب الله" وكأنه يسعى لـ"تحويل الأنظار عن انتهاكاته" على حدّ تعبيره. تعليقات "سخيفة" برأي النائب سكرية الذي يؤكد أنّ ما حصل يعتبر "عدواناً وخرقاً للسيادة اللبنانية وللقرار 1701" كما أنّه أيضاً "انكشاف لاسرائيل وفشل لها أمام عمل المقاومة". لكنّ التعليقات السخيفة لن تؤثر بأحد برأي سكرية إذ أنّ "إسرائيل يمكنها أن تدّعي بقدر ما تشاء إلا أن الأجهزة موجودة وبالتالي فهي دلائل حسية لا يمكن نكرانها".
وإذ يسخر من القول الاسرائيلي بأن المقاومة لا تزال موجودة جنوب الليطاني بظل موجود الموالين لها من الجنوبيين، يسأل عمّا إذا المطلوب أن يقوم شعب الجنوب بأكمله بإخلاء أرضه لترتاح إسرائيل. أما "الشكوى" ضدّ إسرائيل أمام مجلس الأمن فهي "تحصيل حاصل" برأي النائب سكرية خصوصاً أن ما حصل يشكل انتهاكاً مفضوحاً للقرار 1701 لا يمكن نكرانه.
الجيش يطلق النار على طائرة استطلاع اسرائيلية: إنها مهمته!
تطور نوعي آخر شهده الجنوب خلال الساعات الأخيرة حين أقدم الجيش اللبناني، وفي تحرك نادر، على تصويب نيران مضاداته باتجاه طائرة استطلاع اسرائيلية. الأمر ليس غريباً، كما يقول عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب وليد سكرية لـ"التقرير اليومي"، وهو يوضح أنّ ما قام به الجيش هو "مهمته" وبالتالي، فإنّ هذه الخطوة كان يجب أن يقوم بها الجيش قبل الأمس. ويشير سكرية إلى أنّ "الجيش يجب أن يسعى للحصول على السلاح المناسب ليسقط الطائرة الاسرائيلية ولا يكتفي فقط باطلاق النار عليها لتسجيل موقف".
ومن الذي يمنع الجيش اللبناني من الحصول على هذا السلاح؟ يجيب سكرية سريعاً: "الكلّ يعرف من الذي يمنع الجيش.. إنها الحكومة المرتبطة بأميركا لأنّ أميركا ترفض تسليح الجيش اللبناني لأنه يريد قتال إسرائيل". ويلفت سكرية إلى إمكان شراء السلاح من دول ليست حليفة لأميركا "لكنّ الحكومة اللبنانية المرتبطة بأميركا والحليفة لواشنطن لن تقدم على ذلك"، يقول جازماً.
وهل سيتغيّر الوضع مع حكومة الوحدة الوطنية الآتية؟ هنا أيضاً الاجابة سريعة وحازمة "لا.. إنه تقاسم للأدوار في حكومة وحدة وطنية أستبعدها.. الأمر لن يتغير فالأكثرية ملتزمة بالمشروع الأميركي ووزارة الدفاع هي بذات التوجه"..
جولة أخرى من "الصراع الاستخباراتي" بين لبنان وإسرائيل انتهت إذاً بإنجاز نوعي للمقاومة التي أحبطت عملية تجسسية إسرائيلية خطيرة. وإذا كانت إسرائيل الرسمية التزمت الصمت حتى اللحظة، فإنّ الأسئلة تكثر عن الجولات المقبلة في إطار هذا الصراع وعمّا ستحمله الساعات الأربع والعشرين المقبلة من أحداث وتطورات. فهل يتصدّر الوضع الجنوبي اهتمام تقرير الغد؟ أم أنّ الملف الحكومي يعود إلى واجهة الأحداث؟