رأى الرئيس فؤاد السنيورة خلال حوار أجرته معه قناة "إكسترا نيوز" المصرية عبر الهاتف، اثر الاحداث التي شهدتها بيروت السبت، أن "الكلام الجيد الذي صدر عن رئيس الجمهورية بالدعوة الى التهدئة والوحدة الوطنية ونبذ الفرقة والفتنة الطائفية، وهو عمليا مثل الكلام الذي قاله رئيس الحكومة السيد حسان دياب وأيضا عدد من المرجعيات السياسية مثل الرؤساء: نبيه بري وسعد الحريري ونجيب ميقاتي وغيرهم من السياسيين وأيضا مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان والمفتي عبد الأمير قبلان وكثير غيرهم. كلهم دعوا إلى الحرص على الوحدة الوطنية وإلى عدم اثارة الفتن والنعرات الطائفية والمذهبية، وهذا كله كلام جيد ولكنه لم يعد كافيا".
وقال: "هذه الأفكار والمثل والقيم أصبح يفترض بالجميع ان يحترموها فعلا وليس قولا فقط لا بل وأن يمارسوها يوميا. لقد أصبح مطلوبا من هذه القيادات والمرجعيات السياسية والحزبية والدينية أن تتصرف بدرجة عالية من التبصر في علاقاتها مع باقي الجماعات السياسية والدينية، وذلك يكون بالدعوة الى التشديد على مناصريهم بعدم اللجوء إلى التلفظ بمثل هذه الشعارات البائسة التي تفتعل الفرقة افتعالا وتحض على الفتنة بين اللبنانيين. هذا هو التصرف العاقل الذي يجب ان يصار إلى التقيد به والداعي إلى الوحدة بين اللبنانيين. وهو عمليا أشد ما يحتاجه لبنان في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها، إذ أنه يعاني حاليا من فترة شديدة الصعوبة سياسيا ووطنيا واقتصاديا ومعيشيا ووضعه قد ازدادت هشاشته وأصبح دقيقا ولا يحتمل أي تصرفات غير مسؤولة من هنا أو من هناك. كما أنه لم يعد يستطيع ان يتحمل أو يتصدى لتصرفات يتقصدها البعض لإثارة وإشعال الفتن في لبنان".
أضاف: "الحكومة الحالية تمثل حكومة اللون الواحد، وهي عمليا ومن خلال ممارساتها وإدارتها للحكم وللشأن العام تأخذ لبنان الى مسارات لا تؤدي ولا تساعد على حلحلة مشكلاته، بل إلى تعميقها والى تفاقمها. وهذه المشكلات هي وطنية وسياسية واقتصادية ومالية ومعيشية. مثلا، نجد ان فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس الحكومة ما زالا يستعصيان عن القيام بالإصلاحات الكثيرة المطلوبة، فلبنان ما زال يعاني وعلى مدى سنوات من استعصاء مستمر وعدم تجاوب لا بل وتقصد من العديد من السياسيين من أجل عدم القيام بالإصلاحات الإدارية والسياسية والاقتصادية والمالية المطلوبة، وها هو يحصد اليوم نتيجة هذا الاستعصاء، مما يضطر اللبنانيين الآن إلى مواجهة تفاقم هذه المشكلات وانعكاساته وتداعياته على الأوضاع العامة، واضطرارهم لتحمل كلفة أكبر بكثير من اجل القيام بالإصلاحات المطلوبة، والتي أصبحت أكثر إلحاحا، مقارنة مع كلفتها فيما لو تمت في السابق".
وعن كلام الرئيس حسان دياب "لماذا تتحمل الحكومة كلفة ودفع الفاتورة كاملة وهي نتيجة أخطاء متراكمة لعقود"، قال الرئيس السنيورة: "الدرس الأول في العمل السياسي الذي يجب ان يتعلمه كل مسؤول سياسي هو أن الحكم استمرار، وفي المبدأ من أولى واجبات ومسؤوليات العهد والحكومة ورئيسها العمل على التصدي للمشكلات والقيام بالمعالجات اللازمة، وإلا لماذا أتوا إلى الحكم وهم كانوا شديدي الحرص على تولي هذه المسؤولية؟".
أضاف: "صحيح أن الرئيس حسان دياب عمره في السلطة ما يزيد قليلا عن 100 يوم ولكنه يعرف هذه المشكلات، وإلا لماذا قبل هذه المهمة وتحمل المسؤولية؟ أما بالنسبة الى رئيس الجمهورية فهو في موقع السلطة المباشرة منذ حوالي الأربع سنوات كرئيس للجمهورية، لكنه كان وكمسؤول أول في التيار الوطني الحر، وهو التيار الذي كان الطرف الأكبر والأساس في ممارسة السلطة اللبنانية والنفوذ، وذلك منذ أكثر من 12 عاما. هذا الفريق السياسي شكل وعلى مدى سنوات طويلة عاملا أساسيا في الاستعصاء الحاصل وفي معارضة الإصلاحات. لذلك، فإن المقولة التي يرددها الرئيس حسان دياب غير صحيحة. ومن جهة أخرى، إن الطرف الذي تمثله هذه الحكومة، وهو الذي اتى بها وحملها إلى السلطة ومكنها من أن تحمل المسؤولية الحكومية هو المجموعة التي يمثلها رئيس الجمهورية والمؤلفة من التيار الوطني الحر ومن حزب الله وحركة أمل. كان يفترض بأعضاء هذه الحكومة الذين جاؤوا على أنهم تكنوقراط أي خبراء وحياديون، تبين بعد ذلك وفعليا ان كلا منهم يمثل طرفا سياسيا من تلك الأحزاب الثلاثة تمثيلا كاملا، ويتقيدون بكافة التعليمات التي تصدر إليهم من قبل هذه الأحزاب الثلاثة".
وتابع: "لقد اتخذ منذ أيام عدة، قرار في جلسة لمجلس الوزراء عقدت في السراي الحكومي برئاسة رئيس الوزراء من اجل القيام بواحدة من تلك الإصلاحات المطلوبة أي موضوع الكهرباء، وتحديدا معمل سلعاتا، الحكومة برئيسها وأعضائها بأكثريتهم، وبعد أن اخذوا قرارا بهذا الشأن، فإذا برئيس الجمهورية يستدعيهم مباشرة بعد ذلك الاجتماع ويطلب منهم تغيير موقفهم وإلغاء ذلك القرار. أنا أستشهد بهذه الحادثة للدلالة على الدور الذي تلعبه تلك الأحزاب في ممارسة السلطة ومنذ سنوات طويلة. لذلك، لا أحد يستطيع ان يقبل بهذه الأعذار والتبريرات بأن "هذا ارث وما خلونا نشتغل". هذا الموضوع يجب ان ننتهي منه، هم في السلطة لأكثر من نصف الفترة التي يقولون عنها ثلاثين سنة ماضية، أي أنهم مسؤولون وعلى الأقل مسؤولية مباشرة عن أكثر من خمس عشرة سنة ولا سيما خلال السنوات العشر الماضية، وهي الفترة التي تفاقمت فيها الأمور الوطنية والسياسية والاقتصادية والمالية والنقدية على الشكل الذي نراه الآن".
وإذا كان "المتظاهرون الغاضبون في الشارع الجمهور السياسي لما يعرف بـ14 آذار او هم لبنانيون"، قال: "هم فعليا كذلك ويمثلون قطاعا كبيرا من اللبنانيين ولا سيما من الشباب الذين يشعرون بأنهم مهمشون ولا يستمع إليهم، وهم أصبحوا يواجهون نتائج تعقد هذه المشكلات وتفاقمها، والتي انفجرت مؤخرا، وخصوصا بعد 17 أكتوبر الماضي. صحيح أن فريقا كبيرا ممن كانوا محسوبين على فريق 14 آذار هم جزء أساسي من شباب هذه الانتفاضة، لكن هؤلاء الشباب فاض بهم وأصبحوا يطالبون بالتغيير وبضرورة العودة إلى احترام الدستور والقوانين ومصلحة الدولة اللبنانية لكي تتمكن من بسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية. وها هم يشهدون على التدهور المتزايد للأوضاع من جوانبها كافة وعلى أكثر من صعيد".
أضاف: "الآن وبعد التدهور الكبير في الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية، فإن الأمور أصبحت تستدعي من الرئيس والحكومة مواجهة الحقيقة بشجاعة ومسؤولية وليس الاستمرار في إضاعة الوقت. الأمر المستغرب أننا ما زلنا نضيع وقتا ثمينا وعلى الأقل منذ ثمانية أشهر وما زلنا في حال تساؤل هل نريد فعلا ان نبحث أوضاعنا مع صندوق النقد الدولي او لا نبحث. الحقيقة المرة هي أنه كان بإمكان لبنان تجنب الذهاب الى صندوق النقد الدولي لو نفذ الإصلاحات المطلوبة والتي كان يجب ان تتم في نهاية التسعينات وبعد مؤتمرات باريس الثلاثة في الأعوام 2001 و2002 و2007، وبعدها وفي أكثر من مناسبة جرى تطبيقها. ولكن المشكلة أن الاستعصاءات والعناد استمرا وهما ما زالا مستمرين وفي تفاقم متزايد حتى الآن. اللأسف نحن مضطرون ومن أجل الخروج من هذه المآزق المتكاثرة، أن نتحمل كلفة أعلى ووجعا أكبر".